الخميس 8 سبتمبر 2022 - 21:08
لم تعد الاحتجاجات الشعبية في السودان ضد حكم العسكر من حيث الزخم العددي والكيفي كما كانت عليه في بدايتها، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب والنتائج.
هذه الاحتجاجات كانت قد بدأت يوم انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك قبل أن يذيع البرهان بيانه الأول يومئذ، ليُقتل 7 من المحتجين ويصاب العشرات يومها.
وبوتيرة متصاعدة، استمرت الاحتجاجات وأخذت أشكالاً مختلفة من “المليونيات” التي تخرج مرتين على الأقل في الأسبوع الواحد، ووصلت أكثر من واحدة إلى محيط القصر الرئاسي في الخرطوم للضغط على العسكر من أجل التنحي وإعادة الحكم للمدنيين.
كما استمرت الاعتصامات والتظاهرات الليلية وإغلاق الطرقات، والمخاطبات الجماهيرية، والإضراب عن العمل في المؤسسات العامة والخاصة. وحدث كل هذا على الرغم من الخسارة البشرية بمقتل أكثر من مائة شخص وإصابة الآلاف واعتقال المئات.
ونتيجة لكل ذلك الحراك، حوصر الانقلاب العسكري في الداخل كما في الخارج، وعجز عن تنفيذ كل مخططاته، بما فيها تشكيل حكومة بديلة لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي أطاح بها الانقلاب. كما لم يتمكن العسكر من إكمال بناء بقية هياكل السلطة الانتقالية، وتعيين السلطات النيابية والقضائية كما وعدوا في اليوم الأول.
لكن منذ نهاية يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين، وبداية الشهر الحالي، تقلصت إلى حد كبير أشكال المقاومة الشعبية لحكم العسكر، ولم تعد المواكب بالزخم القديم ذاته لا من حيث العدد والتنظيم، ولا من حيث عدد المدن السودانية التي تشارك فيها، ولا التأثير في المشهد السياسي والواقع على الأرض.
انحسار المد الثوري لن يدوم طويلاً
ويؤكد عضو تنسيقية لجان مقاومة شرق النيل بولاية الخرطوم زهير الدالي، لـ”العربي الجديد”، أن الانحسار في المد الثوري ضد انقلاب 25 أكتوبر لن يدوم طويلاً.
ويعتبر أن لجان المقاومة بعزيمتها قادرة في أي وقت على استعادة الزخم بمبادرات خلاقة، خصوصاً أن الانقلاب يثبت يوماً بعد آخر فشله، وأنه غير مؤهل في كل الجوانب لإدارة البلاد، وعدم الوفاء للثورة السودانية ومبادئها، ولا يستجيب لتطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم، كما أنه فاشل في السيطرة على تناقضاته الداخلية.
ويعدد الدالي مجموعة من العوامل التي ساهمت في انحسار موجات الثورة، بدءاً من غياب الدور الحقيقي للأحزاب السياسية المناهضة للانقلاب في توجيه الشارع، وانقسامات تلك الأحزاب على نفسها، وتبنّيها حملات التخوين المتبادلة.
ويضيف إلى ذلك غياب البرنامج البديل حال سقوط النظام الحالي، وعدم نزول قوى “إعلان الحرية والتغيير” إلى الشارع أثناء فترة حكمها الماضية، ما أدى إلى عزلة وفجوة بينها وبين الشارع ولجان المقاومة على وجه التحديد.
تخلي النقابات المهنية عن دورها
كما يشير الدالي إلى تخلي النقابات والتجمعات المهنية عن دورها أيضاً بمساندة الحراك الشبابي الثوري، مشيراً إلى عامل آخر مرتبط بالظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها السودانيون، والتي منعتهم حتى من التنقل داخل العاصمة الخرطوم وشغلتهم عن الهم العام.
