الخميس 12 أغسطس 2021 - 19:23

تقرير:هبة محمود
بينما كانت عقارب الساعة تتأهب لتعلن عن الخامسة من مساء أمس الأول، كانت قيادات بالحزب الشيوعي يترأسها السكرتير العام للحزب محمد مختار الخطيب تلبي دعوة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لمناقشة المبادرة التي أطلقها سابقا، والاستماع إلى الحزب العجوز. طقوس اليوم كانت تتشابه ملامحها ويوم الجمعة، سيما أن القاسم المشترك بينهما هو العطلة التي صادفت الثلاثاء بمناسبة هجرة الرسول)ص(، وذلك ما حدا برئيس الوزراء الى أن يرتدي زيه القومي، ليضفيا، اي ــ اليوم والزي ــ طابعاً اجتماعياً ودياً على اللقاء أكثر من كونه رسمياً.
وتوسط رئيس الوزراء كل من سكرتير الحزب الخطيب الذي جلس على يمينه ومدير مكتبه التنفيذي آدم حريكة على يساره، بينما جلس الباقون على الميمنة والميسرة من الجانبين. ولحوالى)٤(ساعات كان وجهات النظر تتبادل بين رئيس الوزراء ومستشاريه والشيوعي الذي أبدى تحفظاته على أداء الحكومة الانتقالية.
وبحسب الحزب الشيوعي فإن حمدوك أبدى تجاوبه مع أطروحاته وتحفظاته، مما يطرح عدداً من الاستفهامات حول تداعيات اللقاء الذي تأخر بعض الوقت وفق البعض.
فمن هو مهندس اللقاء بين رئيس الوزراء والشيوعي؟ وما علاقة مستشار رئيس الوزراء للشؤون السياسية ياسر عرمان بالتقارب بين حمدوك والحزب اليساري؟ وهل سعى الشيوعي في الخفاء لمقابلة حمدوك ام ان الأخير هو من بادر؟ وهل سيعود الحزب الشيوعي إلى أحضان الائتلاف الحاكم؟
نقطة التقاء
ويبدو أن تداعيات كثيرة فرضت على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ضرورة الالتقاء بالحزب الشيوعي والعودة به إلى أحضان الحكومة الانتقالية التي يعتبر أحد أهم ركائزها من خلال الجلوس والاستماع إليه. وأولى هذه التداعيات تكمن في التقائه ــ أي الحزب الشيوعي ــ مع الإسلاميين في هدف واحد وهو إسقاط الحكومة، وربما كانت هذه النقطة التي جعلت حمدوك يسعى إلى إعادة تنظيم صفوف الحاضنة السياسية التي اعتراها التصدع والتشتت والتخبط. وعلى الرغم من أن الأمر يحتاج الى جهود كبيرة، الا ان رئيس الوزراء يسعى ليضع اولى اللبنات للإصلاح، وذلك باغلاق الباب أمام الإسلاميين عبر حديثه عن مبادرة الإصلاح التي ذكر أنه لا يعني بها الإسلاميين، ليوصد بذلك اي باب أمامهم للتشاور أو الحوار، ويمهد لطريق جديد من خلال لقائه بالشيوعيين. ووفقاً لمراقبين فإن رئيس الوزراء من خلال لقائه أمس الأول مع قيادات اليسار، رسم الطريق الصحيح لضمان استمرار الفترة الانتقالية إلى نهاياتها، حيث يعد الحزب الشيوعي أكبر الأحزاب السياسية المعارضة وله باع طويل في العمل المعارضي، فضلاً عن أنه يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ولديه القدرة على تحريك الشارع، فكان لا بد من الجلوس إليه.
ووفقاً للمحلل السياسي نصر الدين أبو بكر فإن هناك امرين دفعا رئيس الوزراء للالتقاء بالحزب الشيوعي، هما العبور ووقف حالات الإخفاق التي تعتري الحكومة.
ويذهب أبو بكر في حديثه لـ)الإنتباهة(إلى أن حمدوك يتوقع أن تمضي حملات الإخفاق التي ينظمها الحزب الشيوعي ضد حكومته إلى الأمام، وهو ما دفعه للالتقاء بهم في طابع ودي في المقام الأول، مؤكداً أن اليسار العريض ظل يسعى إلى تراجع رئيس الوزراء وحكومته، وهو ما أراد حمدوك سد منافذه.
