الجمعة 19 يونيو 2020 - 18:55
نبض للوطن … أحمد يوسف التاي


»1«
اجتهد المهندس الطيب مصطفى في مقاله الراتب أمس، في أن يضعني في “موضعٍ” ليراني من خلاله الناسُ منافقاً، مرائياً، متقاطعاً مع الفضائل التي ادعو لها ، متناقضاً مع العبارة التي اختم بها مقالاتي : )ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين(..أي أنني أدعو إلى فضيلةٍ ولا أراعيها حين أكتب، فأنا عنده – على الأقل في مقالي الأخير- أدعو الناس أن يضعوا انفسهم في الموضع الذي يحبون أن يراهم الله فيه ، ولا أضع نفسي في هذا الموضع، وكل هذا الهجوم لأنني تطاولت على مقام “أمير المؤمنين” المخلوع ،حامي بيضة الدين” الذي ثارت عليه رعيته “اليسارية”، خليفة المسلمين الذي ضُبطت بداره بعد السقوط ملايين الدولارات، وأدانته المحكمة بموجب هذه الجريمة..
والذي يقرأ مقال المهندس الطيب حتى النهاية يخرج بنتيجة واحدة وهي أن التحسُّر على عهد البشير هو الموضع الذي يجب أن أضع فيه نفسي ، لأكون متسقاً مع “خاتمة” مقالاتي.
»2«
في رأي الطيب مصطفى ، وكي أكون متسقاً مع تلك العبارة التي اختم بها مقالاتي، لابد أن أنفث زفراتٍ حرى تحرق كل الوزراء والمسؤولين في حكومة حمدوك “الكافرة” العلمانية “الملحدة “، ولابد أن أرميهم بأقزع العبارات والشتائم والتجريح والاساءات، عندها سأكون قمتُ بواجبي تجاه الله، وأكون قد وضعتُ نفسي تماماً في الموضع الذي يجبُ أن يراني فيه الله، وإلا فتلك عبارة جوفاء لاقيمة لها لأن موقف التاي المساند لحكومة حمدوك العلمانية الملحدة يضعه في موضع “لايحبه الله”، وتلك هي واحدة من أكبر مشاكل السودان السياسية التي جاء من أجلها التغيير ليضع حداً لاستغلال الدين في السياسة والرئاسة، حتى نعيش متصالحين في وطن مستقر يتساوى فيه كل الناس، ونحترم فيه اختلافنا وتعددنا السياسي، ونُدير فيه تنوعنا الثقافي والإثني بحكمة ورحمة، وهذا ما سنظل ندعو اليه، وإنْ تنكبت حكومة حمدوك هذا الطريق وفارقته لبعض الوقت فإن وعي شباب السودان قادر على أن يعيدها فيه تارةً أخرى..
»3«
بعد قراءة المقال حتى آخر “زفرة” فيه حمدتُ الله أن كشف الطيب مصطفى عن سبب غضبته عليّ والتي لم تكن غضبة لله بقدر ما أنها غضبة لابن اخته المخلوع، وذلك حينما قلت في مقالي السابق أن الأوضاع المعيشية والغلاء والازمات كانت ستكون أسوأ مما هي عليه الآن لو أن البشير مازال في دست الحكم ، ويبدو سبب غضبته جلياً في قوله:) دعك يا استاذ التاي عن الوضع الاقتصادي الذي قلت أنه سيكون أسوأ مما هو عليه الآن إذا كان البشير مازال حاكماً، فهل كان البشير سيعيِّن وزيراً شيوعياً، لكذا وكذا، إلى آخر مقاله الذي يتباهى فيه بإقصاء البشير لليساريين، وهو يتقرب بذلك لله ، وقد تعرض كعادته الى وزير التربية ، الوزير مفرح، والدكتور القراي، والرشيد سعيد، وهو يحاول إثبات أن نظام البشير أفضل من حكومة الثورة الحالية التي أتت بوزراء علمانيين وشيوعيين كهؤلاء..!!!!. والطيب هنا يقرر أن هناك معيار واحد فقط لاختيار المسؤولين لتولي المناصب العامة في الدولة ، بشرط الا تكون شيوعيا او بعثياً، أو ناصرياً او أي آخر من أحزاب اليسار …فإذا كنت )يساريا( فلايحق لك أن تتولى إدارة شئون دولتك..
المضحك أن الطيب مصطفى أراد أن يستدل على أن البشير هو الافضل لأنه ماكان سيعيّن يسارياً وزيراً في نظامه وقد نسي أن البشير لهث خلف اليساري )حمدوك ( قبل سقوطه ولكن اليساري العلماني رفض ان يلوث يداه بالمشاركة في نظام غارق في فساده…
ويتباهى الطيب مصطفى بذلك كما لو أن إقصاء الآخر مفخرة تقربه إلى الله زلفى، وكما لو أن نظام البشير لم يُعيّن من قبل وزراء ومسؤولين نصارى ومجوس ومن لا دين لهم اصلاً في فترات متفاوته، وهذا بالطبع حق كل النحل دعك عن من يشهدون بوحدانية الله من اليساريين، ولم يكن تعيين المجوس واللادينيين يشكل مشكلة في رأينا ، لأنهم كانوا سودانيين قبل ان يكونوا مجوس او نصارى فهذا حقهم الدستوري والقانوني..
إذن ما يُباهي به الطيب مصطفى من إبعاد وعزل لليساريين ويفتخر بأن البشير فعله هو المفهوم الإقصائي الذي لايقره دين ولا أي شريعة سماوية والذي جاءت الثورة لوضع حد له، فهل الاقرار بأن البشير أفضل من حكومة الثورة لكونه لن يعيِّن يسارياً هو الموضع الذي يجب أن يرانا فيه الله!!؟..
