الإثنين 30 أغسطس 2021 - 19:01
الطاهر ساتي: هذا البوح أيضاً..!!


:: ومن أرشيف الزاوية – بالصحافة في عنفوان شراكتها الذكية- ما يلي : ) نوفمبر العام 2008، أسمع طرقاً خفيفاً على باب المكتب، ثم يدخل بهدوء، وكالعادة تسبقه إبتسامته النقية، ثم السلام المعهود ) إزييك(، وكان يمد الياء، حتى ترى بياض أسنانه، ثم جلس و ناولني إحدى حدائقه، وكان بها الإهداء الآتي نصه : ) إلى أخي وصديقي ورفيق الزمن الطيب والكلمة الحقيقة ساتي ..هذه حديقتي البكر ووردتي الأولى، أدخلها، فأنت أدرى بما فيها وأعلم بمسالكها، مع حبي .. أخوك دوماً محمد طه القدال ، 15 نوفمبر 2008 (
:: بتلك العبارة الباسمة أهداني القدال في تلك الظهير حديقة فيها حليوة، الطمبارة والغناي، رحمة، أحلام الحزن الفرعوني، كلام الرتينة بت سالم، أم الشهيد أمي، وجع المخاض، مسدار أبوالسرة لليانكي و تم تم من رابحة الكنانية .. وضعها أمامي بعد عناق دافئ ، ثم جلس بعيداً يحدق في رد الفعل، وهكذا القدال حين يلاقيك بما تحب، كتاباً كان شعراً، يتحفك به، ثم يصمت ليستمتع بوقع الحرف عليك..
:: وعجزت في تلك الظهيرة عن التعبير بما في خاطري تجاه تلك الأشعار الأنيقة الموشحة بعنوان وفيّ للأرض والناس معناه ) غنوات لحليوة(.. وأحدثكم عن القدال .. تزاملنا عاماُ ونصف العام، بشركة المساء للإنتاج الإعلامي، لم أشعر خلالها يوماً بأني موظف صغير يرأسه مدير بقامة القدال .. طاف بي بوادي الجزيرة وأريافها، فنهلت منها قيمة أن يعيش المرء لغيره بلا أنانية، ثم تجول بي أم درمان وحواريها، فاشتقت لسودان ليس في نفوس أهله القبلية وصويحباتها، سودان المودة وكفى، كما أم درمان ..
:: وهكذا ظل محمد طه القدال للعاملين معه فصلاً دراسياً ناجحاً في مدرسة الحياة.. وأجمل ماتعلمته من هذا الرائع، عملاً – لا بالبيان – هو أن تكون لملح الأرض لساناُ وساعداً، ليحبك لسان حال ضميرك ويساعدك خالق الناس.. وهكذا هو إلى اليوم، يمشي بسيطا بين البسطاء بهامة تعانق السماء، وما ضره أن يكون في طرف المدينة كادحاً يهب الحياة الكريمة لوائل والواثق ورؤى وفاطمة ولآمنة رفيقة الدرب الأخضر وملهمة تلك الروائع ..
:: والحديث عنك – يا القدال – يرهقني، إذ كيف اترجم للناس مشاعري في ليلة عُرسي، وأنت تقاسم أمي وأبي فرحتهما بابتسامتك الوضيئة، رغم حزنك على فقد شقيقك قبل يومين فقط لاغير؟ .. وعندما اقترح تأجيل العرس شهراً أو آخر، تغضب وتثور أمام المُعزين، وأعود من حليوة حزينا فتلحقني باسماً، وتعانقني بدرس آخر أمام المحتفلين بزواجي : ) يا الطاهر الحياة دي فيها دمعتان، دمعة حزن ودمعة فرح، أوعك تحجر دمعة على حساب التانية(، هكذا كنت – كما أنت – مُعلماً يا القدال، فأعذرنى على بعض البوح .(
20 نوفمبر 2008
اليكم – الصحافة
:: وقرأ الحبيب تلك الأسطر، واتصل بعد أيام لأمر ما، و ختم المكالمة ضاحكاً : ) شايفك رثيتني قبل كم يوم، وقصدت ما أضرب ليك وأشكرك، عشان تاني ما تعملها، خلي الحاجات الحلوة بيناتنا عشان ما يسحرونا (..رحمة الله عليه، كان صادقاً في العتاب، فالقدال ما كان يُحب الحديث عن خصاله و أفعاله الطيبة .. و عليه، كما ناشدتك وأنت في الدنيا، أناشدك و أنت في الفردوس بفضل الله ورحمته، بأن تعذرني على هذا البوح أيضاً .. ساتي