الجمعة 10 سبتمبر 2021 - 13:39

الخرطوم : مهند عبادي
في بلد تشكل العادات والتقاليد فيه مرجعاً أساسياً وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه أو حتى الاقتراب منه، تنتشر ظاهرة ختان الاناث و زواج الطفلات منذ سنوات مضت خصوصاً في القرى البعيدة والأرياف التي لا تعترف بتعليم الفتيات ، وقد وقع ضحيتها آلاف الفتيات اللواتي حُرمن من حقهنّ في التعليم والاختيار، وعلى الرغم من سعي المدافعات عن حقوق المرأة والطفل لإنهاء الظاهرة فإنها ما زالت مستمرة، ومعلوم أن إحداث تغيير دائم وواسع النطاق، لا يكفي أن يقوم كل شخص أو كل أسرة بتغيير مواقفهم تجاه ممارسة ختان الإناث، بل من الضروري أن تنتظم المجتمع حركة وجهود كبيرة من اجل الدفع بعملية تغيير المفاهيم ونشر الوعي بخطورة الممارسات الضارة على نموء وعقل ومستقبل الفتيات، العبء الاكبر يقع بلاشك على حركة المجتمع وتقبله للبرامج والمشاريع الداعمة للتغيير ووالتعريف بحقوق البنات، وهنا تبرز الحاجة الأكيدة لدور المنظمات الوطنية والاقليمة والدولية في تبني تلك المشاريع والعمل عليها مع المجتمعات المحلية ودفع الجهود الرسمية من قبل الدولة للحد من تلك الممارسات الخطرة، وتنشط عدة جهات في هذا الاتجاه بينما تبدو الادوار الكبيرة التي تقوم بها بلان العالمية رائدة في هذا المجال من خلال العمل الضخم على مستوى التدريب ووضع منهج خاص معنون بأبطال التغيير يستهدف تدريب الشباب من الجنسين في المجتمعات المحلية بعدد من ولايات السودان لقيدة راية التغيير ودعم قضايا وحقوق الفتيات ومساندتهن في محاربة العادات سابقة الذكر وتمكينهن من اجل قيادة المجتمع والمساواة في الحقوق مع الرجال ، وتستمر بلان العالمية السودان في تدريب افراد من الجنسين فى النوع الاجتماعي عبر استخدام منهج ابطال التغيير، كجزء من مشروع الالتزام بحماية وتمكين الفتيات في السودان الممول من قبل الوكالة السويدية للتعاون الدولى.
“1”
آخر الورش التدريبية شملت افراد من ولايات النيل الابيض وكسلا وشمال دارفور لدعم مشاريع حقوق الفتيات وانجز المشاركون يوما عمليا بمجتمع حي السلام الكائن بمدينة الدويم في ولاية النيل الابيض تلمسوا من خلال اثر المشروع والتعرف على الاسئلة الدائرة في اذهان المجتمع المحلي ونسب ممارسة ختان الاناث وزواج الطفلات داخله فضلا عن التعرف على برامج تمكين المرأة وفصل تعليم الكبار ، وتقول نصرة محمد عمر منسق لمشروع بولاية النيل الابيض أن العمل يجري في “25” قرية بالولاية مقسمة الى “10” في محلية قلي و”7″ بمحلية الدويم و”8″ بمحلية ام رمتة، ويستهدف التعريف وزيادة الوعي بحقوق الفتيات وتدريب أشخاص من هذه القرى على منهج سليمة وابطال التغيير الخاص بمنظمة بلان سودان ، فضلا عن “25” فصل لتعليم الكبار بهذه القرى، وتشير الى البرنامج يستهدف الشباب من عمر “13ـ 18″ عام و”19ـ24” عام بمجموعتين بنات واولاد ، ولفتت نصرة الى أن النيل الابيض بها “20” مجموعة، تتلقى التدريب على رفع الوعي بحقوق الفتيات من خلال تسخير قدرات الاولاد لدعم هذه الحقوق او بمعنى آخر فإن الامر يتعلق باستخدام الرجولة الايجابية وتأثيرها على دعم قضايا وحقوق الفتيات بحسب نصرة التي اكدت في حديثها أن المنظمة علمت ايضا في جهود لتدريب عدد من المستفيدين في كوفيد 19 وتقديم الدعم النفسي وعقد ورش لحقوق الفتيات بالتعاون مع المجتمعات المحلية والمنظمات القاعدية بالقرى.
