الأربعاء 22 يونيو 2022 - 19:26

يعيش السودانيون أوضاعاً سيئة دفعت عدداً منهم للإقدام على الانتحار، إذ وضعت إحصاءات منظمة الصحة العالمية بهذا الشأن السودان في المركز الأول بمعدل 17.2 حالة انتحار بين كل 100 ألف شخص، وكانت إحصاءات عامي 2009 و2013 تشير إلى أن عدد الوفيات بالبلاد جراء الانتحار وصل إلى 2134 حالة.
وفي عام 2015 تصدر السودان قائمة الدول الأعلى انتحاراً في العالم العربي. أما عام 2016 فبلغ عدد المنتحرين في السودان 3205. وفي 2021 تم تسجيل السودان كثاني أكبر بلد به حالات انتحار بين البلدان العربية.
الموت بـ”الصوت والصورة”
الكاميرا وثقت حالات انتحار خلال الأسابيع الماضية، إذ تداول مغردون على صفحات التواصل الاجتماعي فيديو يوثق أربعينياً يقفز من أعلى كوبري الحلفايا بمدينة بحري.
المنتحر قام بتصوير نفسه قبل الانتحار بلحظات. وقال في الفيديو، إنه “بكامل قواه العقلية قد قرر الانتحار برمي نفسه من أعلى الكوبري”. وتابع حديثه، الذي أدلى به من داخل سيارته قبل لحظات من إنهاء حياته، قائلاً إن “الحياة ضاقت به، وتعب من بؤسها وظلمها”.
ثم نطق المنتحر الشهادتين. وطالب الجميع بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يتقبله الله ويدخله الجنة مع الشهداء والصديقين. قبل أن يترك هاتفه ويقفز نحو النهر.
الفيديو شكل صدمة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أكدوا أن الظروف المعيشية دفعت آلاف الأشخاص للانتحار. مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تعتبر من أكثر الأسباب التي تؤدي للانتحار.
قالت الطبيبة النفسية هويدا نادر، إن “ارتفاع عدد المنتحرين في السودان يرجع للضغوط المتعددة التي يعيشها أفراد المجتمع ويجدون الخلاص في التخلص من حياتهم، خصوصاً أن المجتمع لا يتعرف بالعلاج النفسي الذي قد يؤدي إلى التخفيف من هول المصائب، ولا يلجأون له إلا في حالات متأخرة”.
وثقت الكاميرا أيضاً محاولة انتحار من أعلى كوبري الفتيحاب بمدينة أم درمان تم إفشالها، وأظهر الفيديو امرأة تقف أمام زوجها، حيث سقطت من أعلى الكوبري ليحلق بها الزوج، في الوقت الذي نجحت مجموعة من الشباب في إنقاذ الاثنين، أمس الثلاثاء.
وقال شهود عيان، إن “عدداً من الشباب الذين تجمهروا فوق الكوبري استطاعوا السباحة وإنقاذ المرأة بعد أن شارفت على الموت”.
كم عمر الانتحار؟
لم يقتصر الانتحار في السودان على فئة عمرية معينة، إذ شكل المراهقون النسبة الأعلى انتحاراً في البلد، تلتها فئات عمرية كبيرة.
وعن الدوافع التي تدفع الأطفال للانتحار. قالت نادر إن “الضغوط الأسرية على المراهقين والشباب في سن الجامعة تدفع عدداً منهم لإنهاء حياتهم، خصوصاً في حال كانت معدلاتهم الدراسة أقل من توقعات الأسرة”.
وأضافت نادر، أن” البطالة وانتشار المخدرات من الأسباب التي زادت من عدد نسب الانتحار، حيث يدفع الألم الجسدي والنفسي بسبب التعاطي عدداً من الشباب لإنهاء حياتهم، ناهيك بعدم تفهم الأسر وتقبلها لوضع ابنها المتعاطي، إذ تقابله بالجلد والاستنكار وأحياناً كثيرة بالطرد من المنزل”.
عدد كبير من المنتحرين في السودان لجأ إلى إنهاء حياته عبر القفز من أعلى الكباري المنتشرة في العاصمة. يقول السباح محمد سليم، مشارك في إحدى فرق الإنقاذ البحري، إن “عدد الحالات التي تأتي في اليوم تكون أحياناً أكثر من حالتي انتحار بالقفز من النيل. وغالباً ما تكون في الصباح الباكر، ونجري عملية البحث والتمشيط بعد مرور وقت من اختفاء الضحية، وفي أحيان كثيرة يتم إنقاذ الضحايا في حال كنا قريبين من موقع الحادثة”.
وحول ما يتعلق بشعور الضحية لحظة الإنقاذ، يؤكد سليم أن “أغلب الذين تم إنقاذهم يواجهون الأمر في البداية بالاستنكار، ثم تأتيهم حالة وعي فجأة ويشكرون الله، ثم يعلنون عدم رغبتهم في تكرار الأمر، وبدورنا نعرضهم على المتخصصين النفسيين حتى يتعافوا تماماً”.
اكتئاب وإهمال وعنف
الباحثة الاجتماعية لبابة فيصل أكدت أن “الأسر سبب رئيس في ازدياد حالات الانتحار، خصوصاً أنها تنظر للمريض النفسي بلامبالاة بالغة، لذلك ينتهي به الأمر منتحراً”. وأضافت أن “عدد المنتحرين سيزداد ما لم تحدث توعية مجتمعية بخطورة المرض النفسي، وعدم الاستهانة به، لأنه أحد العوامل التي تؤدي لقتل النفس”.
أما الأسباب الأخرى فتلخصها فيصل في “الضغوط المالية، وأزمات الأسرة، وتعاطي المخدرات”. وأعربت عن أملها في “عدم استهتار الأسر بالحالة النفسية لبعض أفرادها، والتعامل مع أي حالة لمحت للانتحار بجدية، ومحاولة إنقاذها وتقديم جرعات علاج نفسي لها بصورة سريعة”.
نشاطات حقوقيات. اعتبرن العنف الأسري أحد أسباب انتحار مئات الفتيات، حيث تعاني بعض الفتيات من ضغوط أسرية وعنف نفسي وجسدي وجنسي بواسطة أسرهن مما دفعهن للانتحار.
وقالت الناشطة الحقوقية لمياء سالم، إن “العنف الجسدي الذي تتلقاه الفتاة منذ صغرها يدفعها في لحظة من اللحظات للإقدام على إنهاء حياتها. وقد شهدت مراكز العلاج النفسي عدداً من الفتيات اللاتي أقدمن على الانتحار مرات عدة وفشلن في ذلك، لكن بعد انقطاعهن عن العلاج أنهين حياتهن”.
وأضافت سالم، أن “وضع قوانين واضحة وقاطعة ضد العنف الجسدي، وحتى اللفظي، يجعل مئات الفتيات في أمن وصحة نفسية جيدة تمنعهن من التفكير في إنهاء حياتهن”.
إندبندنت