الإثنين 15 أغسطس 2022 - 19:17

تقرير: محمد جمال قندول
تصريح لافت للقيادي بالمجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير والمؤتمر السوداني ابراهيم الشيخ، وجد صدى واسعاً وهو يغير خطابه السياسي ويدعو الى ترك الاقصاء وتقديم تنازلات من اجل الوطن وتناسي المرارات وتقديم مصلحة الوطن وترك الحديث.
تصريحات الشيخ اثارت ردود افعال واسعة لجهة انها صادرة عن قيادي بقوى الائتلاف الرافضة قبول اية تسوية لا تضمن إبعاد الاسلاميين من المشهد، عوضاً عن تشددهم في العودة الى ما قبل اجراءات الخامس والعشرين من أبريل الماضي.
محطة الجامعات
وفي رسالة بعثها لمجموعة )صحافيون( على تطبيق الواتس ذكر ابراهيم الشيخ أنه لا مناص للسودانيين غير قبول بعضهم البعض وفتح افق جديد، وتابع قائلاً ان المطلوب تقديم تنازلات من هنا وهناك لرأب الصدع واقامة عدالة انتقالية تفتح الطريق للحرية والسلام مروراً بالانتخابات وممارسة الديمقراطية، مشيراً الى ان )فش( الغبائن ــ على حد تعبيره ــ لن تجني منه البلاد الا الشوك والعدم، خاصة ان الناس اضناها طول الانتظار والرهق من الحال، وأضاف قائلاً: )آن للشعب الصابر أن يستريح من طول الطريق الذي استغرق كل سنين الاستقلال وثلاث ثورات قتلت مع سبق الاصرار(.
الشيخ تحدث عن حالة الاستقطاب السياسي الراهنة، وعلق بأن الاقصاء المتبادل ترك الكثير في النفوس من احقاد وغبائن، واردف قائلاً: )صحيح اننا لم نستطع ان نتجاوز محطة الجامعات التي اورثتنا كل هذا الصراع المميت منذ ان كنا طلاباً، ونقلنا تلك العدوى الى احزابنا التي انتمينا اليها، والكل يريد ان يهزم الآخر المغاير.
خطوة بعشر
وقوبل حديث الشيخ بالاشادة من الامين العام لمجموعة الميثاق الوطني مبارك اردول الذي غرد بصفحته بالفيس بوك وقال ان تصريحات الرجل يمكن ان تدرج كاساس لاي عمل وطني قادم، وستجد الانحياز لكل من يرى ان البلاد بحاجة للتسامي فوق الانقسامات وتقديم انموذج التسامح والتعافي للوطني.
اردول ذهب الى ابعد من ذلك بقوله: )نقول له ولرفاقه اذا تقدمتم خطوة سنتقدم عشراً، ولو تقدمت عشر خطوات سنتقدم مائة(، وهكذا فالبلاد ظلت تحتاج الى هذه الروح منذ الاستقلال، وعلى الاقل كنا حافظنا على ارواح ابنائها ومساحاتها ووحدتها الوطنية.
ردود أفعال
ردود الافعال على حديث القيادي بمركزية الحرية والتغيير امتدت لتشمل احد المصادمين له وهو وزير الاعلام الاسبق حسن اسماعيل الذي كان قد دخل في مواجهة وصدام مع الاول قبل اسابيع بفعل السياسة ومواقفها.
اسماعيل اعتبر في المقال المتداول اليوم ان ابراهيم الشيخ بحديثه الاخير انتصر لنفسه وللوجدان الوطني السليم وحالات النضج العقلي، داعياً كل السياسيين الى ان يحذو حذو الرجل والتوقيع باسمائهم تحت ما خطه ابراهيم، وتابع قائلاً: )ان البلاد ليست بحاجة الى مبادرات جديدة بقدر ما هي في حاجة لمواقف نفسية وذهنية واخلاقية جديدة كما تفضل بها الشيخ(.
ومضت في ذات الاتجاه القيادية الاسلامية د. سناء حمد، مؤكدة ان السودانيين لا مناص لهم الا بقبول بعضهم البعض، ولم تشكك سناء في نوايا الرجل بقولها: )اجد نفسي ابصم بالعشرة على ما كتب(، وشددت سناء مغردة على ضرورة حدوث تنازلات من الجميع لرأب الصدع .
