الإثنين 1 أغسطس 2022 - 5:04

تقرير: محمد جمال قندول
غداً الاثنين يوافق الحادي والثلاثين من يوليو، حاملاً معه شهراً طويلاً بمقياس السياسة التي احدثت متغيرات جديدة ومنعرجات مفاجئة تأتي في مقدمتها قرارات البرهان في الرابع من الشهر الجاري، واضعاً حداً لمشاركة الجيش في العملية السياسية وداعياً القوى والمكونات للتوافق واختيار رئيس مجلس وزراء، وانسكب الكثير من الحبر واطل الخبراء والمراقبون بشكل كثيف للجمهور عبر الوسائط المكتوبة والمسموعة والمرئية تحليلاً لتداعيات خطاب الرجل الاول بالدولة وتصوراتهم للمشهد، غير ان احداً لم يتطرق حتى الآن لمصير الجنرالات الاربعة بمجلس السيادة )دقلو، كباشي، جابر والعطا(، ومصيرهم على ضوء المتغيرات، وحال شكل البرهان حكومة ومجلساً اعلى للقوات المسلحة لمهام الأمن والدفاع هل سيحتفظون بمواقعهم ام ينتقلون الى محطات اخرى ام منهم قد يغيبون عن واجهة الاحداث وينزوون؟ وذلك ايمانا بأن ادوارهم قد انجزت في واحدة من اهم مراحل البلاد السياسية والوطنية الحرجة.
حميدتي ودوره الجديد
قبيل قرارات البرهان بايام حزم نائبه الجنرال الفريق اول محمد حمدان دقلو حقائبه صوب حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة، وذلك لمهمة تبدو صعبة، وهي احلال السلم المجتمعي. ووصل دقلو الى تلك البقاع وصال وجال فيها لاسابيع، وعقد لقاءات مصالحة واسعة بين القبائل، ورافقه في تلك الزيارة عضوا مجلس السيادة الطاهر حجر والهادي ادريس. وفيما كان الرجل الثاني بالدولة في تطوافه كانت الخرطوم مسرحاً لقرارات جديدة للبرهان، وهو يخرج في خطاب قصير مساء الرابع من يوليو ويعلن خطوات جديدة تبلورت في خروج الجيش من المشهد الى حين تتوافق القوى وتشكل حكومة وتأتي الانتخابات، كما اعلن عن مجلس اعلى للقوات المسلحة سيتشكل عقب توافق المكونات يضم في عضويته قادة الاجهزة النظامية المختلفة، وحميدتي لم يعلق على الخطاب وما حواه الا مساء الجمعة الموافق الثاني والعشرين اي بعد مضي ثلاثة اسابيع، وخلال بيانه اعلن دعمه لقرارات القائد العام للقوات المسلحة، غير أن توقيت خروجه لتأييد القرارات ثم مغادرته صوب دارفور مباشرة خلفا تساؤلات عديدة وفتحا ابواباً من الهمس في مجالس العاصمة.
ومن واقع المؤشرات ولغة العسكر فإن حميدتي سيكون موجوداً في المجلس الاعلى للقوات المسلحة بموجب موقعه كقائد للدعم السريع، وهو يغلق تماماً التنبؤات حول مصير موقعه من الساحة الجديدة والمرتقبة حال حدوث وفاق كما اشار البرهان.
من سيعتمد الحكومة الجديدة؟
حسناً ثمة تساؤل مهم ربط بحديث رئيس مجلس السيادة الفريق اول البرهان حينما قال في خطابه انه سيتم حل مجلس السيادة عقب توافق القوى السياسة، مما يقود الى سؤال جوهري حول هوية الجسم الذي سيعتمد الحكومة الجديدة، وللاجابة استنطقنا مصدراً عسكرياً رفض الافصاح عن اسمه، واشار الى انه عقب توافق المكونات واختيار رئيس وزراء سيتم اعتماده من مجلس السيادة الحالي برئاسة البرهان واعضائه الحاليين من العسكريين وقادة الحركات الموجودين به، سيحل المجلس مباشرة نفسه ويتشكل مجلس اعلى للقوات المسلحة يضم في عضويته قادة الاجهزة النظامية والوحدات العسكرية، وتكون مهامه استراتيجية وامنية حتى انقضاء المدة المعلنة للوصول الى الانتخابات، ثم تشكيل برلمان لاجازة نظام الحكم القادم عقب الانتخابات ان كان رئاسياً ام برلمانياً. ويضيف محدثي ان حميدتي والكباشي سيكونان موجودين من واقع التراتيبية، حيث ان الاول قائد الدعم السريع والثاني ما لا يعرفه الناس انه نائب القائد العام للقوات المسلحة، وذلك بعد أن تم تغيير نظام القوات المسلحة عقب سقوط البشير من نظام الاركان الموحدة الى الاركان المشتركة الذي تم العمل به ايام الانقاذ الى النظام الذي اعتمد أخيراً عقب الثورة، وهو ما كان سائداً منذ عهد نميري َحتى نهاية حقبة حكم المهدي.