تكتيك هندسي
وفي حين تمحورت مجريات اللقاء حول التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية وكيفية التعامل معها بما يحفظ السيادة الوطنية وضرورة الغاء القوانين التي سنها النظام السابق لارتكاب الجرائم والتضييق على الحريات العامة، بجانب كيفية التصدي للتحديات ومعالجة الاختلالات التي صاحبت مسار تنفيذ مطالب الثورة، الا ان البعض يرى أن اللقاء تأخر كثيراً منذ إعلان حمدوك عن مبادرته، غير أن مصادر تحدثت لـ)الانتباهة(اشارت إلى وقوف المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء ياسر عرمان خلف كواليس اللقاء وهندسته، وذلك لاعتبارات الانتماء السابق له، على الرغم من أنه الآن بات أقرب للإسلاميين، لكن وبحسب خبراء فإن عرمان ربما يقف خلف اللقاء ولكن من واقع مهنته الجديدة)مستشار سياسي(التي تحتم عليه ابداء النصح السياسي لرئيس الوزراء، حيث انه من غير المعقول أن يظل حزب كالحزب الشيوعي خارج المنظومة في مشهد تسوده الربكة والهشاشة. ولم يستبعد المحلل السياسي مختار الشيخ أن يكون عرمان هو من رتب اللقاء، موضحاً ان اولى مهامه بدأت تؤتي أكلها، مؤكداً أن اللقاءات ستتوالى مع الكثير من الأحزاب الغاضبة وليس الحزب الشيوعي فحسب.
ويرى الشيخ في حديثه لـ)الإنتباهة(أن ياسر عرمان يعد سياسياً محنكاً ومتوازناً، فضلاً عن أنه يعلم خطورة المرحلة التي تستدعي التوافق والتكاتف.
وفي ذات الخصوص نفى القيادي بالحزب الشيوعي سكرتير لجنة العلاقات الخارجية صالح محمود علمهم بمهندس اللقاء، مؤكداً لـ)الإنتباهة(أن الحزب قام بتلبية دعوة رئيس الوزراء التي استمرت وقتاً طويلاً من الخامسة مساءً وحتى التاسعة.
اتهام
وبعض الأصوات ذهبت إلى أن الحزب الشيوعي هو من سعى للقاء رئيس الوزراء سراً، وذلك مع قرب انتهاء تقسيم الكيكة من خلال تعيين الولاة والتشريعي، غير أن البعض الآخر من الأصوات يرى أن الحزب الشيوعي ظل على مبدئه، يرفع شعارات إسقاط الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري وتصحيح مسار الثورة، وأن دعوة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك اقتضتها معطيات الشارع وقيام الشيوعيين بأعمال مناهضة للثورة، وهذا ربما عجل بمحاولة تراجع كل مظاهر الثورة. وطبقاً للقيادي بالحزب صالح محمد فإن أي حديث عن سعي الحزب الشيوعي للقاء مع حمدوك غير صحيح، موضحاً أن رئيس الوزراء هو من قام بدعوتهم لاجتماع مطول أصر فيه الحزب على إلغاء القوانين المقيدة للحريات التي سنها النظام السابق، وضرورة التعاون مع المحكمة الجنائية لتسليم البشير وأعوانه. ونفى صالح عودة الحزب إلى الحاضنة السياسية بشكلها الحالي، مؤكداً أنهم في الفترة القادمة سيقفون لمراقبة سير المرحلة ومن ثم تحديد العودة عبر اصطفاف جديد أم لا. وقال:)رئيس الوزراء تجاوب معنا، ونحن لا نأتي بقضايا خيالية من رأسنا(.
أسباب الخلاف
وفي نوفمبر العام الماضي خرج الحزب الشيوعي مغاضبا معلنا انسلاخه من الحاضنة السياسية، عبر بيان أوضح فيه اعتراضه على مسار الحكومة، ولعل أبرز نقاط الاختلاف تمثلت في السياسية الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة بتبنيها العمل وفق سياسية روشتة صندوق النقد الدولي، التي ناهضها الحزب الحزب الشيوعي كثيرا، والتي كانت النقطة الحاسمة، بعد أن رأى الحزب عدم ضرورة استمراره في حكومة تنفذ سياسات أودت بالشعب السوداني إلى الحضيض. ثان نقاط الاختلاف تمثلت في إعادة هيكلة الحاضنة السياسية وحالة التشظي واحتكار بعض الأحزاب للقرار داخل مركزية الحرية والتغيير، بجانب التباطؤ الشديد في تشكيل المجلس التشريعي وغيرها من السياسات التي ظل يرفضها الحزب ويبدئ اعتراضه عليها إلى أن خرج مغاضبا لما يقارب العام.