الأربعاء 22 ديسمبر 2021 - 20:42

تحليل: أحمد يوسف التاي
)1(
بقراءة متأنية للمشهد السياسي وفقاً للمعطيات الموضوعية الراهنة يدرك المراقب السياسي أن ثمة “أربعة” سيناريوهات تبدو الأكثر احتمالاً من غيرها لما لها من معطيات تجعل حدوثها الأقرب إذا ما توفرت ظروفها الموضوعية… وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار الضغوط التي يعاني منها الشعب السوداني وحالة الغلاء والضائقة المعيشية باعتبارها واحدة من أقوى الروافع المحلية وأكبر العوامل الحاسمة في تحقيق أي من تلكم السيناريوهات الأربعة التي سبقت الإشارة إليها، تظل هذه السيناريوهات هي الأبرز حتى الآن.
)2(
سنحاول في هذا التحليل التركيز على قراءة الملاحظات والمؤشرات الموضوعية وقرائن الأحوال، وفرص تحقيق كل واحد من السيناريوهات الأربعة وفقاً لمعطيات تسندها معلومات حقيقية، والعقبات التي تقف في طريق أي منها وتحول دون حدوثه… وبناءً على معطيات الساحة السودانية على أصعدتها السياسية والاقتصادية والأمنية، والأبعاد الخارجية يمكن الإشارة إلى أهم “4” سيناريوهات تظل هي الأقرب للحدوث تأسيساً على المعلومات المتوافرة، وتظل الضائقة المعيشية هي العامل المشترك بين جميع هذه السيناريوهات التي سنستعرضها في هذه المساحة، وهي : انزلاق البلاد إلى أتون الفوضى والانفلات الأمني والحرب الأهلية، الانقلاب العسكري، الانتخابات المبكرة، والتوافق على برنامج وطني في حده الأدنى بين القوى السياسية ولجان المقاومة…
السيناريو الأول: الانزلاق نحو الفوضى
الفرضية أعلاه تظل من أسوأ السيناريوهات المحتملة، وبالطبع يسعى الجميع لتجنب هذا السيناريو إلا أن كثيراً من المعطيات والمؤشرات تعكس بصورة أو أخرى الاقتراب من هذه الهاوية ، ومن المعطيات الراهنة التي تعزز فرص حدوث سيناريو الفوضى والانزلاق والتفلت الأمني والحرب الأهلية تبدو على النحو التالي:
)1( استمرار حالة الغلاء والضائقة المعيشية ومعاناة الأسر في الحصول على الخدمات الضرورية، مع استمرار فشل الحكومة في حل الأزمة، مما يدفع بالكثيرين نحو الفوضى وتجاوز القانون.
)2( التساهل مع حالات التفلت الأمني، وتراخي قبضة الدولة الأمنية، فيما يتصل بحماية المواطنين في الطرقات والأسواق ومنازلهم.
)3( غياب هيبة الدولة والقانون خاصة في مناطق النزاع القبلي الذي لا يزال يحصد أرواح العشرات مع استمرار النظرة الانتهازية لهذا النزاع.
)4( استخدام البعض للصراعات القبلية لتنفيذ أجندة سياسية وتوظيفها كـ)ورقة( ضغط في مواجهة الخصوم السياسيين.
)5( استمرار اتساع الهوة بين المواطنين والمؤسسة العسكرية، وفقدان الثقة بين الطرفين.
السيناريو الثاني: الانقلاب العسكري:
الناظر إلى حالة الارتباك المصنوع والعجز البائن الذي لازم كل الحكومات التي شكلها رئيس الوزراء حمدوك خلال هذه الفترة القصيرة، لم يخالجه شك مطلقاً في أن الانقلاب العسكري يبدو في كل موجة صراع سياسي هو الأقرب إلى الحدوث أكثر من غيره، إذ أن الكثير من المعطيات تعزز فرص الانقلابات ولعل ما حدث حتى اللحظة يعزز هذه الفرضية بوضوح، ولا شك أن المسرح السوداني اليوم يمور بكثير من المعطيات والمؤشرات التي تساعد على حدوث الانقلاب وتوجد له المبررات ومن أهمها:
)1( حالة السيولة الأمنية التي تتسيد المشهد في العاصمة والولايات، وهي حالة ربما تكون مصنوعة لتبرير الانقلاب أو ربما بخلاف ذلك، وقد بات واضحاً أنه لا شيء يمنع الانقلاب خاصة إذا ارتدى عباءة مدنية، واتخذ أشكالاً “تصحيحية”…
)2( انشغال القوى السياسية بالصراع السياسي والمحاصصات والمكاسب الحزبية أكثر من التفكير الجدي في إخراج البلاد من أزماتها، والتوشح بالنظرة القصيرة التي لا تتجاوز موضع القدمين .
