الأحد 29 أغسطس 2021 - 14:34

حسن الجزولي
ذهب بعض المهتمين في قضايا الموسيقى والشعر السوداني إلى القول بأن أغنية عازة في هواك لشاعرها ومؤديها خليل فرح تعتبر المعادل الأول لمارسيلس الثورة الفرنسية، بحكم ما هو كامن فيها من لازمات موسيقية محركة للوجدان الوطني للأمة السودانية، وينحو بعض هؤلاء لاحقاً إلى أن المعادل الثاني المحرك للمشاعر الوطنية للأمة السودانية هو نشيد الملحمة لمؤلفه الشاعر المعاصر هاشم صديق وتلحين الموسيقار موسى محمد إبراهيم وآداء الفنان محمد الأمين وكوراله الموسيقي!.
وتعتبر أغنية عازة في هواك أغنية رائدة في وطنيتها الجياشة ، حيث ساهمت في تحريك وجدان السودانيين في فترة الاستعمار البريطاني على السودان، وتدع وكلماتها إلى الذود عن الوطن ومقاومة المستعمر وعلى ضرورة المنافحة عنه .
وبهذه الصفة وجدت رواجاً واندياحاً على مر العصور عبر أجيال الموسيقيين السودانيين فضلاً عن عديد الفرق الموسيقية الأجنبية بمختلف الآلات الموسيقية والإيقاعات.
ضمنهم كل من عقدالجلاد وطلاب معهد الموسيقى والمسرح وعدد من الفنانين السودانيين كعثمان مصطفى وأبوداؤود ومصطفى سيد احمد ومحمود عبدالعزيز وعركي البخيت ، وتلك الإضافات الموسيقية للحن عازة والتي استخدمها محمد وردي في بعض أغنياته الوطنية،
هذا إلى جانب فرق غنائية من اليابان وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، فضلاً عن الفنان الأثيوبي بآداءه المتميز لها تيلاهو نقيساسي الذي غناها باللغة الأمهرية!.
وقد ساهم الموسيقار علاء سنهوري فيها بإضافات وتوزيع موسيقي أبدى فيه جهداً مشهوداً، خلافاً لتناول العديد من الموسيقيين السودانيين، حيث أثار التوزيع الموسيقي الجديد الذي نفذه كورال فضاءات محايدة، حواراً شارك فيه العديد من المهتمين والمتابعين، حين تم بث العمل بعدة مواقع للتواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية، والذي كان قد تم تقديمه بمركزالخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية بالخرطوم
وعازة هي القصيدة الوطنية التي الفها الخليل في أواخر عشرينات القرن الماضي ، بمستشفى العباسية بمصر والتي كان يتلقى فيها علاجاً من داءالسل المزمن والذي كان علة ذلك العصر، وتمكن من الخليل حتى رحليه،
وجاء في التعريف الموسيقي للحن، حسب الموسيقار أنس العاقب أن الخليل كان قد استمع “لمارش ود الشريف المهزوم اراد وهو يتهيا لتلحين أغنية عازه بحس وطنى غلاب جعله يستعبر خليل موسيقى المارش فابطأ ايقاع المارش دلالة على الهزيمة والإنكسار ولأول مره يدخل نصف التون على الخماسيه الشمال وسطيه وليس ذلك فحسب قام خليل بتحويل نغمى وايضا لأول مره متخلصا من الهيمنه الخماسيه وأما ايقاع المارش فقد حوله الى إيقاع الفالس القادم مع جحافل وثقافة حضاره كانت وقتذاك متسيدة العالم لاتغرب شمسها”. راجع ” عازة خليل بين الأصل والتحريف ، د. أنس العاقب، مجلة المرفأ اللكترونية ، العدد الخامس”.
وجاء في تعريف البعض أيضاً للحن أنه مبنياً على نمط هارموني السلم الخماسي في الموسيقى السودانية ، وتنوع الآداء بين القوة والبطء حيث أكسبه ذلك ” شيئاً من الحزن والضبابية ” في آن!. كما ذهبوا في “تشريح اللحن” إلى أن ملحن القصيدة بدا مجدداً كموسيقي من حيث ” الانتقال المقامي واللحني للجملة نفسها ، فهو يبتدئ الغناء فيها هادئاً منادياً مناجياً عزة في هواك.. عزة فيهواك. وينتهي بإيقاع الفالس النمساوي ولحن المارشات العسكرية ، مارش ودالشريف . والفالس أصلاً هو إيقاع ثلاثي اشتهر في أوروبا.
وهو إيقاع راقص يتباري فيه الراقصون الارستقراطيون ويتحول إلى مهرجان من الفرح والرقص .
