الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 18:40

أجرى الحوار بالبحرين: عبد الرحيم فقيري
قال عضو المجلس السيادي أبو القاسم برطم إنه يتوجب على النخب السياسية، بأن تعلم أن زمن الثورة ولى وأن عليها بناء الدولة، في وقت أكد فيه عدم وجود مكاسب من استمرار هذه الثورات.
وأوضح في مقابلة مع )الإنتباهة( بأن الدعوة للانتخابات المبكرة، لن تصلح لقيادة السودان للخروج من أزماته التاريخية، منوهاً إلى أن حكام الفترة الانتقالية أضاعوا سنتين ونصف من عمر السودان ولم يخلفوا سوى الخراب.
ويرى برطم أن الأحزاب السودانية لا تؤمن بالديمقراطية متهماً قادتها بتقاسم السلطات، فيما أشار إلى أن السياسات الخاطئة للحكومة السابقة في إدارة شؤون الدولة، جعلت السودان دولة مستباحة من جميع أجهزة المخابرات العربية والعالمية.
وذكر في السياق أن الحكومة أمامها أربعة ملفات رئيسية، تعمل بأقصى طاقاتها على إنجازها.. عدد من المحاور في السياق التالي..
*تم اختياركم عضواً لمجلس السيادة بعد أن راوحت قوى الحرية والتغيير مكانها، أكثر من عامين، دون أن تحدث تغييراً كان هو المطلب الأول منذ اندلاع أول شرارة للثورة، ماذا بيدكم لإحداث هذا التغيير الذي ما زال الشارع يؤكد كل يوم على مشروعية المطالبة به؟
-الحكومة حالياً أمامها أربعة ملفات رئيسية، وهي تعمل بأقصى طاقاتها على إنجازها، وهي الملف الأمني، الملف الاقتصادي ومعاش الناس، ملف السلام، وملف الانتخابات. بخصوص الملف الأمني، هناك قضايا ومشكلات متشابكة لا حصر لها، تسببت في إحداث حالة من عدم الاستقرار ليس في مناطق النزاع وبؤر الحروب في الشرق والغرب فحسب، بل حتى في الخرطوم وبقية مدن السودان التي كانت بعيدة عن التوترات الأمنية التي نشأت لأسباب عديدة لعل أهمها المفاهيم الخاطئة عند عموم الشعب لمعاني ومبادئ الحرية والديقراطية، وعدم سيادة القانون. والنتيجة التي يعيشها السودان برمته اليوم، هو فوضى أمنية شاملة، يجب أن تحسم بصورة عاجلة.
*ولكن يبقى الملف الأمني هو الملف الأكثر صعوبةً، وربما الملف العصي عن الحلول، ماذا تتوقعون أن يكون بشأنه من جديد يسعى مجلسكم إضافته كحل لهذا الملف؟
-الأطراف الموقعة على اتفاقية جوبا، حريصة على تنفيذ بند الترتيبات الأمنية مع جميع الحركات المسلحة، بالشكل الذي يؤدي إلى استقرار أمني رادع لكل فوضى، باستثناء حركة عبدالواحد محمد نور، وعبدالعزيز الحلو، وهو ما يدعو للتفاؤل بأن الحكومة الحالية ستكون قادرة على إنجاز الكثير من الإيجابيات في هذا الملف، غير أن إنجاز ملف الترتيبات الأمنية في حد ذاته، يعد من المشاريع الصعبة، ليس لكونه أمراً يتطلب إقناع عشرات الفصائل المسلحة بوضع سلاحها والانضمام إلى قافلة الوحدة الوطنية، والتخلي عن المعتقدات القبلية الراسخة في الأذهان، بل لأن ذلك كله يحتاج إلى أموال طائلة لاحتواء حملة السلاح من منتسبي تلك الفصائل، وضمهم للمؤسسات العامة، وتوفير وظائف ومهن لهم”.
“نحن على قناعة تامة، من أن من أنجح ما يمكن أن نعمله في المجلس اليوم، هو أن نغير المفاهيم الخاطئة لسيادة القانون، لدى قادة الفصائل المسلحة، فالاشتباكات التي تحدث بينها وبين الحكومة المركزية على مدى سنوات طويلة، لم تؤد إلى أية نتائج إيجابية، سواءً على المستوى المعيشي، ولا على مستوى الاقتصاد الوطني، وكل هذا بسبب المفاهيم الخاطئة للحرية والديمقراطية، ونعتقد أن أي نجاح للحكومة الراهنة في حلحلة بند الترتيبات الأمنية، يعني أننا قد رسمنا معالم الخطوة الأولى لعملية )الإصلاح الشامل( الذي تسعى الحكومة إلى تحقيقه، وتسليم الأمر إلى حكومة منتخبة تواصل في طريق بناء الدولة الحديثة التي تتسق نُظُمها مع وقع التغيرات الكثيرة التي تحدث اليوم في دول العالم”.
