الثلاثاء 10 أغسطس 2021 - 19:48

اسماء جمعة تكتب: أما آن الأوان لأهل دارفور أن يستريحوا؟ P_204810
من الاخر - أسماء جمعة


ظروف عصيبة ما زالت تشهدها دارفور واكثر من ثلاثة عقود، كل يوم ينفتح فيها جرح جديد وقبل أن يندمل ينفتح الآخر وهكذا حتى اصبحت مثقلة بالجراح الملتهبة، أكثر من ثلاثة عقود والمصائب تمسك بتلابيبها الواحدة تلو الأخرى ولا تنفك ابدا، من النهب المسلح الى التمرد الى الحرب الشاملة والصراعات القبلية والانفلات الامني والحوادث اليومية، سقط النظام المخلوع السادي وارتاح أهل السودان، إلا أهل دارفور ما زالوا يقتلون بعضهم البعض لاتفه الأسباب وأحيانا بلا أسباب، اكثر من ثلاثة عقود وصوت السلاح لم يصمت في ارضها ولا جهود تنجح في اسكاته.
دارفور التي يقال عنها إنها بلد القرآن والحكمة، والرأي، اليوم يهدر أهلها دماء بعضهم البعض ويتقاتلون وكأنهم لم يعرفوا الاسلام يوماً، بل وكأنهم ليسوا أهلا عاشوا مئات السنين مع بعضهم وتصاهروا وتقاسموا الدماء والأرض وليس، بينهم ملح وملاح.
ثلاثة عقود والناس لا يسمعون عن دارفور إلا اخبار الصراعات والموت والعنف، وكأنها تعيش في عصر الجاهلية، لا أحد يسمع عن مهرجانات ولا أعياد حصاد ولا أي صوت للحياة فقط صوت الموت يطغي على المشهد.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن الى متى سيعيش أهل دارفور في هذا الحال؟ إلى متى سيبقون سجناء في الأوهام التي أدخلها تجار الحرب إلى عقولهم وجلسوا بعيدا يحصدون الارباح، إلى متى سيقبلون العيش في هذا الجحيم؟ فالحياة ليست ارضا ولا عرقا ولا قبيلة وإنما لحظات يستمتع فيها الناس بعلاقاتهم الاجتماعية وتعاونهم وتعزيز مصالحهم المشتركة يزرعون الحب ويجنون السلام وفي النهاية الأكرم عند الله هو الاتقى.
دارفور خلال تاريخها الطويل تمكنت من تكوين ارث زاخر بوسائل فض الصراعات الفاعلة التي مكنتها من معالجة الصراعات التي تعكر صفو أهلها العرب وغير العرب الذين تعايشوا، ومهما حدث من صراعات كانت تنتهي بحل سريع غير قابل للنقض ويظل قويا ومستمرا لأجيال عديدة فكثير من القبائل ظلت تحترم عهودها التي التزمت بها قبل عشرات السنوات الى وقت قريب، هذا كان يحدث في زمن الجهل والتخلف وسوء المواصلات والاتصالات وغياب الحكومات، وفي ظل الظلم والتهميش الحقيقي، وبدلا من أن يستمر ذلك الإرث ويتطور انتهى في هذا الزمن، زمن الانفتاح والعلم والمعرفة وسهولة الحياة وارتفاع نسبة التعليم بين أبناء دارفور، وهي فعلا مفارقة غريبة.
اعتقد ان دارفور تحملت ما يكفي وخسرت الكثير ويحتاج اهلها اليوم إلى اعادة قراءة التاريخ وفهمه، والأهم منه إعادة قراءة الواقع الحالي الذي يفرض نفسه، لقد آن الأوان ليستريحوا من رحلة الصراع الطويلة التي لم يجنوا منها غير الشقاء والتعاسة والسخرية والازدراء، ولابد من مبادرات من أهلها توقف العنف، فهم إن لم يسعوا إلى السلام لن يأتي به أحد اليهم وحتى وإن اتي فلن يكون مثل الذي يصنعونه بأنفسهم، جربتم القتل كثيرا فجربوا الحياة مرة لتشعروا بالفرق.