الأربعاء 2 مارس 2022 - 23:02

تحليل: أحمد يوسف التاي
لم تكن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو إلى موسكو والتي تزامنت مع الإعتداء الروسي على أوكرانيا إلا موضع لبنة في جدار العزلة الغربية على الخرطوم والتي قطعت أشواطاً بعيدة بعد إنقلاب 25 أكتوبر الماضي ، خاصةً بعد تجميد المساعدات الأمريكية والأوربية للسودان والتهديد بفرض عقوبات على قادته العسكريين والتراجع عن إعفاء الديون ، في وقت يرى فيه أكثر من مراقب سياسي أن إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر نفسها كانت بضوء أخضر من قوى دولية فاعلة ومؤثرة في المشهد السوداني، لوضع السودان بين قُضبي رحى العزلة الدولية ليسهل الضغط عليه لتنفيذ كل مايطلب منه بخطى حثيثة ولاسيما التطبيع مع إسرائيل…
إتجاهات الضغوط الغربية:
بعد إستيلاء المكون العسكري على السلطة في البلاد عقب إجراءات 25 أكتوبر واجهت السلطات السودانية سيلاً من الضغوط الغربية لاسيما من الإتحاد الأوربي في وقت إتفق الغرب على أن ماجرى في السودان إنقلاب عسكري يجب مواجهته، بينما إنهالت الوفود الغربية على الخرطوم لاستجلاء موقف المكون العسكري ورغم التطمينات التي ظل يطلقها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بعدم رغبة الجيش في الاستمرار بالسلطة إلا أن نبرة الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع الخرطوم ظلت على الدوام نبرة تهديد بوقف المساعدات والتمويل والتراجع عن إعفاء الديون بمافي ذلك إيقاف برنامج دعم الأسر السودانية )ثمرات( والذي توقف عملياً بعد الإنقلاب إلى جانب العديد من المكاسب والمزايا التي حصل عليها السودان بعد الثورة والإنفتاح على العالم الخارجي وفك العزلة الدولية التي استمرت ثلاثة عقود …
إتجاهات الضغوط الغربية والأمريكية على المكون العسكري في السلطة لم تتوقف عند هذا الحد بل تعدته إلى التهديد بتوقيع عقوبات على قادة الجيش السوداني، وبناءً على تلك التطورات والفتور في علاقات السودان مع تلك الدول بدا مراقبون بالداخل وتأسيساً على تلك المعطيات التنبوء بعزلة دولية وشيكة على السودان أشبه بماحدث لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي مهد له موقف السودان من غزو العراق.
الزيارة الملغومة:
زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو إلى العاصمة الروسية موسكو على رأس وفد من الوزراء وكبار المسؤولين، كانت ستكون عادية وطبيعية لولا أنها جاءت في توقيت تزايدت فيه الضغوط الغربية على المكون العسكري في السلطة ، وكذلك إندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا…
جاءت الزيارة بعد ملامح الفتور الذي ظهر عرَضه على علاقات السودان مع الغرب وأمريكا والضغوط والتهديدات التي لوحت بها الولايات المتحدة وبعض دول الإتحاد الأوربي ، مما يمكن أن تُفسر على أنها محاولة للاستقواء بالروس وطلب حمايتهم واللجوء إليهم بعد نفور الغرب وتزايد ضغوطه الظاهرة والمستترة…
الزيارة أيضاً جاءت متزامنة تماماً مع الهجوم الروسي على أوكرانيا ، وما أُبرم من إتفاقيات عسكرية وإقتصادية بين الخرطوم وموسكو في وقت الحرب والاصطفاف الدولي مما قد يُفهم منه موقف سوداني مؤيد للإعتداء الروسي على أوكرانيا…خاصة وأن روسيا تعول كثيراً على مصادقة السودان على الإتفاق الخاص بإنشاء القاعدة البحرية الروسية ببورتسودان، وما دعوة حميدتي لزيارة موسكو في هذا التوقيت إلا لإنهاء هذا الأمر المهم بالنسبة لروسيا….
