الثلاثاء 22 مارس 2022 - 22:52
عندما أدخلت زنزانة الرئيس عمر البشير في الساعة الواحدة صباحا يوم ١٨ ابريل ٢٠١٩ لأشاركه الزنزانة بعد اعتقالي الساعة الثانية عشرة منتصف الليل ، جالت بذهني خواطر عاصفة وأنا أقارن بين آخر مرة زرته فيها في بيت الضيافة في الصالون المعد لاستقبال الضيوف من الداخل والخارج، وبين الزنزانة في القسم الشرقي من كوبر، وهي بناء عتيق صلب من الطوب الأحمر الذي فقد نضارته وجماله وتكسرت بعض جوانبه. فتح مزلاج الزنزانة ورأيت الرئيس قائمة يصلي ثم أقبل علينا وبعد السلام قال لي ضاحكا : حسبتك جئت زائرا حتي أبصرت حقيبتك فمرحبا. دخلت معه الزنزانة وتم إغلاقها من الخارج. وهي غرفة تتسع بالكاد لسريرين ومنضدة بها كل ما لديه من الأدوية ومستلزمات السجن من مصحف، وكتاب وقارورة مياه إلخ ، وبالزنزانة حمام داخلي . جلسنا متقابلين علي السريرين نتبادل التحايا والمعلومات ، ولاحظت أن البعوض يحوم حولنا وأن الرئيس يذبه عن جسمه كل مرة ونحن في الحديث. قطعنا معظم الليل في الأنس ويا له من أنس . لم تتبدل نبرات الرئيس المعهودة وتعليقاته الساخرة بتبدل الأحوال. في مثل هذه الظروف يجأر الشخص المعتقل بالشكوى والاحتجاج علي سوء المعاملة ويصب جام غضبه علي من اعتقلوه ويطالب بالافراج الفوري. ولكن شيئا من ذلك لم أره . وهو يدخل السجن لأول مرة في حياته وللتجربة الأولى رهبتها ووحشتها لرجل ملأ مركزه في قيادة الدولة ويدين له الكل بالولاء والطاعة ، ولكنه تبدو عليه دروس الإعداد المسبق لهذه المواقف ، في أسرته ومجتمعه وإسلامياته وعسكريته، كلها تضافرت لتخفيف وطأة ذهاب السلطة . الثبات في الواقف الصعبة نعمة يهبها الله لمن يحب ، والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يدعو فيقول: اللهم أسألك الثبات في الأمر والعزيمة علي الرشد . قلت له مازحا: أخي الرئيس ليس لديك برنامج ليوم غد ، فقد قضيت ثلاثين عاما ليس لك وقت للراحة. اليوم أنت لست مسئولا عن سعر الرغيف والوقود، ولا عن مرتبات العاملين ولا عن ارتفاع الدولار ولا عن التصدي للتمرد، لست مسئولا عن مؤامرات البيت الأبيض ولا عن خبث الخليج ولا فهلوة الجار ولا عن عقوبات مجلس الأمن على السودان. لست مسئولا عن متابعة نتائج الحوار الوطني ولا عن مجلس الوزراء ولا عن مطالب الولايات… الآن تنعم بأربع وعشرين ساعة ليس فيها ازعاج هواتف ولا حضور جنائز أو عقودات أو زيارة مرضى أو أقارب أو محتاجين. كل الوقت الآن بينك وبين ربك في خلوة فريدة يتمناها كل مؤمن ويسعد بها كل منيب. وهجعنا بعض الوقت قبل الأذان وفتح الباب لنصلي مع إخوتنا في الزنزانة الأخرى . وانتهي اليوم الأول لي في الدورة الخامسة في كوبر ، فقد كانت الأربعة السابقة في عهد الرئيس نميري عطر الله قبره وغفر ذنبه.
مولانا أحمد إبراهيم الطاهر
عندما أدخلت زنزانة الرئيس عمر البشير في الساعة الواحدة صباحا يوم ١٨ ابريل ٢٠١٩ لأشاركه الزنزانة بعد اعتقالي الساعة الثانية عشرة منتصف الليل ، جالت بذهني خواطر عاصفة وأنا أقارن بين آخر مرة زرته فيها في بيت الضيافة في الصالون المعد لاستقبال الضيوف من الداخل والخارج، وبين الزنزانة في القسم الشرقي من كوبر، وهي بناء عتيق صلب من الطوب الأحمر الذي فقد نضارته وجماله وتكسرت بعض جوانبه. فتح مزلاج الزنزانة ورأيت الرئيس قائمة يصلي ثم أقبل علينا وبعد السلام قال لي ضاحكا : حسبتك جئت زائرا حتي أبصرت حقيبتك فمرحبا. دخلت معه الزنزانة وتم إغلاقها من الخارج. وهي غرفة تتسع بالكاد لسريرين ومنضدة بها كل ما لديه من الأدوية ومستلزمات السجن من مصحف، وكتاب وقارورة مياه إلخ ، وبالزنزانة حمام داخلي . جلسنا متقابلين علي السريرين نتبادل التحايا والمعلومات ، ولاحظت أن البعوض يحوم حولنا وأن الرئيس يذبه عن جسمه كل مرة ونحن في الحديث. قطعنا معظم الليل في الأنس ويا له من أنس . لم تتبدل نبرات الرئيس المعهودة وتعليقاته الساخرة بتبدل الأحوال. في مثل هذه الظروف يجأر الشخص المعتقل بالشكوى والاحتجاج علي سوء المعاملة ويصب جام غضبه علي من اعتقلوه ويطالب بالافراج الفوري. ولكن شيئا من ذلك لم أره . وهو يدخل السجن لأول مرة في حياته وللتجربة الأولى رهبتها ووحشتها لرجل ملأ مركزه في قيادة الدولة ويدين له الكل بالولاء والطاعة ، ولكنه تبدو عليه دروس الإعداد المسبق لهذه المواقف ، في أسرته ومجتمعه وإسلامياته وعسكريته، كلها تضافرت لتخفيف وطأة ذهاب السلطة . الثبات في الواقف الصعبة نعمة يهبها الله لمن يحب ، والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يدعو فيقول: اللهم أسألك الثبات في الأمر والعزيمة علي الرشد . قلت له مازحا: أخي الرئيس ليس لديك برنامج ليوم غد ، فقد قضيت ثلاثين عاما ليس لك وقت للراحة. اليوم أنت لست مسئولا عن سعر الرغيف والوقود، ولا عن مرتبات العاملين ولا عن ارتفاع الدولار ولا عن التصدي للتمرد، لست مسئولا عن مؤامرات البيت الأبيض ولا عن خبث الخليج ولا فهلوة الجار ولا عن عقوبات مجلس الأمن على السودان. لست مسئولا عن متابعة نتائج الحوار الوطني ولا عن مجلس الوزراء ولا عن مطالب الولايات… الآن تنعم بأربع وعشرين ساعة ليس فيها ازعاج هواتف ولا حضور جنائز أو عقودات أو زيارة مرضى أو أقارب أو محتاجين. كل الوقت الآن بينك وبين ربك في خلوة فريدة يتمناها كل مؤمن ويسعد بها كل منيب. وهجعنا بعض الوقت قبل الأذان وفتح الباب لنصلي مع إخوتنا في الزنزانة الأخرى . وانتهي اليوم الأول لي في الدورة الخامسة في كوبر ، فقد كانت الأربعة السابقة في عهد الرئيس نميري عطر الله قبره وغفر ذنبه.
مولانا أحمد إبراهيم الطاهر