عاد لصوابه
)عاد لصوابه(.. هكذا ابتدر القيادي بالحزب الاتحادي الاصل عثمان حلمي في معرض تعليقه وقال لـ )الانتباهة( ان مجموعة ابراهيم الشيخ مارست الاقصاء بالوثيقة الدستورية بمبررات غير واقعية، كما لم تسلم منهم حتى قوى داخل الحرية والتغيير على غرار الجمهوريين وبعض فصائل البعث، وقدموا ممارسة سياسية غير راشدة.
واضاف عثمان ان ابراهيم الشيخ وقيادات المركزي كان بالامكان ان يتداركوا فشل تجربتهم بتعديل الوثيقة الدستورية وتوسعة الحاضنة السياسية، غير ان محدثي عاد وقال: )ان تأتي متأخرا خير من ألا تأتي(. حلمي عد حديث القيادي بالمؤتمر السوداني ابراهيم انه نتاج واقع فرض نفسه بعد ان قادهم الاقصاء لتشكيل جبهة عريضة ضدهم، داعياً في ذات الوقت كل القوى السياسية والمكونات الى نبذ لغة الاقصاء والكراهية السياسية التي اضرت بالوطن وقادته الى اتون الازمات الحالية.
تنازلات
ووصف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مصطفى محكر دعوة ابراهيم الشيخ القيادي بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وحزب المؤتمر السوداني لترك الاقصاء والاقصاء المضاد وتقديم تنازلات من اجل الوطن، وصفها بأنها تمثل مرحلة متقدمة من الجنوح للحوار وتقبل الآخر، مبيناً أن ما قال به ابراهيم الشيخ يجسد حقيقة ان الرجل اخضع التجربة السياسية التي اعقبت سقوط حكومة الانقاذ الوطني لتمحيص دقيق أفضى لمثل هذه التصريحات المتسامحة والمتسامية، ومن شأنها أن تسهم في خلق رأي عام حول ضرورة المضي نحو وفاق وطني حقيقي يخرج البلاد من حالة الاحتقان الحالية .
وقال محكر: )ان ابراهيم الشيخ من الشخصيات المؤثرة داخل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، مما يعني أن احاديثه وتصريحاته سيكون لها ما بعدها(، معرباً عن امله في ان تشهد المرحلة المقبلة تحقيق وفاق وطني عريض، حتى يشكل جسراً آمناً لتمضي البلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة، ومن ثم تدور عجلة التنمية والانتاج .
وأضاف محكر ان تصريحات ابراهيم الشيخ التي يدعو فيها لنبذ الاقصاء تأتي متزامنة مع مؤتمر نداء أهل السودان الذي اصدر توصياته الختامية أمس، مما يشكل رأياً عاماً حول حتمية الحوار وتقبل الآخر، مؤكداً ان السنوات الثلاث الماضية كشفت بجلاء أن السودان لا يمكن له ان يحقق الاستقرار ما لم تتوافق جميع قواه السياسية وتعمل باخلاص لاكمال المرحلة الانتقالية والذهاب لانتخابات حرة مباشرة دون عزل اية جهة سياسية الا بامر صندوق الانتخابات، وعلى القوى السياسية أن تتعاطى ايجاباً مع تصريحات ابراهيم الشيخ حتى تخرج البلاد من مأزقها الحالي الى حيث الاهداف التي ينشدها الشعب السوداني .
وعبر عن تفاؤله بأن تشهد الايام المقبلة الكثير من المفاجآت التي تصب في خانة تحقيق الوفاق الوطني الحقيقي، مشيراً الى ان مبادرة الشيخ الطيب الجد التي شهدها طيف واسع من اهل السودان ايضاً تمثل حلقة مهمة في مثل هذا التنادي الوطني الذي بموجبه ان نتقبل بعضنا البعض دون عزل او اقصاء، خاصة ان سياسة الاقصاء التي جربت خلال السنوات الماضية ادت لتدهور اقتصادي وامني واجتماعي، وآن الاوان ليصبح كل ذلك من الماضي .
فن الممكن
الحديث عن التوافق الوطني ظل منهجاً ثابتاً لدى غالبية المكونات والقوى السياسية والمدنية ونخب المجتمع، وتداعت العديد من المبادرات في ذات الاتجاه، غير ان الاسافير والاعلام افردت اهتماماً واسعاً بحديث ابراهيم الشيخ .
