الإثنين 17 يناير 2022 - 21:05

قراءة : أحمد طه صديق
عقب كل تظاهرة شعبية تقوم بها قوى الثورة الشبابية ويسقط شهداء بالرصاص الحي تعلن الشرطة بالمقابل عن إعتداءات على أفرادها وإصابات أوحرق أحياناً لبعض أقسامها ، بينما يرى الثوار إن تلك الإفادات غير صحيحة والغرض منها إثبات عدم سلمية الثورة بيد أنه في موكب الخميس الماضي أعلنت الشرطة حدثاً نوعياً غير معهود عندما أعلنت إغتيال مدير وحدة شرطة الطوارئ العميد علي بريمة وبحسب بيان الشرطة أن بريمة كان يقوم باسعاف أحد مصابي الشرطة في ميدان )شروني( الذي كان يشهد تجمعاً من المتظاهرين وتعرض لطعنة بسكين من الخلف أدت لوفاته ، وبالرغم من أن عدداً من رواد التواصل الإجتماعي من الشباب قد تشككوا في تلك الرواية وإدعوا أن العميد بريمة كان قد توفي قبل ساعات ثم تم نقله إلى موقع التظاهرة بغرض إلصاق التهمة بالثوار غير أن الشرطة نفت بشدة هذه الروايات ووصفتها بالإفتراء المحض ، لكن مع ذلك لا يستبعد البعض وجود جهة ثالثة تقوم بعمليات الإعتداء على الشرطة رغم العنف الكبير الذي مورس من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة ووقع فيها قتلى ومصابون ، وذلك بإعتبار إن تلك الجهات لها أجندة معينة تريد تحقيقها منها جهات داخلية وأخرى خارجية ، فالجهات الخارجية من الأرجح ان تكون مخابرات جهة إقليمية تهدف إلى إضعاف حظوظ دور المدنيين في الحكم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية بتدبير عمليات عنف وقتل تجاه العسكريين في أثناء تلك الإحتجاجات الشعبية حتى يحدث شرخ كبير بين العسكر والمدنيين بحيث يحدث تباعد وإحتقان في العقل الجمعي داخل منظومة القوات المسلحة والقوى الأمنية المختلفة تجاه القوى المدنية مما يصعب عملية تغيير سلطوي ينحاز للحكم المدني ، كما إنهم ربما يسعون بتلك المخططات لإبقاء المكون العسكري الحالي على سدة الحكم لتحقيق أهداف تلك الجهات الآنية في الفترة الإنتقالية والإستراتيجية بعد تغيير المعادلة السياسية عند إجراء الإنتخابات القادمة ، حيث من المنتظر إذا جرت في ظل الأوضاع الحالية ودون مشاركة حقيقية لقوى الثورة فأنها من المتوقع أن تأتي بالعناصر التي كانت تسعى لتفويض العسكر لإجهاض الحكم المدني في الفترة الإنتقالية ، كما أنهم ربما يعتقدون إن وصم المظاهرات الشبابية بغير السلمية قد يضعف التعاطف الدولي مع العناصر المدنية مما يقلل من حماسهم تجاه إعطاءهم دور كبير في المشاركة السياسية على حساب العسكر .
أما الجهة الداخلية فالمؤشرات تشير إلى قوى النظام البائد التي تهدف إلى دون الحيولة إلى عودة التيار المدني للحكم المتثمل في الحرية والتغييرأو حتى جهات مدنية مستقلة لكنها ذات ميول مناهضة للنظام الإسلام السياسي السابق لأن ذلك قد يفتح مجدداً برنامج تفكيك نظامهم المحلول الذي باشرته لجنة التمكين الذي صادر العديد من ممتلكات التنظيم السياسي وأفراده وأصول منظماته فضلاً عن إبقاء قادتهم وكوادرهم في السجن وقد يقطع طريق عودتهم للحكم في المرحلة القادمة ، و لعل فرضية تورط النظام السابق في تلك الأعمال الإرهابية نابعة من العقلية المكفلية المتمثلة في فقه الضرورة الذي إبتلع كثير من المحاذير وتجاوزها مثل التعذيب والتصفية وغيرها عندما كانوا في سدة الحكم سيما فالنظام السابق يمتلك آليات لتحقيق تلك الأهداف فهو يملك كوادر مدربة على السلاح وكوادر أمنية يمكن أن توكل له مثل تلك المهام الإجرامية مثل الأمن الشعبي.
فعندما قفزت إلى السلطة الجبهة الاسلامية للحكم في عام 1989م منقضة على النظام الديمقراطي الذي يتزعمه الصادق المهدي زعيم حزب الأمة و رئيس الوزراء ، تعاظم الدور الذي تلعبه خلايا التأمين داخل الجبهة الإسلامية فلم يعد دورها قاصر على جمع المعلومات للاستفادة منها في العمل السياسي بل تطور وضعها التنظيمي حيث أصبحت لها قيادة شبه عسكرية وعناصر مدربة على العمل العسكري والأمني كما إن بعضهم بحسب المصادر تم تدريبهم في دولة إيران وأصبح لها وجود داخل الجامعات مع التنسيق مع ما يسمى بالخلايا الجهادية وقد إتهم في وقت سابق الكاتب الراحل المنتمي للحركة الإسلامية إن إبنه محمد الخاتم الذي إختفى فجأة من منزله قد يكون للأمن الشعبي أو أمن الطلاب الإسلاميين الوجه الآخر للأمن الشعبي دور في إختفائه وتصفتيه .
