الأربعاء 1 ديسمبر 2021 - 5:46
سورة لقمان
‏آية 27
تفسير ابن كثير
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)27(
قول تعالى مخبرا عن عظمته وكبريائه وجلاله ، وأسمائه الحسنى وصفاته العلا وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد ، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها ، كما قال سيد البشر وخاتم الرسل :" لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك "، فقال تعالى ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله (] أي : ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما ، وجعل البحر مدادا ومده سبعة أبحر [معه ، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مددا .
وإنما ذكرت" السبعة "على وجه المبالغة ، ولم يرد الحصر ولا] أن [ثم سبعة أبحر موجودة تحيط بالعالم ، كما يقوله من تلقاه من كلام الإسرائيليين التي لا تصدق ولا تكذب ، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا (] الكهف : 109 [، فليس المراد بقوله بمثله (آخر فقط ، بل بمثله ثم بمثله ثم بمثله ، ثم هلم جرا; لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته .
وقال الحسن البصري : لو جعل شجر الأرض أقلاما ، وجعل البحر مدادا ، وقال الله :" إن من أمري كذا ، ومن أمري كذا "لنفد ما في البحور ، وتكسرت الأقلام .
وقال قتادة : قال المشركون : إنما هذا كلام يوشك أن ينفد ، فقال الله تعالى ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام (أي : لو كان شجر الأرض أقلاما ، ومع البحر سبعة أبحر ، ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه .
وقال الربيع بن أنس : إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها ، وقد أنزل الله ذلك ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام (الآية .
يقول : لو كان البحر مدادا لكلمات الله والأشجار كلها أقلاما ، لانكسرت الأقلام ، وفني ماء البحر ، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء ; لأن أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره ، ولا يثني عليه كما ينبغي ، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه . إن ربنا كما يقول ، وفوق ما نقول .
وقد روي أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود ، قال ابن إسحاق : حدثني ابن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ; أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة : يا محمد ، أرأيت قولك وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (؟] الإسراء : 85 [، إيانا تريد أم قومك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا ". فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنها في علم الله قليل ، وعندكم من ذلك ما يكفيكم ". وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام (الآية .
وهكذا روي عن عكرمة ، وعطاء بن يسار . وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية لا مكية ، والمشهور أنها مكية ، والله أعلم .
وقوله إن الله عزيز حكيم (أي : عزيز قد عز كل شيء وقهره وغلبه ، فلا مانع لما أراد ولا مخالف ولا معقب لحكمه ،) حكيم (في خلقه وأمره ، وأقواله وأفعاله ، وشرعه وجميع شؤونه .