“الناس في السودان تعيش مشكلة تاريخية، مع المفاهيم الخاطئة للحرية، فيما تعشعش القبلية في تفكيرها وأسلوب إدارتها للحياة، فما زال هناك قطاع كبير من الشعب مستعد للاقتتال والموت من أجل مرعى أو كلأ، وهو ما يعكس حالة التردي الكبيرة في الوعي المجتمعي، ولذلك أقول إن الثورة التي حدثت في السودان، ما كان يجب أن تكون ثورة إسقاط نظام أو أشخاص، بل كان يجب أن تكون ثورة للتوعية.. وهي من الأمور التي فشلت حكومة حمدوك في تحقيقها”.
إن “الحالة الأمنية المتأزمة، أدت بدروها إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، ونحن على قناعة من أنه لا يمكن الحديث عن إحداث أية تنمية اقتصادية، ما لم يحسم الملف الأمني بشكل جذري، فالتوترات الأمنية تتسبب بالضرورة في تعطيل عجلة التنمية الاقتصادية من إنتاج وتصنيع وتوظيف لرؤوس الأموال العامة والخاصة، واستقطاب للاستثمارات الخارجية والمبادلات التجارية، وما نحوها من معززات التنمية الاقتصادية”.
*ألم تكن تلك من مهام الحكومة السابقة؟
-إن الحكومة الانتقالية السابقة، لم تستطع أن تركز عملها على القضايا الأساسية، ولم تدفع باتجاه حلحلة المشكلات المتأزمة، بل أنها ساهمت في إذكائها أكثر مما كانت عليه، ولذلك فقد كانت بعيدة جداً عن تحقيق تطلعات الشعب، وتحقيق الأهداف التي سعت الثورة إلى إحرازها، والأدهى والأمر من ذلك، أن السياسات الخاطئة التي مارستها الحكومة الانتقالية السابقة في إدارتها لشؤون الدولة، جعلت السودان دولة مستباحة من جميع أجهزة المخابرات العربية والعالمية، وأصبحت مرتعاً حقيقياً لها في خلق خلايا تعمل لها على حساب الدولة وعلى حساب مصالحها ومصالح شعبها..
فليس من دولة على وجه الكرة الأرضية اليوم مستباحة أمنياً وسياسياً ومخابراتياً مثل السودان، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، سفراء أجانب ينخرطون وسط جموع الثوار ويشاركونهم ثورتهم، وهناك سودانيون على مستوى المسؤولية يهددون باللجوء إلى السفارات الغربية لحسم الخلافات في قضايا وطنية، كما حدث من الناطق الرسمي لقوى الحرية والتغيير قبل أيام”.
*الشارع السوداني ملتهب دائماً، وما أن ينتهي يوم تظاهرة، حتى تحدد أخرى، فما من نهاية لهذه المظاهرات؟
-المظاهرات تعتبر من المشكلات التي يعاني منها الشارع السوداني منذ إسقاط نظام الإنقاذ، فهي لم تكف عن الخروج على مدى عامين، كان آخرها يوم 19 ديسمبر، ووصلت إلى قصر الرئاسة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، وأطرحه أنا شخصياً منذ عام 2019 هو: وماذا بعد؟”؟ إذكاء لهيب الثورات وإثارة الشعب للأسف تمارسها النخب السياسية في السودان، وهم من عليهم قبل غيرهم، أن يقتنعوا بأن زمن الثورة قد انتهى، وأن عليهم أن يبدأوا ببناء الدولة، ولكن المشكلة يبدو لي أنها تكمن في أن هذه النخب مستفيدة من حالة الفوضى التي يشعل فتيلها الشارع، ومستفيدة من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الحاصلة، ولذلك فأنها لم تضع في أجندات عملها أمر بناء الدولة مطلقاً، ولم يدر بخلدها أن تفعل ذلك”.
والإجابة الصارخة هو أن “لا مكاسب يجنيها أحد من استمرار هذه الثورات، والمشكل الأكبر، أن النخب السياسية نفسها تعمل على إذكاء هذه الثورة في الوقت الذي عليها أن تقتنع بأن زمن الثورات قد ولى، وأن على الجميع مضافرة جهودها، والعمل على تحقيق أهداف ما بعد الثورة وإسقاط النظام السابق”.