الريح محمد الصادق: نتيجة عدم التوصل لتوافق تَمَدُّد العسكر وتوطيد أركانهم وعودة النظام القديم
ويبيّن عضو لجان المقاومة أن كل تلك الظروف إلى زوال، وستتخطاها لجان المقاومة وقوى الثورة بخطوات عديدة، أولها العودة للعمل في الأحياء لإعادة ترتيب الصفوف والضغط على بقية مكونات الثورة، بما في ذلك الأحزاب للتوحد تحت راية إسقاط الانقلاب أولاً، والاتفاق على برنامج بديل يستفيد من كل أخطاء الفترة السابقة ويبني على الإيجابيات.
ويؤكد أنه “مهما كانت الأسباب والنتائج فلا مجال أمام الانقلاب لانتهاز الفرصة لتمرير أجندته، وعليه أن يعلم أن الثورة حية وباقية، ولن تنطفئ شموعها إلا بموت جميع الثوار والثائرات”.
ضعف التنسيق بين مكونات الثورة
من جهته، يرى القيادي في قوى “الحرية والتغيير” الريح محمد الصادق، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أحد أهم عوامل انحسار الحراك الثوري هو ضعف التنسيق بين مكوّنات الثورة، وغياب الرؤية السياسية للحراك الميداني، على الرغم من الجهد المبذول والتضحية الكبيرة التي قدّمها السودانيون على الأرض، والمواثيق السياسية العديدة المطروحة في الساحة.
ويشير الصادق إلى أن سؤال الجدوى ظل حاضراً في أذهان الكثير من المشاركين في المواكب، خصوصاً حين لا يجدون أي رؤية سياسية تدفعهم للمواصلة، ويشدد على أن الجميع متساوون في تحمل المسؤولية، لغياب العمل المشترك والرؤية المشتركة ولو في الحد الأدنى.
ويتابع الصادق: “يبرز أمل برؤية تقدّمت بها تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم شرق، اقترحت فيها إنشاء آليات تنسيق للعمل السياسي والميداني تضم لجان المقاومة والأحزاب والتيارات السياسية والتجمعات المهنية”.
ويشير إلى أنهم في “الحرية والتغيير” منفتحون تماماً على مثل تلك المقترحات، وأن التحالف يوالي تواصله مع كل قوى الثورة المناهضة لحكم العسكر للوصول إلى التوافق المطلوب.
ويلفت إلى أنه في حال عدم التوصل لتوافق وفقاً للأهداف المشتركة، فإن النتيجة الحتمية هي تمدد العسكر وتوطيد أركانهم وعودة النظام القديم، وتشكيل حكومة أمر واقع، ربما تحتاج قوى الثورة لسنوات أخرى لإسقاطها.
مد وجزر الحركة الجماهيرية
أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، فيرى عكس ذلك، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن طبيعة الحركة الجماهيرية تجعلها في حالة مد وجزر وصعود وهبوط وانحسار وتقدم، وتلك تقديرات لجان المقاومة والحزب الشيوعي وكل قوى التغيير الجذري.
ويوضح أن لجان المقاومة، كأساس في الفعل الثوري، تسعى هذه الأيام لإعداد البرامج والمواثيق وتشبيك نفسها في العاصمة والولايات، وترتيب منصات انطلاقها لمواجهة طويلة مع العسكر بتكتيك جديد لهزيمتهم، مؤكداً أن الحالة الحالية لا تعني مطلقاً استسلام السودانيين للانقلاب، الذي ووجه بمقاومة منذ يومه الأول.
وحول المطالبات بتوحيد قوى الثورة، يرى كرار أن التوحيد لا يمكن أن يحدث بجمل فضفاضة وعبارات رنانة، بل المطلوب التوحيد على أسس متينة، ليس أطرافها من يريدون شراكة مع العسكر ولا يرغبون بحكومة مدنية كاملة، ويتفاوضون حالياً تحت الطاولة مع المكون العسكري.
ويستبعد كرار استغلال العسكر لحالة الفراغ الراهنة لتمرير أجندتهم، مشيراً إلى أن العسكر يواجهون طريقاً مسدوداً، ويركبون حصاناً غير مروض وحتماً سيسقطون منه، وكل ما هو متاح أمامهم هو تشكيل سلطة من بقايا النظام القديم، والترويج لانتخابات مبكرة، وهو توجه سيجد المقاومة من الحركة الجماهيرية مهما كان الثمن.
