الأربعاء 25 أغسطس 2021 - 15:18
سورة Sura‏ الزلزلة Az-Zalzala

التفسير Tafsir )explication( ابن كثير - Ibn-Katheer‏


إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا )1(
تفسير سورة إذا زلزلت وهي مكية .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد ، حدثنا عياش بن عباس ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله . قال له :" اقرأ ثلاثا من ذات الر ". فقال له الرجل : كبر سني واستد قلبي ، وغلظ لساني . قال :" فاقرأ من ذات حم "، فقال مثل مقالته الأولى . فقال :" اقرأ ثلاثا من المسبحات "، فقال مثل مقالته . فقال الرجل : ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة . فأقرأه :" إذا زلزلت الأرض زلزالها "حتى إذا فرغ منها قال الرجل : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها أبدا . ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أفلح الرويجل! أفلح الرويجل! "ثم قال :" علي به ". فجاءه فقال له :" أمرت بيوم الأضحى جعله الله عيدا لهذه الأمة ". فقال له الرجل : أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى فأضحي بها ؟ قال :" لا ، ولكنك تأخذ من شعرك ، وتقلم أظفارك ، وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فذاك تمام أضحيتك عند الله عز وجل ".
وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ به .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن موسى الحرشي البصري : حدثنا الحسن بن سلم بن صالح العجلي ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ "إذا زلزلت" عدلت له بنصف القرآن ". ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم .
وقد رواه البزار ، عن محمد بن موسى الحرشي ، عن الحسن بن سلم ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن ، و "إذا زلزلت" تعدل ربع القرآن ". هذا لفظه .
وقال الترمذي أيضا : حدثنا علي بن حجر ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا يمان بن المغيرة العنزي ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "إذا زلزلت" تعدل نصف القرآن ، و "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن ، و "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن ". ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة
وقال أيضا : حدثنا عقبة بن مكرم العمي البصري ، حدثني ابن أبي فديك ، أخبرني سلمة بن وردان ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه :" هل تزوجت يا فلان ؟ "قال : لا والله يا رسول الله ، ولا عندي ما أتزوج ؟! قال :" أليس معك "قل هو الله أحد" ? ". قال : بلى . قال :" ثلث القرآن ". قال :" أليس معك "إذا جاء نصر الله والفتح" ? ". قال : بلى . قال :" ربع القرآن ". قال :" أليس معك "قل يا أيها الكافرون" ? ". قال : بلى . قال :" ربع القرآن ". قال :" أليس معك "إذا زلزلت الأرض" ? ". قال : بلى . قال :" ربع القرآن "تزوج ،] تزوج : هذا حديث حسن .
تفرد بهن ثلاثتهن الترمذي لم يروهن غيره من أصحاب الكتب .
قال ابن عباس إذا زلزلت الأرض زلزالها (أي : تحركت من أسفلها .
[color=#FF0000] ‏
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا )2(
) وأخرجت الأرض أثقالها (يعني : ألقت ما فيها من الموتى . قاله غير واحد من السلف . وهذه كقوله تعالى : ) يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم (] الحج : 1 [وكقوله) وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت (] الانشقاق : 3 , 4 [.
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا "


وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا )3(
وقوله : ) وقال الإنسان ما لها (أي : استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة ، وهو مستقر على ظهرها ، أي : تقلبت الحال ، فصارت متحركة مضطربة ، قد جاءها من أمر الله ما قد أعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه ، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين ، وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدلت الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهار .

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا )4(
وقوله :‏ ‏) يومئذ تحدث أخبارها (أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سويد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :‏ ‏) يومئذ تحدث أخبارها (قال :" أتدرون ما أخبارها ؟ ". قالوا : الله ورسوله أعلم . قال :" فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها ".
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجرشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا ، إلا وهي


بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا )5(
وقوله :‏ ‏) بأن ربك أوحى لها (قال البخاري : أوحى لها وأوحى إليها ، ووحى لها ووحى إليها : واحد وكذا قال ابن عباس :‏ ‏) أوحى لها (أي : أوحى إليها .
والظاهر أن هذا مضمن] بمعنى .
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة عن ابن عباس :‏ ‏) يومئذ تحدث أخبارها (قال : قال لها ربها : قولي ، فقالت .
وقال مجاهد :‏ ‏) أوحى لها (أي : أمرها . وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم .

[color=#FF0000]يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ )6(
وقوله :‏ ‏) يومئذ يصدر الناس أشتاتا (أي : يرجعون عن مواقف الحساب) أشتاتا (أي : أنواعا وأصنافا ، ما بين شقي وسعيد ، مأمور به إلى الجنة ، ومأمور به إلى النار .
قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتا فلا يجتمعون آخر ما عليهم .
وقال السدي :‏ ‏) أشتاتا (فرقا .
وقوله تعالى :‏ ‏) ليروا أعمالهم (أي : ليعملوا ويجازوا بما عملوه في الدنيا ، من خير وشر .


فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ )7(
ولهذا قال : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (
قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ; فأما الذي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين ، كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسنات له ، وهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر . ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء ، فهي على ذلك وزر ". فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ، فقال : " ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (.
ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جرير بن حازم ، حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية - عم الفرزدق - : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (قال : حسبي ! لا أبالي ألا أسمع غيرها .
وهكذا رواه النسائي في التفسير ، عن إبراهيم بن يونس بن محمد المؤدب ، عن أبيه ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن البصري قال : حدثنا صعصعة عم الفرزدق ، فذكره .
وفي صحيح البخاري ، عن عدي مرفوعا :" اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة "وفي الصحيح :" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط "وفي الصحيح أيضا :" يا نساء المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة "يعني : ظلفها . وفي الحديث الآخر :" ردوا السائل ولو بظلف محرق ".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يا عائشة ، استتري من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ". تفرد به أحمد .
وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة ، وقالت : كم فيها من مثقال ذرة .
وقال أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سعيد بن مسلم ، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ، حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل : أن عائشة أخبرته : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :" يا عائشة ، إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا ".
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به .
وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني ، حدثنا الهيثم بن الربيع ، حدثنا سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عن أنس قال : كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (فرفع أبو بكر يده وقال : يا رسول الله ، إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر ؟ فقال :" يا أبا بكر ، ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة ".
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه] عن [أبي الخطاب به . ثم قال ابن جرير :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب قال : في كتاب أبي قلابة ، عن أبي إدريس : أن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره .
ورواه أيضا عن يعقوب ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة : أن أبا بكر ، وذكره .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما نزلت : ) إذا زلزلت الأرض زلزالها (وأبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قاعد ، فبكى حين أنزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما يبكيك يا أبا بكر ؟ ". قال : يبكيني هذه السورة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم ، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم ".
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن] محمد بن [المغيرة - المعروف بعلان المصري - ، قالا : حدثنا عمرو بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (قلت : يا رسول الله ، إني لراء عملي ؟ قال :" نعم ". قلت : تلك الكبار الكبار ؟ قال :" نعم ". قلت : الصغار الصغار ؟ قال :" نعم ". قلت : واثكل أمي . قال :" أبشر يا أبا سعيد ; فإن الحسنة بعشر أمثالها - يعني إلى سبعمائة ضعف - ويضاعف الله لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يغفر الله ، ولن ينجو أحد منكم بعمله ". قلت : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة "قال أبو زرعة : لم يرو هذا غير ابن لهيعة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (وذلك لما نزلت هذه الآية : ) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (] الإنسان : 8 مسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذي أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك ، فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء . إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه . وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر . فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت : ) فمن يعمل مثقال ذرة (يعني : وزن أصغر النمل) خيرا يره (يعني : في كتابه ، ويسره ذلك . قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة . وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضا ، بكل واحدة عشر ، ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات ، فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله بن مسعود ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ". وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، وأنضجوا ما قذفوا فيها .

[color=#FF0000]وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )8(
ولهذا قال :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (
قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ; فأما الذي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين ، كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسنات له ، وهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر . ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء ، فهي على ذلك وزر ". فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ، فقال : " ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (.
ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جرير بن حازم ، حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية - عم الفرزدق - : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (قال : حسبي ! لا أبالي ألا أسمع غيرها .
وهكذا رواه النسائي في التفسير ، عن إبراهيم بن يونس بن محمد المؤدب ، عن أبيه ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن البصري قال : حدثنا صعصعة عم الفرزدق ، فذكره .
وفي صحيح البخاري ، عن عدي مرفوعا :" اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة "وفي الصحيح :" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط "وفي الصحيح أيضا :" يا نساء المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة "يعني : ظلفها . وفي الحديث الآخر :" ردوا السائل ولو بظلف محرق ".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يا عائشة ، استتري من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ". تفرد به أحمد .
وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة ، وقالت : كم فيها من مثقال ذرة .
وقال أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سعيد بن مسلم ، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ، حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل : أن عائشة أخبرته : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :" يا عائشة ، إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا ".
ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به .
وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني ، حدثنا الهيثم بن الربيع ، حدثنا سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عن أنس قال : كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (فرفع أبو بكر يده وقال : يا رسول الله ، إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر ؟ فقال :" يا أبا بكر ، ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة ".
ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه] عن [أبي الخطاب به . ثم قال ابن جرير :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب قال : في كتاب أبي قلابة ، عن أبي إدريس : أن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره .
ورواه أيضا عن يعقوب ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة : أن أبا بكر ، وذكره .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما نزلت :‏ ‏) إذا زلزلت الأرض زلزالها (وأبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قاعد ، فبكى حين أنزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما يبكيك يا أبا بكر ؟ ". قال : يبكيني هذه السورة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم ، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم ".
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن] محمد بن [المغيرة - المعروف بعلان المصري - ، قالا : حدثنا عمرو بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (قلت : يا رسول الله ، إني لراء عملي ؟ قال :" نعم ". قلت : تلك الكبار الكبار ؟ قال :" نعم ". قلت : الصغار الصغار ؟ قال :" نعم ". قلت : واثكل أمي . قال :" أبشر يا أبا سعيد ; فإن الحسنة بعشر أمثالها - يعني إلى سبعمائة ضعف - ويضاعف الله لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يغفر الله ، ولن ينجو أحد منكم بعمله ". قلت : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال :" ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة "قال أبو زرعة : لم يرو هذا غير ابن لهيعة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (وذلك لما نزلت هذه الآية :‏ ‏) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (] الإنسان : 8 [، كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذي أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك ، فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء . إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه . وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر . فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت :‏ ‏) فمن يعمل مثقال ذرة (يعني : وزن أصغر النمل) خيرا يره (يعني : في كتابه ، ويسره ذلك . قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة . وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضا ، بكل واحدة عشر ، ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات ، فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله بن مسعود ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ". وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، وأنضجوا ما قذفوا فيها .