فتتصاعد نبرات لحن عازة ، عازة مابنوم الليل محال .. وبحسب النجوم فوق الرحال ، خلقة الزاد كمل و انا حالي حال ، ثم تنخفض النبرة عند التساؤل : متين أعود أشوف ظبياتنا الكحال ؟. وأدخل خليل فرح الآهات في البناء اللحني ليزيده عمقاً ، وقد فسره الكثيرون بأن خليل فرح كان ينعي نفسه جراء المرض بهذه الآهات، وآخرون فسروا الآهات بأنها صدى حسرات لواقع مرير، أوربما استدعاء للاستماع أواستطراد لتأكيد مهارة المغني ، كما هو الحال في الدوبيت والمواويل والأوبرا على سبيل المثال . واستخدم خليل البيانو بمصاحبة الكمان وهو مايعتبر تجديداً لأغنية الحقيبة السودانية. ووفقاُ لعلي المك ، فأن لحن الأغنية إعادة لإنتاج وتطوير الألحان الشعبية ، ويتمثل ذلك المقدمة الموسيقية المستوحاة من تراث غرب السودان”. راجع” ويكيبيديا عازة فيهواك”.
وحول المقدمة الموسيقية للأغنية والتي استخدمها خليل فرح، فقد تناول العديد من الدارسين والمهتمين حول حقيقتها ، نتناول أبرزها عبر نموذجين .الأول هو رأي الموسيقارد. أنس العاقب الذي ذهب إلى أن الخليل بدأ المقدمه “بإستغلال لحن الأغنيه الشعبيه التى فضحت هزيمة وهروب ودالشريف من المعركه وهو قائد محاربي قبيلته ومن ثم صاراللحن شعبيا يتردد وسط الناس حتى التقطه عباقرة موسيقيي الجيش فى مطلع القرن الفائت وحولوه الى مارش ودالشريف وقد حكي لى الراحل اللواء ابوقرون عبدالله ابوقرون ان العساكر ركبوا كلمات لتتماشى مع حركة البياده اثناء المشي لمسافات طويله يسمونها الجلالات العسكريه الماخوذه إسما من اناشيد عساكر جيش السلطنه الزرقاء مملكة الفونج وذلك دلالة على وقوع السودان فى براثن الإستعمار”.
في حين أشار كمال الجزولي إلى حكاية رواها له وعبد الهادي الصديق الشاعر حدباي أحمد عبد المطلب أحد أصفياء خليل فرح والمقربين منه، بأن استلهام الخليل للحن عازة جاء خلال رحلة لهما للفاشر سمعا فيها بنات الجلابة يغنين أغنية فلكلورية قديمة ، بذات ميلوديتها ، مفادها أن صبية فوراوية في الخامسة عشر، أراد أبوها تزويجها من عجوز ثري،” فصارت تنوح مستعصمة أمها: يا إيا راعي ليا، في شانه وانداك ، نموت بلا درية، الكركدي مابقوم غلة، حلوني من جقود يارجال الله” وقال أن الخليل انفعل كثيراً بالأغنية ، حكاية ومغزى ولحناً ، حيث بدت له حالة الوطن شبيهة بحالة تلك الصبية حيث أن كلمة جقود هي تصغير لكلمة )جقد(، في معنى الشخص ضئيل الشأن . وهي لهجة في لغة الفور، يجري استخدامها ، أكثر شيء في منطقة الفاشر، ومضى يحكي أن الخليل كان في مرة غافياً على سرير المرض بالمستشفى في مصر، “حين مرت فرقة الكشافة النوبية وهي تعزف بعض المارشات ، فانتبه خليل وسأل حدباي في صيغة تنبيه ما حول ما إن كانت الموسيقى واللحن هما نفس أغنية البت الفوراوية؟ حيث أمن حدباي على ملاحظة الخليل، وبعد مغادرته المستشفى انتظم خليل في توقيع لحن عازة في هواك معصاحب أستديو )لتعبئة( الأسطوانات كي يسجل له أغنية )عازة فيهواك( قبل عودته للسودان. ” وكان بالأستديو بيانو يلعب عليه خواجة ، فصار الخليل يعزف الميلودية الأساسية للأغنية الفوراوية بالعود ، على إيقاع الفالس ،بينما العازف الإغريقي يتابع الميلودية على البيانو ، حتى أتقن عزفها ، فطلب الخليل تسجيلها كمقدمة للأغنية، ترجمة للتشابه الذي كان يجده بين الحالتين! وختم حدباي حكايته قائلاً: علمنا فيمابعد، أن صول )المز يكة( في جيش الزبير باش اكان قد سمع الأغنية بعد دخولهم الفاشر ، إثر انتصارهم على السلطان إبراهيم قرض في معركة منواشي ، فأعجب بميلوديتها، وقام بإعادة توزيعها وتنويعها كمارش عسكري صار يعرف لاحقاً، بمارش ود )الشريفي( لكن بكلمات مغايرة تقول”ود الشريفي رايو كمل جيبولي شايلات من دار قمر”!. راجع “وما أدراك ما حدباي! 28 أغسطس- 3 سبتمبر2007”.