ومازاد الأمور تعقيداً أن هذه الإتفاقية التي أبدى عليها رئيس مجلس السيادة تحفظاً على بعض بنودها ورفض المصادقة عليها إلا بعد معالجة تلك النقاط موضع تحفظه، تباحث بشأنها نائبه حميدتي مع الروس في ظل خلافات مخفية تردد أنها نشبت بين رئيس مجلس السيادة ونائبه حول عدد من القضايا، ولايدري أحد على وجه الدقة هل تم الإتفاق بين البرهان وحميدتي بشأن نقاط الخلاف في الإتفاقية قبل الزيارة، أم لا.
غزو الكويت و)سيناريو( العزلة:
عقب إعتداء نظام الرئيس العراقي صدام حسين على الكويت وإحتلالها في مطلع التسعينات أبدى السودان موقفاً ضبابياً في وقت كانت الجامعة العربية تريد في إجتماعها الطاريء أن تسمع مواقف حاسمة وواضحة تدين إعتداء العراق على الكويت.. وقتها الموقف السوداني بدأ متذبذباً ورخواً بين ضرورة حل المسألة بالحوار وفي إطار البيت العربي ، وبين عدم إدانة واضحة للإعتداء والإحتلال العراقي للكويت، وبينما السودان في هذه الحالة الضبابية فهم الجميع أن موقف السودان مساند للغزو العراقي للكويت ، وكان ذلك الموقف بمثابة الأساس في بناء صرح العزلة الغربية الأمريكية على السودان …
السودان والإعتداء الروسي:
الناظر إلى موقف الخرطوم الحالي من قضية الإعتداء الروسي على أوكرانية يجد الخطوات متشابهة تماماً للموقف الضبابي الذي أعلنته الخرطوم في تسعينات القرن الماضي بشأن الغزو العراقي للكويت وبهذا أوجد أكثر من مبرر للمتربصين بأمنه واستقراره…
الموقف الذي أعلنته وزارة الخارجية السودانية بشأن إعتداء روسيا بعد استفسار سفراء الإتحاد الأوربي عن الموقف السوداني لاستجلائه، كان دبلوماسياً وغير واضح تماماً : )أننا مع الحوار وحل المسألة بالتفاوض ، وكذا..( في وقت وقفت فيه دول الإتحاد الأوربي بباب السودان لتسمع إدانة واضحة للإعتداء الروسي على أوكرانيا وهذا ما لم تفعله الخرطوم الذي يتباحث الرجل الثاني فيها مع الروس في بلادهم .. وهو ذات الموقف حمال الأوجه الذي أعلنه نظام البشير إزاء غزو العراق للكويت بينما الدول العربية وقتها تنتظر وتتوقع إدانة واضحة لا لبس فيها للغزو العراقي، وهو ما إنتظره أيضاً سفراء الدول الغربية على حسب تصريحات رئيس وفد السفراء الغربيين )روبرت فان( الذي أبدى إهتماماً واضحاً بإعلان الموقف السوداني ، وتعشم أن يكون داعماً ومسانداً لمجموعة الدول المناهضة للإعتداء الروسي، ولكن هذا بالطبع لم يحدث…
إمتناع السودان عن التصويت:
ثم جاء بعد ذلك إمتناع السودان أمس الأول عن التصويت ضد روسيا بمجلس حقوق الإنسان وهو تصويت يقتضي أمرين إما الموافقة أو الرفض لإجراءات مجلس حقوق الإنسان.. إمتناع السودان عن التصويت ضد إدانة روسيا يعني وقوف السودان في منطقة جدلية خاصة في ظل الزيارة التي سبقت الإشارة إليها ، فلا هو يدين الإعتداء الظاهر، ولا هو يؤيده بشكل واضح ، أو على الأقل هذا ما يفهمه الغرب الذي يريد ويطلب بإلحاح من السودان إدانة الإعتداء الروسي بشكل واضح وصريح،وذلك لنقل السودان من مربع الوقوف مع روسيا إلى منطقة الحلفاء الغربيين ليسهل جره نحو التراجع عن الإتفاقيات التي أبرمها مع موسكو لتكون نتائج زيارة حميدتي إلى روسيا هي العودة بخفي حنين ، وتسديد صفعة لموسكو التي تعول كثيراً على سواحل البحر الأحمر وميناء بورتسودان لإقامة القاعدة العسكرية البحرية هناك..