هل يخرج جابر لمنصة اقتصادية؟
ظل عضو مجلس السيادة الفريق ابراهيم جابر من اكثر الاعضاء نشاطاً خاصة خلال الاشهر الاخيرة، فالرجل التي يضطلع بمهام مجلس السيادة ويشرف على الملف الاقتصادي كان دائم الترحال والتسفار ممثلاً للسودان في الكثير من المحافل، الامر الذي جعله مثار اهتمام من المتابعين، حيث يرى مراقبون انه احد افضل الاعضاء نشاطاً، كما انه يتمتع بكاريزما حضور عالية، عوضاً عن انه منضبط ويعمل في صمت ولا تقرأ له تصريحات في سوق العبث السياسي، غير انه حال تم الاتجاه لتشكيل مجلس اعلى للقوات المسلحة وحل مجلس السيادة فإنه قطعاً سيعود للخدمة ضابطاً رفيعاً بالجيش بعيداً عن مسرحه الجديد، رغم ان مراقبين اعتبروا ان خروجه قد يكون بموجب التراتبية العسكرية المتبعة حال هكذا اجراءات طبقت، ولكن غيابه غير وراد مع توقعات بأن ينتقل الى ادارة الملفات الاقتصادية عبر منظومة الصناعات الدفاعية التي رشح لادارتها اكثر من مرة، او الدفع به لادارة ملفات اقتصادية اخرى عبر مهام ترؤسه لمهام احدى المؤسسات العامة. فيما يرى آخرون انه اظهر حضوراً رفيعاً حتى الآن بتجربته المستمرة بمجلس السيادة، وقد تتم الاستفادة منه دبلوماسياً عبر تعيينه سفيراً بمحطات السودان المهمة في السفارات الخارجية على غرار تجربة الفريق اول جمال عبد المجيد مدير المخابرات السابق الذي تم الدفع به أخيراً سفيراً للبلاد بدولة جنوب السودان.
السؤال الصعب
غير ان مراقبين ومتابعين للشأن السياسي اعتبروا ان الاجابة عن هذا السؤال المتعلق بمصير الجنرالات الاربعة صعبة، لان الاحداث يتم التعليق عليها تباعاً وفق ترتيب السيناريوهات المرتقبة، واولها عزم القوى السياسية على الاتفاق، ثم التوافق على رئيس للوزراء، ثم تشكيل حكومته، واخيراً حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس اعلى للقوات المسلحة.
الخبير والمحلل السياسي حسن الساعوري قال انه من العرف ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة يتشكل من قادة الوحدات العسكرية، ولكن قد تُعطى الجنرالات الاربعة عضوية المجلس باعتبار انهم كانوا في المكون العسكري وانها فترة انتقالية، لأنهم حال أحيلوا للمعاش فإن ذلك يعني خروج البرهان من المشهد، وتابع قائلاً: )من الصعوبة بعد ممارستهم السياسة عبر مناصب رفيعة ان يعودوا ضباطاً في افرعهم(. ورغم ذلك لم يستبعد الساعوري ان يعودوا من حيث اتوا ضباطا كسابقة عودة الولاة العسكريين الذين عادوا الى مواقعهم في احداث سابقة. وكذلك يرى الساعوري انه قد تتم الاستفادة منهم عبر مهام جديدة بطبيعة مدنية كدبلوماسيين او رؤساء مجالس ادارات للمؤسسات العامة والحكومية الاخرى.
مهام وأدوار إقليمية
الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشأن الاقتصادي سمية السيد استبعدت خروج ابراهيم جابر من عضوية المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وذلك لجهة انه ممسك باهم الملفات الاقتصادية بمجلس السيادة، عوضاً عن انه العضو الوحيد في ملفات علاقات السودان بدول القارة الافريقية، وتابعت قائلة: )ان جابر لعب دوراً كبيراً في ما يخص تحييد الدول الافريقية التي لديها عضوية بمجلس الامن عبر رحلات ماكوكية، كما انه يمتلك علاقات افريقية جيدة(.
وترى سمية ان خروج جابر لتقلد مهام اخرى فيه خصم من ادواره المحلية والاقليمية، وان وجوده في قائمة المجلس الاعلى واردة بنسبة كبيرة، لأن الرجل اثبت احقيته بالوجود في المشهد العام وذلك لما قدمه من ادارة ملفات حساسة ومهمة.
