الأحد 6 فبراير 2022 - 6:57

بين فرحة إخراج الطفل ريان من قعر البئر في عملية إنقاذ صعبة ومعقدة استمرت عدة أيام وبين إعلان وفاته رسميا، أصيب المغاربة ومعهم ملايين العرب بالذهول والصدمة وعدم التصديق.
كانت اللحظات الأخيرة لإخراجه مساء السبت عصيبة، حيث كانت عيون ملايين المشاهدين العرب عبر العالم مشدودة للشاشات خلال 4 أيام من الجهود المتواصلة والحفر الدقيق والبطيء، للوصول إليه في البئر التي سقط فيها على عمق 32 مترا وقطر حوالي 45 سنتيمترا.
محاطين بأصوات تكبيرات آلاف المواطنين الوافدين على قرية أرغان الجبلية بضواحي شفشاون شمال المغرب، خرج رجال الإنقاذ يحملون الطفل بسرعة كبيرة لتنتشر فرحة عارمة استمرت لدقائق قبل أن تتحول لمأتم عندما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بلاغ الديوان الملكي ينعى وفاة الطفل ريان.
وفي الساعة العاشرة إلا ربع بتوقيت المغرب، نشرت وكالة المغرب العربي للأنباء بلاغ الديوان الملكي جاء فيه "على إثر الحادث المفجع الذي أودى بحياة الطفل ريان اورام، أجرى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، اتصالا هاتفيا مع السيد خالد اورام، والسيدة وسيمة خرشيش والدي الفقيد، الذي وافته المنية، بعد سقوطه في بئر".
وأعرب الملك المغربي عن تعازيه ومواساته لكافة أفراد أسرة الفقيد، مؤكدا أنه كان يتابع عن كثب تطورات هذا الحادث المأساوي، ومنوها بالجهود الدؤوبة التي بذلتها مختلف السلطات والقوات العمومية، والفعاليات الجمعوية، وبالتضامن القوي، والتعاطف الواسع، الذي حظيت به أسرة الفقيد، من مختلف الفئات والأسر المغربية.

تعتيم وتنمية
وعرفت اللحظات الأخيرة لإخراج الطفل ريان من قعر البئر تعتيما كبيرا جعلت المجال مفتوحا لانتشار الشائعات وتضارب الروايات حول حالته الصحية، قبل أن يخرج بيان الديوان الملكي بعد دقائق من إخراج الطفل ليعلن رسميا وفاته.
ورجح الصحفي المغربي حمزة الوهابي أن تكون السلطات قد علمت بوفاته قبل الوصول إليه وإخراجه من البئر.
وأوضح للجزيرة نت أن عددا من المؤشرات تثبت ذلك، من بينها توقف المسؤولين على العملية عن إرسال لقطات فيديو للصحفيين تظهر الطفل وحالته منذ يوم الجمعة مثلما دأبوا على ذلك في الأيام السابقة، كما أنهم رفضوا طيلة يوم السبت تقديم إجابة قاطعة وواضحة حول الحالة الصحية للطفل وما إذا كان حيا، وكان الجواب على أسئلة الصحفيين الملحة غامضا "نأمل أن يكون حيا".
ويعتقد أن تكون السلطات انتظرت إنهاء الحفر وإخراج الطفل لإعلان وفاته رسميا، تجنبا لحدوث فوضى في القرية التي كانت تعج بآلاف المواطنين الذين قدموا من مختلف المدن لمتابعة جهود الإنقاذ.
وقال حمزة إن عملية إخراج الطفل عرفت تهاونا وتأخرا في البداية بسبب عدم تقدير المسؤولين المحليين خطورة الوضع، ولم تبدأ التحركات الجدية إلا بعد يوم من سقوط ريان في البئر، واستمر العمل ليل نهار دون توقف واتخذ طابعا احترافيا.
وأكد حمزة -وهو مدير نشر صحيفة شمالي وهي موقع جهوي بشمال المغرب- ضرورة معالجة أسباب الحادثة بشكل جذري، وهي ظاهرة "الصوندات" أو الآبار الارتوازية ومشكل تزويد تلك المناطق القروية بالماء والكهرباء وتعبيد الطرق، داعيا في هذا الصدد إلى إطلاق برنامج تنموي كبير في إقليم شفشاون يشمل جميع القرى الجبلية.
دموع ونعي
تصف المغربية بشرى المكاوي خبر وفاة الطفل ريان بالفاجعة، فهي منذ أيام تتابع عبر شاشة التلفزيون من بيتها مساعي إنقاذه، بينما ابنها البكر يتابع التطورات في المقهى مع أصدقائه.
"كان لدي أمل بأن يخرجوه حيا لكن مع الأسف لم يحدث ذلك" تقول بشرى للجزيرة نت، وتضيف "شعرت أنا وابني الصغير الذي كان بجواري بفرحة غامرة، لكن فجأة صدمنا بخبر وفاته عندما أعلنه التلفزيون الرسمي، غالبتني دموعي، أما ابني فانقطع عن الكلام وأغلق عليه باب غرفته".
بينما تقول سمية الفاقيهي البالغة من العمر 17 سنة، للجزيرة نت "بعد أيام من الانتظار فرحنا أخيرا بخبر إخراج الطفل ريان، لكن فرحتنا لم تدم ليفاجئنا خبر موته".
وتوضح سمية أن الخبر نزل على قلبها وعلى قلوب المغاربة والشعوب العربية وغيرها كالصاعقة.
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى بيت عزاء مفتوح، يتبادل فيه رواده من مختلف الدول العربية التعازي، بعد وفاة طفل جمعتهم قصته المأساوية ووحدهم الأمل في خروجه من جوف البئر سالما معافى.
نعى الطفل ريان الأمراء والرؤساء والوزراء والفنانون والمثقفون والكبار والصغار في تدويناتهم وتغريداتهم.
ويفسر محمد كريم بوخصاص الباحث في قضايا الإعلام هذا التفاعل الكبير مع هذه القصة الفريدة فيقول "فضلا عن البعد الإنساني في قضية الطفل ريان، كونه طفلا لا يتجاوز عمره 5 سنوات وعالقا داخل بئر ضيقة، فإن تفاعل المغاربة السريع مع الحدث ومشاركتهم المكثفة لقصته في مواقع التواصل الاجتماعي كان وراء حجم التفاعل الجارف محليا وعربيا وعالميا".
ولفت إلى أن عملية الإنقاذ البطولية التي استمرت 5 أيام متواصلة أصبحت بحد ذاتها قصة ملهمة تحظى بالتفاعل، وقد ساهم -بحسبه- صمود ريان في إضفاء بعد أكبر على ملحمة وطنية شعارها "إنقاذ ريان".
وأضاف أن وجود أمل في قصة هذا الطفل وبحث العالم العربي عن قصة ملهمة تكون نهايتها مفرحة وسط الخيبات أجج الاهتمام والمتابعة.