“2”
وقالت نصرة إن مشروع الالتزام بتمكين وحماية الفتيات في السودان،” عقد ورشة عن النوع الاجتماعي بمشاركة متدربين من ثلاث ولايات هي كسلا وشمال دارفور والنيل الابيض ضمن “21” مرأة و”6″ رجال وتهدف الى ايجاد بيئة خالية من العنف بكل اشكاله وعمل المناصرة لحقوق الفتيات بالضغط على متخذي القرار، وأشارت نصرة الى أن البرنامج حقق نجاحات كبيرة في النيل الابيض حيث تمكن من وقف التسرب المدرسي والمشاركة في يوم الطفل الافريقي فضلا عن مشروعات نفذها بالتعاون مع شركائه في الولاية ممثلة في وزارة الصحة بالنيل الابيض والمجلس القومي لرعاية الطفولة وجميعة رعاية حقوق الطفل بالولاية.
“3”
ومن جهته يقول كمال الطيب مسؤول جمعية رعاية حقوق الطفل بالنيل الابيض إن قصص النجاح كثيرة ولكن أهمها الانجاز التي تحقق بقرية” أمبا ” بمحلية قلي حيث تمكن المجتمع من انهاء ازمة المياه ووضع حد لتلوث البئر القديمة بالمنطقة ويضيف كمال أن برامج تعليم الكبار نجحت في تمكين المجتمع من تطوير افكار ومناقشة مشكلاته والتحرك والمبادرة لحلها ويشير الى أنهم تمكنوا بمساعدة الخيرين والجهود الشعبية من حفر بئر في القرية وهو امر وجد تفاعلا كبيرا واهتماما بالغا من السكان الذين اثبتوا انهم قدر التحدي وقادرون على تجاوز المشكلات وبتحريك المجتمع المحلي لمعالجة الازمات، كمال في حديثه أيضا يؤكد أن الجمعية نجحت في ارجاع عدد”13″ بنتا الى مقاعد الدراسة باحدى مناطق النيل الابيض وعمل فصل تمهيدي لاعادة اطفال آخرين للدراسة وحل كل المشاكل الخاصة بهم بالتعاون مع المنظمات الفاعلة.
“4”
هويدا جميزالنور منسق حي السلام تقول في حديثها للسوداني إن التبصير بحقوق الاطفال ومناصرة قضاياهم واهداف المشروع الذي تنفذه بلان سودان بالتعاون مع لجنة الحماية المجتمعية ومجموعات سليمة وابطال التغيير بحي السلام بالدويم حظي بقول ورضا وتفاعل كبير من سكان الحي ولم يحدث اعتراض عليه لجهة أنه يخدم تنمية المجتمع ورفع الوعي وقدرات اطفال الحي، ةمشيرة الى أنهم ومنذ البداية قاموا باستشارة رجال الدين وقادة الحي ومشاورتهم قبل تنفيذ البرنامج الذي نفذ في حي السلام بتدريب “8” افراد من الجنسين على منهج أبطال التغيير وسليمة فضلا عن اقامة فصل لتعليم الكبار بالمدرسة ضمن حزم المشروعات الداعمة لتمكين المرأة والمنفذة من قبل بلان سودان ، لافتة الى أن الفصل عليه قبول واقدام كبيران وسط سيدات حي السلام وبدلا من أن يكون الفصل مكونا من “25” دارسة امتلأ ليصل الى “57” دارسة من النساء الراغبات في التعليم وعاد اليهم الحماس بتطوير مهارتهن وامكانياتهن بالالمام بالمعرفة والعلم ، هويدا تقول في حديثها أيضا إن مجتمع حي السلام بمدينة الدويم لا يعرف زواج الطفلات وهو امر مرفوض ولا توجد له نماذج في الحي بحكم الطبيعة والفهم الذي يميز السكان وتشير ايضا الى أن الوعي بخطورة الامر جعله منبوذا لديهم كما أن اكمال عملية الزواج بواسطة المأذون الشرعي لا يمكن لها أن تتم باعتبارها مخالفة للقانون الجنائي .
“5”
الباقر عيسى عضو لجنة الحماية المجتمعية بحي السلام أكد للصحيفة أن برامج المنظمة حققت فوائد كبيرة وانعكست ايجابا على مستوى الاسر بالمنطقة وأضاف :أصبحنا نطمع في تنفيذ برامج اكبر بالاستفادة من قدرات وامكانيات المنظمة في لم شمل المشردين واعادتهم الى مقاعد الدراسة ، وقال الباقر إن قضية محاربة ختان الاناث تحظى باهتمام كبير في الحي بفضل الوعي المكتسب لدى السكان بعد الجهود التي قادتها لجنة الحماية المجتمعية وابطال التغيير والمدربين على منهج سليمة، مشيرا الى أن الحي الآن في حاجة الى بناء فصول بالمدرسة واكمال المكاتب وتسوير مدرسة البنات حتى تطئن الاسر عليهن مؤكدا أن انجاز ذلك يساعد اكثر على المحافظة على الفتيات واتاحة البيئة الملائمة لهن للتعليم ومن ثم التعرف على الحقوق وتمكينهن في المجتمع.