العطا.. تمظهرات السياسة
وثمة جدل واسع اثارته تصريحات عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا خلال آخر شهرين، وهي التي تناول فيها نزاهة اعضاء لجنة التمكين، وهي ما جعلته عرضة للانتقادات في الاسافير، حيث اعتبر حينها المراقبون ان شهادته جاءت في حق اشخاص مازالت الاجراءات القانونية معهم تمضي ولم تنته.
والعطا لا يختلف العسكريون حول ادواره المهمة في الفترة الانتقالية ومسيرته بالقوات المسلحة على امتداد سنوات طويلة، حيث يطلق عليه الكثيرون داخل اروقة المؤسسة العسكرية الرفيعة وصف )زول حرابة(، بمعنى ان قدراته العسكرية عالية، غير ان الرجل شكل غياباً خلال الفترة الاخيرة عن المشهد، ولم يظهر الا نادراً خاصة على المستوى التنفيذي، ولم نشهده بذات النشاط خلال اول عامين من عمر الفترة الانتقالية. وهناك مراقبون اعتبروا التنبؤ بمصيره صعباً، لجهة ان الاوضاع الحالية لم تتضح فيها معالم كيفية ان تمضي قرارات البرهان بوتيرة سريعة، فيما يرى آخرون ان خروجه من المشهد العام وعدم دخوله في مجلس الامن والدفاع وارد، والاستعانة به في موقع آخر بأن يتم تعيينه سفيراً او رئيساً لمؤسسة حكومية او اقتصادية، ليظل العطا الأقل حظاً في دخول المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
وزير الدفاع
ما بين الحين والآخر يتم السؤال حول هوية وزير الدفاع في الحكومة المرتقبة، وهل يتم الدفع باحد الاعضاء الحاليين في مجلس السيادة؟ وكلما اقتربت حكومة جديدة ينساب اسم الفريق اول ركن الكباشي الى واجهة الاحداث. والمراقبون خاصة المهتمين بالشأن العسكري يعتقدون ان الرجل يمتلك امكانات هائلة تمزج بين العسكرية والاكاديمية كما انه حاسم في اتخاذ القرار، الامر الذي يجعل خروجه للاستفادة منه في موقع آخر خلافاً للمجلس الاعلى للقوات المسلحة او وزارة الدفاع يأتي خصماً على تجربته وامكاناته.
ويبقى السؤال عن مصير الجنرالات الاربعة صعب الاجابة، في انتظار قادم المواعيد وتقلبات المشهد السياسي، كما أنه مرتهن بتوافق القوى السياسية، وحال فشلت فقد يتجه البرهان الى تشكيل حكومة تصريف مهام كما حملت الانباء، ويتم تشكيل مجلس عسكري يضمن فيه الضباط الاربعة مواقعهم.
وعموماً فمن واقع قراءة مؤشرات الراهن السياسي يبقى من الصعوبة بمكان تقدير مساحات التوقع، خاصة في ظل ازمات البلاد المتعددة والمتصاعدة امنياً واقتصادياً، اما السياسة فحدث ولا حرج، حيث باتت ساحة للعبث والفوضى، وهو ما يلتمسه المواطن العادي من خلال حالة الاحتقان الماثلة.
ومن واقع تجارب الجنرالات الاربعة خلال السنوات الاربع الماضية منذ سقوط نظام البشير، فإن حميدتي اظهر امكانات هائلة خاصة في ادارة ملفات السلام، فقد يكون مناسباً لملف اعمار درافور. فيما ابدى الكباشي خبرات عالية ودينماكية مميزة في ملف السلام وآخرها اتفاق جوبا، مما يجعله موفقاً حال أشرف على مفوضية السلام او الاشراف على مستشارية للامن القومي مستقبلاً. اما الفريق ابراهيم جابر فقد قدم تجربة ممتازة في صمت، ويتوقع مراقبون ان يكون دبلوماسياً رفيعاً للسودان خاصة في منصب سفير السودان بالامم المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للفريق ياسر العطا، فقد يكون خياراً ممتازاً لتقلد مهام ملفات مدنية من واقع الخبرات السياسية التي اكتسبها في مرحلة التفاوض بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في فترات سابقة قبل التوقيع على الوثيقة الدستورية.
فيما مضى مراقبون الى ابعد من الجنرالات الاربعة، وذلك بضرورة الاستفادة من ضباط عسكريين سابقين في ملفات مهمة، مثل الفريق اول صلاح عبد الخالق في موقع سفير السودان بموسكو، وكذلك الفريق عمر زين العابدين كمبعوث خاص للسودان لدولة روسيا وشرق اوروبا، وذلك من واقع التحديات التي تحيط بالبلاد، وتجعل القادة العسكريين هم الأجدر على الاقل في الوقت الراهن.