أدوار قذرة
بحسب صحيفة )الموجز( المصرية الإلكترونية )إن جهاز الأمن الشعبي لعب دوراً فعالاً فى إخماد إنتفاضة سبتمبر 2013م، وذلك من خلال محورين أساسيين، أولاً حل سياسى وتم ذلك بعد الإتصال ببعض المصادر القيادية فى بعض التنظيمات الحزبية السياسية، حيث قضى الإتفاق معها على رفض دخول تنظيماتها كأجسام سياسية، وإلا فأن العنف الذى سيُقابل بعنف يُمكن أن يُطال القيادات في حال إنفلات الزمام، وتحديداً فى أحزاب المؤتمر الشعبى وحزب الأمة والحزب الإتحادي الديمقراطي، ولذلك يجب أن تُقاوم رغبات أحزابها في الدخول للمعترك والمشاركة فى المظاهرات، وذلك بدعوى أنها ستؤدي إلى خلق مشكلة كارثية في السودان نتيجة تدخل إقليمى متوقع لمؤازرة الحركات المُسلحة، مما يُمكن أن يُصعب من الحلول السياسية للمشكلة فيما بعد.
أما الحل الأمنى فتمثل ذلك فى منع الأجهزة النظامية الأخرى، مثل الشرطة والقوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات )الرسمى( من المشاركة فى إخماد تلك المظاهرات، والإكتفاء فقط بتأمين منشآتهم والمنشآت الأخرى المهمة فى الدولة، وبالفعل تحركت )كتيبة الطوارئ( التابعة لجهاز الأمن الشعبى فى كل أرجاء ولاية العاصمة المُثلثة وضواحيها، وتتكون )كتيبة الطوارئ( من كوادر أختيرت بعناية من عدة إدارات مختلفة فى الجهاز، وتلقت تدريبات خاصة، شملت كل شئ، وتمتلك أسلحة خفيفة متطورة جداً، ومعدات أخرى على ذات النمط، بجانب أن لديها تعليمات بصورة مُطلقة باستخدام كل الوسائل، وإنطلقت فى شوارع العاصمة المُثلثة وهى تُمارس ما تدربت عليه لأول مرة منذ سنين بتلك الصورة الواسعة والكبيرة، وأصبحت هذه الكتيبة هى المسؤولة عن مقتل جميع المتظاهرين فى إنتفاضة سبتمبر 2013م( لكن ليس بعيداً عن ما ذكره الموقع العربي عن دور الأمن الشعبي في قتل المتظاهرين آنذاك فقك كشف رئيس لجنة الدفاع في المجلس الوطني إبان النظام البائد في معرض إجابته عن الجهة التي كانت تقتل المتظاهرين قنصاً بالرصاص فقال ) إنها جهة غير معروفة كانت تستخدم سيارات بدون لوحات وتقوم بعمليات القنص (
أدوار داخل الإعتصام
لا يستبعد المراقبون أن يكون للأمن الشعبي دور في عمليات التشوية المتعمدة للحراك الشبابي المعتصم في ساحة القيادة العامة أبان مخاض الثورة فهناك مؤشرات قوية بأن لهم وجود داخل المعتصمين وكانوا يقومون بمحاولات تخذيل وتشويه سمعة قيادات الثوار السياسية وعمدوا لاستئجار عناصر إجرامية قامت بعمل تفلتات غير أخلاقية هناك مثل تعاطي المخدرات والخمور بشكل سافر قرب أسوار القيادة العامة حتى لا يتعاطف العسكريون مع الحراك المدني كما كانوا يقومون بالرقص بصدور عارية وهم في الغالب مخمورين أمام الحفلات الغنائية الثورية التي تنظم آنذاك بغرض تشكيل صورة سالبة في العقل الجمعي لدى الشعب السوداني بأن ذلك التجمع المدني هو عنوان سالب لما هو قادم في حالة نجاحهم في استلام سلطة مدنية ، فالمعروف بأن للتنظيم غرف يتم التخطيط فيها لكل تلك المخططات .
فرضية إتهام الحكومة
أما إذا إفترضنا جدلاً بأن النظام الحالي هو من إفتعل كل تلك الأعمال التخريبية ونسبها للشباب المحتجين بغرض كسب الرأي العام الداخلي والخارجي لتمتين موقفه في العملية الوفاقية القادمة لصالحه أو محاولة كما يرى آخرون لمواصلة مزيد من أعمال العنف والقمع ضد المواكب السلمية ، فهذا بالطبع إذا صح تكون قراءة خاطئة لمن خططوا تلك الحيل الإنتهازية بإعتبار أن وجود تجاوزات فردية من المتظاهرين وإن ثبتت فعلاً لا يمكن أن يعتبرها المجتمع الدولي بطاقة عبور لتجاوزات قمعية مميتة تجاه كل المتظاهرين العزل لأن تلك المواكب يشاهدها كل العالم من خلال الوسائط الإعلامية المختلفة وربما الأقمار الصناعية للدول الكبرى علاوةً على تقارير السفارات الأجنبية ورصد المنظمات العالمية الحقوقية التي تعتمد على الصور والإفادات المباشرة كما أن توسيع نظاق قتل المدنيين في التظاهرات يضعف مساعي البيت الأبيض الذي يسعى لوجود مساحة لمشاركة العسكر في السلطة ويقوي موقف القوى المناوئة والمتحمسة للحكم المدني داخل الكونغرس وهي أمور بالطبع لا يريدها العسكر.
القاتل الغامض
بعد كل تلك الفرضيات غير المتفق عليها من هو القاتل الغامض أو المعتدي على أقسام الشرطة وعناصرها والقوات الأمنية المختلفة وسيظل السؤال المطروح عن الجهة الثالثة التي تمثل شبحاً يصعب تحديد هويته على الأقل حتى إشعار آخر .