“6”
الاستاذ حبيب ادريس رئيس لجنة التنمية بحي السلام قال إن مدرسة الطالبات أنشئت بجهد شعبي وشراكة مع منظمة بلان سودان وأضاف أن البرامج المنفذة ظهرت محاسنها على مستوى الوعي المتمدد وسط اهل السلام والاقبال الكبير على فصل تعليم الكبار ورفع قدرات النساء الانتاجية من خلال معمل صناعة المعجنات والعطور السودانية فضلا عن القناعة المتمددة وسط السكان بأهمية محاربة ختان الاناث وعزل كل من يجرؤ على ممارسة العادة الضارة بشكل سري.
“7”
فصل تعليم الكبار الذي تشرف عليه الاستاذة فوزية آدم يعتبر واحدة من المنارات المضئية في حي السلام بالدويم فهناك “57” سيدة تبدات حياتهن وطريقة تفكيرهن تتغير الى الأفضل وتمكن من فك الخط وتعلم الكتابة والقراءة من خلال المجهود الكبير المبذول من قبل المشرفة على الفصل فوزية آدم والتي رغم الجهد الكبير الا انها تبدو في غاية السعاة للعمل ضمن هولاء النسوة القادرات على الاستفادة من الفرصة المتاحة وزيادة وعيهم بحقوق المرأة ومحاربة العادات الضارة واشكال العنف ضد الفتيات والمساواة بين النوعين ، وتقول خادم الله عمر احدى السيدات المواظبات على الفصل إن الاستفادة التي جنينها كبيرة جدا والفصل اصبح لهن ملاذا لاكتشاف قدراتهن وحماسهن للمعرفة وتضيف رغم انني تركت مقاعد الدراسة منذ زمن طويل جدا الا أن الفصل اعاد لي الشغف والرغبة الحقيقية في اكمال مسيرتي التعليمية وبفضله استطعت تعلم الكتابة والقراءة واسعى الآن الى أن اساعد اطفالي في المنزل على مراجعة واجباتهم الدراسية.
“8”
احدى السيدات الاخريات تقول إن الدراسة بفصل تعليم الكبار ساعدها على تعلم الحساب وبفضله حدث تغيير كبير في المفاهيم وانعكس ايجابا على تعاملهن داخل المنازل، من خلال روح النشاط والتكافل والتعاون والالتزام ، مشيرة الى أنهن اصبحن أكثر حرصا على القيام بالواجبات المنزلية وانجازها في وقت مبكر حتى يلحقن بزمن الفصل ، الى جانب انهن اصبحن اكثر اصرارا على التكاتف والتواصل الاجتماعي ، والرغبة الكبيرة للتوسع في التعليم والمعرفة اكثر بفضل الراحة النفسية التي يعشن فيها ويجدنها داخل الفصل .
“9”
عزالدين خميس ورحمات كباشي من بين الثماني شباب الذين تم تدريبهم على منهج ابطال التغيير وسليمة من قبل بلان سودان في الحي يؤكدان في افادتهما للصحيفة وجود مفاهيم سائدة لدى المجتمع تحتاج الى تغيير وان هذا التغيير لا يتأتى بسهولة وهو يحتاج الى وقت طويل ولكن بفضل التدريب الذي نالاه اصبحا اكثر معرفة وقدرة على التأثر في مجتمعهما وبالتالي ربما يصلان قريبا الى مجتمع خال من العنف والعادات الضارة تجاه الفتيات في حي السلام وهو ما سيتحقق بنسبة مائة في المائة حسب افادتهما ، الشباب يقولون إن الظواهر السيئة هذه انخفضت معدلاتها بشكل كبير ولكن هناك بعض الممارسات القليلة الموجودة ويمكن القضاء عليها بمزيد من الوعي والتبصير الذي يقومون به وسط الاهل ، ويشير هؤلاء الى انهم وفي اطار تنفيذ برامج ابطال التغيير شرعوا في تشكيل ثلاث مجموعات تضم خمسة وسبعين فردا من الجنسين للعمل على تطبيق اهداف البرنامج ونشر الوعي بمحاربة الختان وزواج الطفلات وتمكين الفتيات والمساواة بين الجنسين.