)3( استمرار حالة الغلاء والضائقة المعيشية ومعاناة الأسر في الحصول على الخدمات الضرورية، مع استمرار فشل الحكومة في حل الأزمة.
)4( الطموحات السياسية لبعض العسكريين وهم في الخدمة.
)5( متلازمة التفكير في السلطة على أنها طوق النجاة من المحاسبة.
السيناريو الثالث: الانتخابات المبكرة
سيناريو الانتخابات المبكرة لم يغب يوماً عن الساحة السودانية، ويطرح دائماً من جانب بعض القادة السياسيين والعسكريين على حد السواء باعتباره خياراً أو مخرجاً من الأزمة المستفحلة إذا ما استشكل الأمر واستعصت الحلول بين مكونات المسرح السياسي السوداني، ولعل أول من لوح بهذا الخيار الراحل الإمام الصادق المهدي بقولته المشهورة : )أي كاني ماني طوالي الناس تدخل الانتخابات المبكرة( يعني إذا لم تتوافق القوى السياسية على حل سياسي للخلافات …. سيناريو الانتخابات المبكرة لا يزال هو أحد خيارات حزب الأمة القومي، والمكون العسكري وبعض الشخصيات القومية وكبار الإعلاميين والأكاديميين، وفي الفترة الأخيرة لجأت الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى التلويح بهذا الخيار إذا فشل أهل السودان في التوافق… لكن السؤال المهم ما هي فرص حدوث هذا السيناريو وما هي معطياته؟
بالإشارة للسؤال المطروح يمكن إجمال تلك المعطيات التي تجعل سيناريو الانتخابات المبكرة أقرب للحدوث، وذلك في ثلاث نقاط:
)1( فشل القوى السياسية في إيجاد أرضية مشتركة للوقوف عليها والتوافق على حل يرضي جميع الأطراف في حده الأدنى، وبالتالي استمرار الصراع والفجور في الخصومات السياسية، ففي هذه الحال لم يكن أمام القوى السياسية إلا الاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة وتسليم السلطة لقوى منتخبة.
)2( تعزيز نفوذ القوى التي تستخدم الانتخابات المبكرة “كارت” ضغط في مواجهة الأحزاب الصغيرة …. تعزيز نفوذها على النحو الذي يمكنها من فرض الانتخابات المبكرة والتبرير لها رغم أنف الجميع، فإذا تمكنت تلك القوى من الهيمنة على مراكز اتخاذ القرار فإنها ستكون قادرة على فرض سيناريو الانتخابات المبكرة.
)3( انسداد الأفق السياسي وتساقط الحلول السلمية الأخرى والوصول إلى طريق مسدود تماماً .
السيناريو الرابع: التوافق بين القوى السياسية على برنامج وطني
سيناريو التوافق الوطني، يبدو أنه المطلوب بإلحاح لدى الشارع السوداني العريض لطالما تعلقت به نفوس السودانيين باعتباره الطريق الآمن لإخراج البلاد إلى بر الأمان، وهو جسر العبور الذي يفضله السواد الأعظم من الشعب السوداني، إلا أن هذا السيناريو يواجه الكثير من الصعاب والتحديات من أبرزها على الإطلاق تصاعد الخلافات والصراع السياسي بين قوى الثورة والجنوح إلى المحاصصات وانفجار الخصومات السياسية وانعدام الثقة بين مكونات المسرح السياسي بسبب التخوين الذي بات إطلاقه اسهل ما يكون بين الساسة عموماً وشركاء الحكومة الانتقالية خصوصاً.
السيناريو أعلاه تبدو فرص حدوثه ضئيلة لصعوبة التوافق بين القوى السياسية، ولكن مع ذلك تبدو هناك بارقة أمل من الممكن أن تجعل التوافق بين القوى السياسية على برنامج وطني أمراً محتمل الحدوث … هذه البارقة تقف الآن على أرضية مناسبة تبدو معطياتها على النحو التالي:
)1( استشعار الخطر لدى الجميع، وما من سبيل لقطع الطريق أمام كل المخاطر والمهددات إلا بحدوث هذا التوافق بين كل قوى الحراك الثوري والابتعاد عن الإقصاء إلا بحقه، وقد بدا جلياً أن كل السودانيين وقواهم السياسية الحية باتوا يستشعرون الخطر خاصة الأطماع الخارجية وصراع المحاور، وتزاحم الأجندة الشريرة من الداخل والخارج.
)2( إبداء بعض القوى المتعصبة بعض المرونة واتجاهها نحو البحث عن مخرج مقبول من الآخرين، وفقاً لاستشعار الخطر الذي سبقت الإشارة إليه.
)3( برز الشارع السوداني والثوار ولجان المقاومة كقوى وطنية ضاربة ورقم لا يمكن تجاوزه في كل الحسابات السياسية على نحو بات يشكل مراكز ضغط تسعى لإيجاد أرضية مستقلة بعيداً عن قوى الحرية والتغيير والعسكر.