لم تعد الاحتجاجات الشعبية في السودان ضد حكم العسكر من حيث الزخم العددي والكيفي كما كانت عليه في بدايتها، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب والنتائج.
هذه الاحتجاجات كانت قد بدأت يوم انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك قبل أن يذيع البرهان بيانه الأول يومئذ، ليُقتل 7 من المحتجين ويصاب العشرات يومها.
وبوتيرة متصاعدة، استمرت الاحتجاجات وأخذت أشكالاً مختلفة من “المليونيات” التي تخرج مرتين على الأقل في الأسبوع الواحد، ووصلت أكثر من واحدة إلى محيط القصر الرئاسي في الخرطوم للضغط على العسكر من أجل التنحي وإعادة الحكم للمدنيين.
كما استمرت الاعتصامات والتظاهرات الليلية وإغلاق الطرقات، والمخاطبات الجماهيرية، والإضراب عن العمل في المؤسسات العامة والخاصة. وحدث كل هذا على الرغم من الخسارة البشرية بمقتل أكثر من مائة شخص وإصابة الآلاف واعتقال المئات.
ونتيجة لكل ذلك الحراك، حوصر الانقلاب العسكري في الداخل كما في الخارج، وعجز عن تنفيذ كل مخططاته، بما فيها تشكيل حكومة بديلة لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي أطاح بها الانقلاب. كما لم يتمكن العسكر من إكمال بناء بقية هياكل السلطة الانتقالية، وتعيين السلطات النيابية والقضائية كما وعدوا في اليوم الأول.
لكن منذ نهاية يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين، وبداية الشهر الحالي، تقلصت إلى حد كبير أشكال المقاومة الشعبية لحكم العسكر، ولم تعد المواكب بالزخم القديم ذاته لا من حيث العدد والتنظيم، ولا من حيث عدد المدن السودانية التي تشارك فيها، ولا التأثير في المشهد السياسي والواقع على الأرض.
انحسار المد الثوري لن يدوم طويلاً
ويؤكد عضو تنسيقية لجان مقاومة شرق النيل بولاية الخرطوم زهير الدالي، لـ”العربي الجديد”، أن الانحسار في المد الثوري ضد انقلاب 25 أكتوبر لن يدوم طويلاً.
ويعتبر أن لجان المقاومة بعزيمتها قادرة في أي وقت على استعادة الزخم بمبادرات خلاقة، خصوصاً أن الانقلاب يثبت يوماً بعد آخر فشله، وأنه غير مؤهل في كل الجوانب لإدارة البلاد، وعدم الوفاء للثورة السودانية ومبادئها، ولا يستجيب لتطلعات السودانيين في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم، كما أنه فاشل في السيطرة على تناقضاته الداخلية.
ويعدد الدالي مجموعة من العوامل التي ساهمت في انحسار موجات الثورة، بدءاً من غياب الدور الحقيقي للأحزاب السياسية المناهضة للانقلاب في توجيه الشارع، وانقسامات تلك الأحزاب على نفسها، وتبنّيها حملات التخوين المتبادلة.
ويضيف إلى ذلك غياب البرنامج البديل حال سقوط النظام الحالي، وعدم نزول قوى “إعلان الحرية والتغيير” إلى الشارع أثناء فترة حكمها الماضية، ما أدى إلى عزلة وفجوة بينها وبين الشارع ولجان المقاومة على وجه التحديد.
تخلي النقابات المهنية عن دورها
كما يشير الدالي إلى تخلي النقابات والتجمعات المهنية عن دورها أيضاً بمساندة الحراك الشبابي الثوري، مشيراً إلى عامل آخر مرتبط بالظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها السودانيون، والتي منعتهم حتى من التنقل داخل العاصمة الخرطوم وشغلتهم عن الهم العام.
الريح محمد الصادق: نتيجة عدم التوصل لتوافق تَمَدُّد العسكر وتوطيد أركانهم وعودة النظام القديم
ويبيّن عضو لجان المقاومة أن كل تلك الظروف إلى زوال، وستتخطاها لجان المقاومة وقوى الثورة بخطوات عديدة، أولها العودة للعمل في الأحياء لإعادة ترتيب الصفوف والضغط على بقية مكونات الثورة، بما في ذلك الأحزاب للتوحد تحت راية إسقاط الانقلاب أولاً، والاتفاق على برنامج بديل يستفيد من كل أخطاء الفترة السابقة ويبني على الإيجابيات.
