الثلاثاء 15 مارس 2022 - 7:41
جعفر عباس يكتب: عن التسطيح الثقافي


رغم‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحفل‭ ‬برأس‭ ‬أي‭ ‬سنة‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬سعدت‭ ‬بأنني‭ ‬شهدت‭ ‬حلول‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬جعلني‭ ‬شخصا‭ ‬عابرا‭ ‬للقرون‭ ‬وأنا‭ ‬سلفا‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬طلبا‭ ‬للرزق،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يضايقني‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬فعلت‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يفضح‭ ‬التزوير‭ ‬في‭ ‬شهادة‭ ‬ميلادي،‭ ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬سعادتي‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬شهدت‭ ‬نهاية‭ ‬حكم‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين،‭ ‬أحد‭ ‬أبغض‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬نفسي،‭ ‬لروسيا،‭ ‬ليتفرغ‭ ‬لعبادة‭ ‬الفودكا‭ ‬التي‭ ‬أوصلته‭ ‬الى‭ ‬القبر‭ ‬سريعا،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬سمعت‭ ‬نبأ‭ ‬قراره‭ ‬اعتزال‭ ‬الحكم‭ ‬حتى‭ ‬نططت‭ ‬فرحا،‭ ‬ثم‭ ‬‮»‬وحشني‮«‬‭ ‬يلتسين‭ ‬بعد‭ ‬صعود‭ ‬فلادمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬روسيا‭ ‬وممارسته‭ ‬البلطجة‭ ‬أينما‭ ‬وجد‭ ‬فرصة‭ ‬لذلك‭.‬
ولي‭ ‬بنت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬انتقادي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬حسبت‭ ‬أن‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسن‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السيارات،‭ ‬وأن‭ ‬والدها‭ ‬قرر‭ ‬أخيراً‭ ‬أن‭ ‬يقتني‭ ‬سيارة‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬فأعطتني‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬للشماتة‭ ‬فيها،‭ ‬ثم‭ ‬سمعت‭ ‬شخصا‭ ‬يقود‭ ‬حركة‭ ‬مسلحة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬يستنكر‭ ‬غزو‭ ‬روسيا‭ ‬لكرواتيا‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أنتظر‭ ‬ما‭ ‬سيقوله‭ ‬بشأن‭ ‬غزو‭ ‬روسيا‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وكانت‭ ‬بنتي‭ ‬تلك‭ ‬قبلها‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬ضحالة‭ ‬ثقافتها‭ ‬الدينية‭ ‬عندما‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬تحسب‭ ‬إمساكية‭ ‬رمضان،‭ ‬قائمة‭ ‬بالأطعمة‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬الإمساك‭ ‬للصائم‭. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬لفبركة‭ ‬سلسلة‭ ‬الأكاذيب‭ ‬حول‭ ‬ثقافة‭ ‬بنتي‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬أنها‭ ‬تساءلت‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭: ‬هل‭ ‬الفلافل‭ ‬نبات‭ ‬أم‭ ‬حيوان‭.‬
ولدي‭ ‬الآن‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاعات‭ ‬للرأي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الشقيقة‭ ‬أي‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الشقيقة‭ ‬السياسية‭. ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬استطلاع‭ ‬آرائهم‭ ‬حول‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الـ21,‭ ‬إن‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬قصيدة‭ ‬تحوي‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬النحو‭. ‬والمناضل‭ ‬الفذ‭ ‬كاسترو‭ )‬آخر‭ ‬العمالقة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الأقزام‭(‬,‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬زيت‭ ‬الخروع‭ )‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬يسبب‭ ‬الإسهال‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وربما‭ ‬لأن‭ ‬زيت‭ ‬الخروع‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬‮»‬كاستر‭ ‬أويل‮«‬‭(‬,‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬ديغول‭ ‬أصبح‭ ‬عند‭ ‬نفر،‭ ‬حارس‭ ‬المرمى‭ ‬منتخب‭ ‬فرنسا‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭. ‬أما‭ ‬ميشيل‭ ‬عفلق‭ ‬فيلسوف‭ ‬الفكر‭ ‬البعثي‭ ‬البغدادي‭ ‬فقد‭ ‬قالوا‭ ‬إنه‭ ‬مطرب‭ ‬لبناني‭ ‬صاعد‭.‬