»4«
واستناداً على مفهوم الطيب مصطفى أعلاه المتقاطع مع دولة المواطنة والقانون، أقول أن الرجل عندما “قرر” أن خاتمة مقالاتي غير متسقة مع موقفي المساند لحكومة الثورة، فإنه أسس في ذلك على مفهومه الإقصائي ذاك والذي لاتسنده مرجعية دينية، وبالتالي يحق لي أن أقول أن الطيب مصطفى يريد منا أن نضع أنفسنا في الموضع الذي يحب أن يرانا فيه الطيب مصطفى ، لا ذاك الذي نُحبُ أن يرانا فيه الله، فهو يريدنا وفقاً لرؤيته الأحادية التي يرى من خلالها الأمور إما “إسلامي” أو علماني ملحد محارب لله ورسوله..
»5«
فهمتُ أيضاً من مقال المهندس الطيب مصطفى ،أنه وكيْ أكون متسقاً مع خاتمة مقالاتي كان عليّ أن أعلن الحرب على حكومة حمدوك الملحدة، وأقوم بتحريض العسكر للإنقلاب عليها وتسليمها مرة أخرى للكيزان لأنهم في رأي الطيب مصطفى أفضل بألف مرة من حكومة الثورة فإن وضعتُ نفسي في هذا “الموضع ” الذي يحبُ الطيب مصطفى ان يراني فيه هو، )لا أنا(، سأكون قد فعلتُ الصواب.
وكيْ أكون متسقاً مع خاتمة مقالاتي يَلزمُني بالضرورة أن أرى مايراه الطيب مصطفى، ولابد أن تتسق رؤيتي مع رؤيته للأشياء..
ولكيْ أكون منسجماً ومتناغماً مع “خاتمة مقالاتي” يلزمُني كذلك أن أرى بعين الطيب مصطفى ، لابعيني أنا، وأنظر لكل القضايا السياسية من الزاوية التي يرى منها هو لا أنا، وإلا فما وضعتُ نفسي في الموضع الذي أحب أن يراني فيه الله..
»6«
باختصار شديد فهمتُ من مقال المهندس الطيب مصطفى أنه يريد أن يراني في الموضع الذي يحب أن يراني فيه هو، وأنا أريد أن يراني الله في موضع أعلن منه الحرب على القتلة، والفسدة ومردة النفاق المخادعين باسم الدين، الغاشين لرعيتهم، وناهبي المال العام ، ومهربي ثروات البلاد بصالة كبار الزوار، وأحبُ أن يراني الله مدافعاً عن الطيب مصطفى حين أرى أنه قد ظُلم ، ومدافعاً عن البشير نفسه حينما يتراءى لي ضعف مستندات الاتهام الموجهة ضده وهو يُتهم باستحواذ أموال ضخمة ، وأحب أن يراني الله مدافعاً حتى عن كيزان أبرياء يتأذون من )التعميم(، فمن هذا “الموضع الذي احب ان يراني فيه الله” استطيع ان ادافع عن الشيوعي، والاسلامي والبعثي، والناصري، الخ… فهل يستطيع الطيب مصطفى أن يدافع عن شيوعي مهما تجلت درجة براءته.
»7«
فما عاد الشيوعي ذلك )البعبع( الذي تخيفون به البسطاء والسذج في ستينات القرن الماضي في ظل حركة الوعي المتنامي، والمعرفة المبذولة حالياً لكل طالب حقيقة…
فليس كل شيوعي هو ملحد محارب لله ورسوله، فمنهم من يحج الى بيت الله، ولايفارق صلاة الجماعة في المساجد، ويصوم ويتصدق، والله إني اعرف من هؤلاء الكثير، فهل يجب علي أن انظر اليهم بمنظار الطيب السياسي الاقصائي كي اكون متسقاً مع خواتيم مقالاتي..
»8«
ما أحار له أن الرجل كان محارباً شرساً لكل انواع الفساد في الارض من تقتيل وتنكيل ونهب وسرقة وانحطاط ظلت تمارسه الانقاذ، لكن ما أن سقط نظام البشير تحول إلى مدافع شرس عن النظام الساقط في حين اختفى الآخرون من عتاة النظام المخلوع وانصاره، لكن قل لي )بربك( كيف لايدافع الآن عنه وهو يرى أنه الافضل من حكومة الثورة الحالية ويتمنى عودته .. المهندس الطيب ، يريد أن يُرينا مايرى هو فقط، ولاسبيل للرشاد الا مايراه هو..
الذي يحيرني حد الذهول كيف تحول موقف الطيب مصطفى من نظام البشير إلى النقيض تماما بعد السقوط من هجوم متواصل، إلى دفاع مستميت؟ أهي العاطفة، ورابطة الدم؟ أم ماذا؟، فقد كان المهندس الطيب محارباً شرساً ضد منظومة الحكم الفاسدة كلها، والآن يستميتُ دفاعاً عنها بعد السقوط الداوي، ترى أي الموضعين يحب الطيب مصطفى أن يراهُ الله فيه، موقفه السابق من النظام ورئيسه الذي كان يطلق عليه الطيب مصطفى الطاغية، والفرعون، أم موقفه اللاحق الذي يتحسرفيه على ذات النظام القاتل الباطش الذي يحنُ اليه ويبكيه بقلب صديع… اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماًفي الموضع الذي تحب أن ي اك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.