متابعون ذهبوا الى ان حديث الشيخ قد لا يمثل توجه قوى الحرية والتغيير التي مازالت متمسكة باطروحاتها الرافضة لاجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، واعتبروا ان حديث القيادي بالمؤتمر السوداني قد يندرج تحت خانة النضج والزهد السياسي التي ينبغي ان تسود لتهيئة المناخ الملتهب .
فيما يمضي مراقبون الى ان ما ذكره الشيخ قد يكون بمثابة اختبار وتكتيك سياسي وتوزيع مهام بين قادة المجلس المركزي للوصول الى تفاهمات، خاصة ان الزمن يمضي، والمبادرات المطروحة للعسكر مثل نداء اهل السودان والاعلان الدستوري والسياسي للميثاق عوضاً عن مبادرة الاتحادي الاصل كلها قد تسحب البساط وتشكل موازين اخرى للمشهد الذي يمضي على تغيير مرتقب في ظل تسريبات عن عزم البرهان حسم الازمة وتشكيل حكومة خلال الشهر الجاري .
ولا يرى القانوني والقيادي بالحرية والتغيير معز حضرة اية غرابة في الحديث الذي بدر من ابراهيم الشيخ، حيث قال لـ )الانتباهة( إن السياسة فن الممكن ولا وجود للثوابت عدا الاخلاقية، واستطرد قائلاً: )ان الثورة السودانية قامت من اجل حدوث توافق عدا المؤتمر الوطني الذي كان يقصي الناس، وينبغي ان تبني السياسة على عدم الاقصاء الا للمناصرين للعسكر والفلول(.
عهد حمدوك
واختتمت امس فعاليات مؤتمر المائدة المستديرة باعلان سياسي ودستوري ينتظر ان يقدم لرئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان، فيما فرغت قوى الحرية مجموعة الميثاق بدورها من اعلان دستوري، اما مجموعة المركزي فانها مازالت في مربع الرفض رغم اتهامات الحزب الشيوعي باستمرار نهج الهبوط الناعم لدى الاحزاب الاربعة المنضوية تحت قوى الائتلاف .
مؤشر الساحة السياسية يمضي الى ان ثمة تحالفات جديدة ترتب لمشهد مغاير لن ينتظر الممانعين، وان اغسطس لن يغادر قبل ان تتم تسمية رئيس للوزراء وتحديد مهام ما تبقى من عمر الانتقالية، وقد يمضي البرهان في رسم واقع جديد حال عدم وصول القوى السياسية الى توافق وطني خاصة ما تفاقم الازمات المعيشية، وهو ما ظل يشير اليه الرجل في كل خطاباته بضرورة الوفاق .
خبراء سياسيون اعتبروا ان تصريحات القيادي بمركزية الحرية والتغيير ابراهيم الشيخ هي رسائل مصوبة بعناية، وقد تكون بمثابة تمهيد لتسوية سياسية قادمة تضمن لمجموعته الوجود في المشهد الجديد، خاصة ان قوى الائتلاف بدأت في حالة عزلة من واقع التأييدات التي حصل عليها الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان خلال خطابه في الرابع من يوليو الماضي، مما يستوجب على قوى الحرية ابداء مرونة اكثر وتقديم تنازلات حال ارادت الاستمرار في الانتقالية وتقديم تجربة اخرى تسهم في نسيان عهد رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك الذي أصابه الفشل، وكانت حاضنته المجلس المركزي .
وبرز وزير الصناعة السابق ابراهيم الشيخ كاحد ابرز الرافضين لاجراءات الخامس والعشرين، وكان قد اعتقل خلالها قبل ان يتم الافراج عنه، وحملت تصريحاته عدائية تجاه المكون العسكري، ولعل ابرزها اتهامه العسكر بعدم امانتهم على الوثيقة الدستورية والفترة الانتقالية، كما دعا البرهان في ديسمبر الماضي للتنحي من تلقاء نفسه.
ومازالت صورة الشيخ مع البرهان في الساعات الاولى من سقوط البشير راسخة في وجدان السودانيين، حيث كانت اول ظهور للقائد العام للجيش الحالي في المشهد قبل ان تتم بعد ساعات قليلة تسميته رئيساً للمجلس العسكري خلفاً للفريق اول ركن عوض ابن عوف.