وكلما‭ ‬ازدادت‭ ‬الأسئلة‭ ‬صعوبة‭ ‬تفتقت‭ ‬العبقريات‭: ‬شوفيني‭ ‬تعني‭ ‬الشخص‭ ‬ذا‭ ‬الميول‭ ‬الاستعراضية‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬الشوف‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬والأجسام‭ ‬المضادة‭ )‬Antibodies‭( ‬المقصود‭ ‬بها‭ ‬الشيوعيون‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يعارضون‭ ‬حكومات‭ ‬بلادهم‭. ‬وسئل‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬فردوا‭ ‬في‭ ‬تهكم‭: ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬صار‭ ‬المطربون‭ ‬شيوخاً؟‭ ‬كارتر‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬طيران‭ ‬أمريكية،‭ ‬ورابعة‭ ‬العدوية‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬تتبوأ‭ ‬منصباً‭ ‬وزارياً‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ )‬اشمعنى‭ ‬اليمن؟‭ ‬الله‭ ‬أعلم‭(‬,‭ ‬وجهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الشين‭ ‬بيت‭ ‬كان‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬اسم‭ ‬حي‭ ‬البغاء‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ )‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بهذا‭ ‬التخريج‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬بيت‭ ‬شين‭ ‬وسيء‭ ‬السمعة‭(. ‬والهستامين‭ ‬هو‭ ‬اتحاد‭ ‬العمال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهنغاريا‭ )‬التي‭ ‬هي‭ ‬المجر‭( ‬أصبحت‭ ‬الكلمة‭ ‬اللاتينية‭ ‬للمجاعة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬البنكرياس‭ ‬هو‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬اليونان‭ )‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬اليونانية‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬العربية‭: ‬بنكرياس‭ ‬هو‭ ‬البنك‭ ‬‮»‬الريس‮«‬‭. ‬يا‭ ‬للنباهة‭(. ‬والحجاب‭ ‬الحاجز‭ ‬هو‭ ‬تعويذه‭ ‬تمنع‭ ‬عنك‭ ‬العين‭ ‬الحاسدة‭ ‬وكيد‭ ‬الأعداء،‭ ‬وماركس‭ ‬آند‭ ‬سبنسر‭ ‬هما‭ ‬مفكران‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أوكسفورد‭ ‬وضعا‭ ‬أسس‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬الحر‭.‬
بعد‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬خلاصة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬تلك‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أضحك‭ ‬كلما‭ ‬تذكرت‭ ‬حكاية‭ ‬الطفل‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬رياض‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬خليجية،‭ ‬الذي‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬المعلمة‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬لبلاده‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬أسعدته‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬كانوا‭ ‬يحفظون‭ ‬النشيد‭: ‬كده‭ ‬كده‭ ‬يا‭ ‬التريللا،‭ ‬سايقها‭ ‬قندرانو،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرفه‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬يحسبون‭ ‬أن‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬لبلاده‭ ‬هو‭: ‬المامبو‭ ‬السوداني‭.. ‬مامبو،‭ ‬وأن‭ ‬كسلا‭ ‬مدينة‭ ‬سودانية‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬أهلها‭ ‬بأي‭ ‬عمل‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬يحترفون‭ ‬النوم‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر‭ ‬فإنني‭ ‬أعجب‭ ‬لاعتقاد‭ ‬سائد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بأن‭ ‬السودانيين‭ ‬قوم‭ ‬كسولون‭ ‬ولهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نكات‭ ‬عجيبة،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬السودانيين‭ ‬أهل‭ ‬نشاط‭ ‬وعمل‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬اتهامهم‭ ‬بالكسل‭ ‬من‭ ‬الأخوة‭ ‬العرب‭ ‬فهذه‭ ‬تو‭ ‬ماتش،‭ ‬too‭ ‬much‭ ‬بالمصري‭: ‬واسعة‭ ‬قوي