الجمعة 20 أغسطس 2021 - 17:52


فضل الهادي وزين
– مع سيطرة حركة طالبان على الأراضي الأفغانية واستيلائها على العاصمة كابل بعد هروب الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني في 15 أغسطس/آب الحالي بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الحركة، حيث تحولت من جماعة مسلحة مقاتلة إلى جماعة من المتوقع أن تستلم زمام الحكم في أفغانستان التي دمرتها الحرب وأنهكتها الانقسامات الداخلية.
ولا شك أن ثمة فرقا كبيرا بين الجماعة المقاتلة التي لها أهداف محددة وتركز نشاطها ونضالها على القتال وبين الحركة التي سيطرت على البلاد وباتت أمام مسؤوليات إدارة شؤون الدولة كلها وينتظر المواطنون منها الحكم الراشد وتوفير ظروف حياة كريمة.
ومن البديهي في هذه المرحلة أن تجد حركة طالبان -قيادة وقاعدة- نفسها أمام مسؤوليات كبيرة وتحديات تتطلب منها قدرا كبيرا من الوعي والحنكة والحزم في التعامل مع الواقع الجديد وإفرازاته.
وكان الملا عبد الغني برادر نائب زعيم الحركة للشؤون السياسية يشير إلى هذه الحقيقة عندما قال في كلمته عقب دخول حركة طالبان مدينة كابل "من اليوم بدأ الاختبار الحقيقي للحركة".
ويمكن إجمال أبرز التحديات التي تواجه حركة طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان في الوضع الراهن في النقاط التالية:
1- المصالحة الوطنية
بدأت حركة طالبان مباشرة بعد سيطرتها على كابل مشروع المصالحة الوطنية والتفاهم مع الخصوم والمعارضين لبناء الدولة والقضاء على احتمال نشوب الحرب والتمرد من جديد وقيادة البلاد نحو الاستقرار السياسي.
ولا شك أن الاستقرار السياسي أساس لبناء الدولة القوية وإعادة إعمار أفغانستان والتنمية الاقتصادية وبدونه لا يمكن تحقيق الاستقرار في بقية مجالات الحياة.
ولعل قادة حركة طالبان يدركون حقيقة مهمة وهي أن سيطرة الحركة بقوة السلاح على أفغانستان لا تعني بالضرورة القضاء على احتمالات نشوب الحرب وعودة الاضطرابات، فبلد مثل أفغانستان يعيش الحروب والاضطرابات منذ 40 سنة أو أكثر يحتاج لسنين من السلام والاستقرار حتى يتم القضاء فيه على أسباب نشوب الحروب الداخلية والاضطرابات، وتعد المصالحة الوطنية الصادقة والشاملة الضمان الحقيقي لسير البلد نحو الاستقرار.
2- الملف الأمني
استتباب الأمن في كافة أرجاء البلاد، خاصة العاصمة كابل، لأن الأمن أهم أولوية بالنسبة للمواطنين الأفغان وقد حرموا منه طوال 4 عقود ماضية.
ولا شك أن نجاح حركة طالبان في توفير الأمن للمواطنين سيكون مفتاحا لنجاحات أخرى يؤدي إلى ترسيخ أقدام الحركة في حكم أفغانستان وزيادة ثقة الشعب بها.
3- الحكم الانتقالي
إقامة حكومة تدير البلاد في المرحلة الانتقالية وتتمتع بقبول الشعب الأفغاني وتمثل المجتمع الأفغاني بتنوعه العرقي والثقافي والجغرافي والمذهبي وتشتمل على أهل الاختصاص والكفاءات ولا تكون الوظائف فيها حكرا على أعضاء وعناصر حركة طالبان.
وهنا يرى مراقبون أن على قادة حركة طالبان أن يدركوا روح العصر وأن يكونوا قادرين على تفهم احتياج أفغانستان لحكومة عصرية تتمتع برضا الشعب الأفغاني في الداخل وتحظي بقبول المجتمع الدولي في الخارج، وتستطيع رعاية التوازن بين الحفاظ على قيم الشعب الأفغاني الدينية والثقافية والوطنية وبين الالتزام بقيم التعايش العالمي بتعقيداته وظروفه.
4- الدستور الأفغاني
تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لتدوين دستور لأفغانستان يشكل الإطار المناسب لبناء الدولة وقيام نظام سياسي حديث ودائم للبلاد يقود أفغانستان نحو الاستقرار السياسي ويغلق باب الفوضى وعدم الاستقرار في بلد أنهكته الحروب الأهلية والغزو الأجنبي المتكرر لفترة تزيد على 4 عقود.
يضاف إلى ذلك التخطيط لتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور لأفغانستان وجلب المساعدات الدولية لإعادة الإعمار وتلبية الحاجات الأساسية للبلد.
5- تغيرات المجتمع الأفغاني
التعامل المناسب والحذر مع الواقع الجديد الذي ظهر في أفغانستان خلال السنوات الـ20 الماضية، حيث إن المجتمع الأفغاني اليوم يختلف عما كان عليه الحال خلال فترة حكم طالبان الأول في التسعينيات من القرن الماضي.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن الشباب يشكلون نحو 60% من مجموع سكان أفغانستان البالغ عددهم 35 مليون نسمة، وقد نشأ هذا الجيل في عصر الإنترنت والهواتف الذكية والحاسوب والتلفاز والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي خلافا للجيل السابق أيام حكم طالبان الأول في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان يفتقد كل هذه المظاهر الحديثة.