*هل تملكون في مجلسكم الجديد أدوات حقيقية للتغيير والاستجابة لمطالب الشارع؟
-التغيير ما لم يكن المجتمع بكامله طرفاً مشاركاً في صنعه، فلن يصلح كنموذج من نماذج الحكم، ولا نعتقد أن الدعوة للانتخابات المبكرة، يصلح لقيادة السودان إلى الخروج من أزماته التاريخية، ولذلك فأن أول ما يجب العمل عليه، هو وضع الملفات الأربعة آنفة الذكر في طريق الحلول المثلى، لأن الحكومة المنتخبة ستأتي على سدة الحكم وهي لا تملك أية أداة من أدوات حل هذه الملفات التي تكمن فيها مشكلات السودان الأساسية نحو خلق دولة يحلم بها الجميع”.
“حتى العملية الانتخابية في حد ذاتها، بحاجة إلى انعتاق المجتمع من موروثاته القديمة عن مفهوم الحكومات الديمقراطية، وغرس مفاهيم عصرية في أذهان الناخبين الذين لا يعرفون في واقع الأمر قيمة أصواتهم التي يدلون بها”.
*الشارع محتقن وما عاد يجدي معه إلا ما يطمئن إليه من سياسات تؤدي إلى انتخاب ما يريده من ممثلين، ما تعليقكم؟
-أعتقد يجب أن تسبق العملية الانتخابية، حملات توعوية شاملة لأهمية الأصوات، تبث عبر منابر تعقد في ميادين عامة للشعب من قبل قادة الأحزاب، بعد انعتاقهم هم أنفسهم من دائرة الحزبية التي لا تكرر سوى المصالح الآنية الضيقة على حساب المصالح العامة العليا”.
لقد كنت دائماً أدعو إلى المشاركة في إنجاح الفترة الانتقالية، وإنشاء حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة، علنا نخرج من الأزمة السودانية الأزلية على مدى ستة عقود، والتي تتمثل في عدم خلق دولة المؤسسات التي تدير أنظمتها الدولة، مهما اختلف الرؤساء والحكام والقادة”. لقد “رأينا كيف أن حكام الفترة الانتقالية أضاعوا سنتين ونصف السنة من عمر السودان ولم يخلفوا سوى الخراب، ولم يكونوا حريصين أبداً في أي عمل لصالح الدولة، لأن انشغالهم بمصالحهم الضيقة أعماهم عما كان يجب عليهم القيام به من واجبات”.
*السودان دولة أحزاب، والأحزاب ستخوض الانتخابات، فهل ستكون أهلاً لممارسة الديمقراطية التي يريدها الشارع؟
-الأحزاب السودانية لا تؤمن بالديمقراطية أبداً.. نعم هي تشارك بعضها وتقاسم الحكم بعد انتخابات مفترض أن تؤسس لحكومة ديمقراطية، ولكن قادتها يتقاسمون السلطات بما يحقق تعزيز مصالح الأحزاب التي يمثلونها”.
*عرف عنكم أنكم من أوائل الناس الذين أيدوا فكرة التطبيع مع إسرائيل، وتبني مشروع فتح علاقات شعبية معها منذ أن كنت عضواً في المجلس النيابي، ما فلسفتك في ذلك، وماذا يستفيده السودان من إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟
-لا يجب أن يصاغ السؤال بهذه التركيبة، بل يجب أن نسأل عما جناه السودان من مقاطعته لإسرائيل منذ تبنيه أول حركة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية عام 1958م، وتبني مشروع )اللاءات الثلاث( في أول اجتماع قمة عربي عقد بالخرطوم في ذلك التاريخ؟ وقد كان ذلك سبب ظهور أول معارضة للحكومة السودانية ممثلة في حركة )أنانيا 2(، ثم كان من حق إسرائيل أن تعمل ضد دولة تريد إفناءها من الوجود، فعملت على مدى الستين عاماً الماضية على إقعاد السودان من خلال ممارسات عديدة، وجعلت السودان الذي كان مشروعاً لسلة غذاء العالم العربي، دولة متسولة على مدى ستة عقود منذ إعلانها معاداتها لإسرائيل، فيما جميع الدول العربية، أما أنها لم تصرح بالعداء، ولم تمارس سياسات تدل على ذلك، أو أنها كانت تربطها علاقات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية ومصالح مشتركة بعضها معلن عنها وبعضها خفي”.
اليوم، “معظم الدول العربية والإسلامية تربطها علاقات طيبة مع اسرائيل على جميع الأصعدة، والكثير منها أعلنت عن التطبيع معها، فلماذا نحن نظل نقاطع دولة حققت الدول العربية والإسلامية بهذه العلاقات مكاسب كبيرة، فقيمة المبادلات التجارية مثلاً بين تركيا وإسرائيل اليوم تتراوح بين 7 و8 مليارات دولار.. وقس على ذلك. أما عن وجود تنظيم داعش في السودان، فقد قال إن التنظيم كأفراد سودانيين وجنسيات عربية أخرى موجود بلا شك، ولكن لا وجود لأي نشاط لهم حتى اليوم.