ويؤكد أنه “مهما كانت الأسباب والنتائج فلا مجال أمام الانقلاب لانتهاز الفرصة لتمرير أجندته، وعليه أن يعلم أن الثورة حية وباقية، ولن تنطفئ شموعها إلا بموت جميع الثوار والثائرات”.
ضعف التنسيق بين مكونات الثورة
من جهته، يرى القيادي في قوى “الحرية والتغيير” الريح محمد الصادق، في حديث مع “العربي الجديد”، أن أحد أهم عوامل انحسار الحراك الثوري هو ضعف التنسيق بين مكوّنات الثورة، وغياب الرؤية السياسية للحراك الميداني، على الرغم من الجهد المبذول والتضحية الكبيرة التي قدّمها السودانيون على الأرض، والمواثيق السياسية العديدة المطروحة في الساحة.
ويشير الصادق إلى أن سؤال الجدوى ظل حاضراً في أذهان الكثير من المشاركين في المواكب، خصوصاً حين لا يجدون أي رؤية سياسية تدفعهم للمواصلة، ويشدد على أن الجميع متساوون في تحمل المسؤولية، لغياب العمل المشترك والرؤية المشتركة ولو في الحد الأدنى.
ويتابع الصادق: “يبرز أمل برؤية تقدّمت بها تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم شرق، اقترحت فيها إنشاء آليات تنسيق للعمل السياسي والميداني تضم لجان المقاومة والأحزاب والتيارات السياسية والتجمعات المهنية”.
ويشير إلى أنهم في “الحرية والتغيير” منفتحون تماماً على مثل تلك المقترحات، وأن التحالف يوالي تواصله مع كل قوى الثورة المناهضة لحكم العسكر للوصول إلى التوافق المطلوب.
ويلفت إلى أنه في حال عدم التوصل لتوافق وفقاً للأهداف المشتركة، فإن النتيجة الحتمية هي تمدد العسكر وتوطيد أركانهم وعودة النظام القديم، وتشكيل حكومة أمر واقع، ربما تحتاج قوى الثورة لسنوات أخرى لإسقاطها.
مد وجزر الحركة الجماهيرية
أما القيادي في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، فيرى عكس ذلك، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن طبيعة الحركة الجماهيرية تجعلها في حالة مد وجزر وصعود وهبوط وانحسار وتقدم، وتلك تقديرات لجان المقاومة والحزب الشيوعي وكل قوى التغيير الجذري.
ويوضح أن لجان المقاومة، كأساس في الفعل الثوري، تسعى هذه الأيام لإعداد البرامج والمواثيق وتشبيك نفسها في العاصمة والولايات، وترتيب منصات انطلاقها لمواجهة طويلة مع العسكر بتكتيك جديد لهزيمتهم، مؤكداً أن الحالة الحالية لا تعني مطلقاً استسلام السودانيين للانقلاب، الذي ووجه بمقاومة منذ يومه الأول.
وحول المطالبات بتوحيد قوى الثورة، يرى كرار أن التوحيد لا يمكن أن يحدث بجمل فضفاضة وعبارات رنانة، بل المطلوب التوحيد على أسس متينة، ليس أطرافها من يريدون شراكة مع العسكر ولا يرغبون بحكومة مدنية كاملة، ويتفاوضون حالياً تحت الطاولة مع المكون العسكري.
ويستبعد كرار استغلال العسكر لحالة الفراغ الراهنة لتمرير أجندتهم، مشيراً إلى أن العسكر يواجهون طريقاً مسدوداً، ويركبون حصاناً غير مروض وحتماً سيسقطون منه، وكل ما هو متاح أمامهم هو تشكيل سلطة من بقايا النظام القديم، والترويج لانتخابات مبكرة، وهو توجه سيجد المقاومة من الحركة الجماهيرية مهما كان الثمن.