وهنا لا بد من التذكير أن التقدم الكبير الذي حصل في مجالات التعليم والإعلام في أفغانستان خلق جيلا واعيا لا يقبل ما يفرض عليه بقوة السلاح وإنما يقارن ويوازن بين الأفكار والمواقف والسياسات قبل أن يقتنع بها ويقبلها، ولعل المظاهرات التي اندلعت يومي 18 و19 أغسطس/آب الجاري في العاصمة الأفغانية كابل ومدن مثل جلال آباد وخوست وأسعد آباد في ولاية كونار احتجاجا على إنزال العلم الأفغاني والاستعاضة عنه بعلم حركة طالبان بعد سيطرة الحركة على كابل خير مثال على ذلك.
6- العلاقات الدولية
من أبرز التحديات أمام حكومة طالبان هو كيفية التعامل مع ملف العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية بصورة توطد الثقة وتبني الجسور ولا تترك مجالا لدفع أفغانستان إلى العزلة والقطيعة مع العالم مثل الذي حصل أثناء الحكم السابق لحركة طالبان، حيث لم تعترف بحكومتها إلا 3 دول هي باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
7- الإعلام وحرية التعبير
التعامل مع وسائل الاعلام وحريتها وحرية التعبير تحد آخر يواجه حكم طالبان، فلم يعد الأمر كما كان في أيام الحكم الأول للحركة، حيث كانت في كل البلاد إذاعة واحدة حكومية، وقد غيرت طالبان اسمها من إذاعة أفغانستان إلى صوت الشريعة وأغلقت التلفزيون الرسمي الوحيد ومنعت النساء من العمل في الوظائف الرسمية، بما فيها وزارة الإعلام والإذاعة.
واليوم وبعد السيطرة الجديدة لطالبان فإن الإعلام في أفغانستان لم يعد كما كان، فهناك أكثر من 100 قناة تلفزيونية ما بين فضائية ومحلية، وأكثر من 150 محطة إذاعية والعشرات من الصحف والمجلات، و8 وكالات أنباء ومئات المنصات ومواقع الإنترنت، ويتجاوز عدد العاملين في قطاع الإعلام الأفغاني اليوم 10 آلاف شخص )نسبة كبيرة منهم من النساء(، كما يبلغ عدد المستخدمين للهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي الملايين.
ومن الصعب أمام هذا الواقع لحكومة طالبان منع أو فرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام غير الحكومية، ولعل زعامة حركة طالبان تدرك جيدا تبعات التعرض لحرية الإعلام ووضع قيود صارمة على العاملين في هذا القطاع الذي شهد تطورا وتقدما كبيرا خلال السنوات الـ20 الماضية.
8- تحدي المخدرات
يعد ملف المخدرات والتعامل معه من التحديات الكبرى لحكم طالبان، لأن أفغانستان بعد الغزو الأميركي صارت أكبر دولة منتجة ومصدرة للمخدرات في العالم، وتعد زراعتها مصدر رزق للآلاف من المزارعين، وتشكل المبالغ الحاصلة من زراعة وتجارة المخدرات نسبة مهمة من دخل البلاد.
وعلى الرغم من الدعاية الكبيرة للحكومة القائمة في كابل منذ عام 2001 -وهي مدعومة من الولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي- لمكافحة المخدرات توسعت زراعة المخدرات وتصنيعها وتهريبها في أفغانستان وأصبحت مصدر دخل للكثيرين من رجال الدولة وبعض الجهات الأجنبية، ومن المثير للسخرية أن التظاهر بمكافحة المخدرات أيضا كان قد تحول إلى تجارة رابحة للمهربين وشركائهم داخل الحكومة وشبكات مافيا المخدرات الدولية.
9- ملف الاقتصاد
النهوض باقتصاد أفغانستان في صورة الاهتمام الجاد بالبنية التحتية وتوفير فرص العمل للشباب وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من تعليم وعلاج وكهرباء ومواصلات ومكافحة للفقر يشكل تحديا خطيرا لحكومة أفغانستان القادمة.
ولا شك أن ضعف أداء حركة طالبان أو فشلها في إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي ستكون له انعكاسات كارثية على أفغانستان وعلى الحركة.
هذه بعض التحديات التي تواجه الحكومة القادمة في أفغانستان، سواء تقود هذه الحكومة حركة طالبان أو غيرها، ولا شك أن مواجهة تلك التحديات تتطلب درجة عالية من المعرفة والخبرة والدراية والحنكة، إضافة إلى رعاية التوازن بين الخلفية الدينية والفكرية للحركة وبين مقتضيات الواقع الداخلي والدولي.
والسؤال الذي يشغل بال المهتمين بالشأن الأفغاني هو: هل ستنجح حركة طالبان في مواجهة هذه التحديات وتحويلها إلى فرص بإشراك الأفغان الآخرين من أهل الاختصاص والخبرة والتعاون مع جميع مكونات الشعب لدفع عجلات الدولة؟ ومن الصعب الإجابة عن السؤال في الوقت الراهن.
المصدر:الجزيرة