الإثنين 21 مارس 2022 - 21:08

تقرير: رندا عبد الله
انفلات أمني غير مسبوق تشهده العاصمة الخرطوم حالياً، مما ادى الى مخاوف مراقبين من اندلاع حرب اهلية فى العاصمة التى كانت تشهد استقراراً امنياً طوال تاريخها لم يهدده حتى اشتعال الاطراف بالحروب على مدى السنوات الطويلة الماضية، لكن ومع عدم استقرار الاوضاع السياسية عقب انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر وخروج المواكب الرافضة للسلطة القائمة والداعية للحكم المدنى خصوصاً مع تخلي الشرطة والقوات النظامية عن مهامها فى حفظ الامن وحماية المواطنين وفق متابعين، تسللت ظواهر للجريمة الى وسط العاصمة واطرافها تنوعت ما بين النهب والسلب والاختطاف والاغتصاب والقتل، ليصبح مظهر الخرطوم الآن وكأنها مدينة تعج بالاشباح ويكثر فيها القتل والهرج والمرج، واصبح عنوانها اليومى حالات من القتل والخطف المروع والفوضى الخلاقة، ليطرح السؤال نفسه حول ان كانت هناك جهة نظامية تقف وراء هذه الفوضى الأمنية؟ ام انها تعد انعكاساً طبيعياً لتدهور الوضع السياسي والاقتصادى والامني؟ وهل يمكن اعتبار ما يحدث حالة انعكاس طبيعية لمآلات الاحداث السياسية بالبلاد؟
(١)
وشهدت الفترة الانتقالية عقب سقوط البشير ٢٠١٩م تدهوراً أمنياً كبيراً وذلك بظهور عصابات النيقرز والعصابات الأخرى المتفلتة، قبل أن تشهد استقراراً امنياً فى بعض فتراتها، وان ظلت المجموعات المتفلتة موجودة وحاضرة مثل (تسعة طويلة) والبقية من المسميات المختلفة، ولأن الأوضاع وقتها سيما عقب حالة الاصطراع الكبير بين المكونات الحاكمة (مدنيين) و (عسكريين) افقدت الأطراف الثقة، فكانت الاتهامات تصوب وقتها نحو المكون العسكري لمسعاه في افشال الحكومة المدنية والامساك بزمام الحكم من خلال اظهار ان البلاد في حالة انفلات غير معهودة وبث الرعب في نفوس المواطنين، وقد شهدت الفترة السابقة اتهامات ودعوات كثيرة بضرورة تغيير مديري الشرطة الموالين للنظام السابق، لكن الآن بعد سيطرة العسكر على الحكم، عاد ظهور الانفلات الأمني بصورة اكثر شراسةً، وما يبدو بنظر كثيرين أشبه بظاهرة المد والجزر تعلو وتنخفض حسب درجة التوتر السياسي.
ويعزو القيادى بالحرية والتغيير بشرى الصائم شيوع التفلتات الأمنية الآن، لعدم قدرة السلطة على ادارة الدولة لجهة عدم توفير الحماية والرعاية والامن والاقتصاد للشعب، ويذهب البشري في حديثه لـ (الانتباهة) إلى أنه بدون توفر هذه المقومات الاساسية بالتأكيد فإن السلطة القائمة لا تستطيع ان تمارس مهامها وتحكم شعباً جائعاً، وستضعف سلطة الامن لوجود الفشل الاقتصادى والاجتماعى، رغم ان مجموعة العسكر قالوا انهم قاموا بالانقلاب لتصحيح المسار، على حد تعبيره.
(٢)
ويرى مراقبون ان الخرطوم تتجه الى ان تكون مسرحاً للجريمة يشبه ما حدث في اقليم دارفور من اعمال النهب والقتل والاغتصاب، مع وجود وجهات نظر لمراقبين آخرين يقولون ان الاجهزة الامنية بمختلف مسمياتها تمارس تلك الفوضى بغرض اشاعة الانفلات الامنى ونشر الرعب للقبول بتسوية سياسية معينة ربما تكون فى الطريق.
وفي هذا الشأن يقول القيادى بالحرية والتغيير عادل خلف الله ان خلق الفراغ الامنى كان واحدة من الوسائل التى استخدمتها قوى الردة للتحضير للانقلاب، على الرغم من ان اساس التوافق الذى تم لاشراكها فى الفترة الانتقالية كان واجبها ببسط الامن والاستقرار على حد قوله.
واوضح خلف الله في حديثه لـ (الانتباهة) انه عقب المأزق الذى عاشه انقلاب (٢٥ أكتوبر ــ ٢١ نوفمبر) من استمرار وتصاعد مقاومة الانقلاب باوسع قاعدة شعبية، لجأت سلطة الانقلاب الى ذات الوسيلة وهي (خلق الفراغ الامنى) ظناً منها أن ذلك سيوطن سلطة انقلابها بحكم الامر الواقع، وتابع قائلاً: (مع انه نوع من اللعب بالنار، الا ان وعى قوى الحراك السلمى والحس الوطنى داخل القوات النظامية سيجهض ذلك المخطط يوماً اثر يوم)، ويتساءل عادل خلف الله قائلاً: (لماذا توافقت بعض قيادات الفصائل المسلحة مع الانقلابيين فى عدم تنفيذ بند الترتيبات الامنية، رغم حرصهم على بنودها الاخرى الخاصة بالسلطة؟).
وأكد في ذات الأثناء ان ازمة قوى الانقلاب الناجمة اولاً من تغليبها للمصالح الضيقة والتورط فى الانقلاب واستمرار عنفوان المقاومة الشعبية وانكشاف عزلتها، هو الذى اظهر الخلافات والتناقضات فى اوساطها، وتابع قائلاً: (ومما لا شك فيه أن ذلك سيسرع سقوط سلطة الانقلاب بالارادة الشعبية وسلمياً)، واضاف قائلاً: (ان الصدام المسلح بغض النظر عن اطرافه وميدانه هو تهديد جدى للامن والاستقرار، وهو ما تلوح به اطراف من داخل السلطة الانقلابية).
(٣)
ويرى خلف الله أن انتشار الجريمة المنظمة وغير المنظمة، يأتي نتيجة لتراخى قبضة الاجهزة المنوط بها حفظ الامن وسيادة هيبة الدولة بتنفيذ سلطة القانون، فما بالك اذا كانت هنالك صناعة للفراغ الأمني الذى يؤكده الانتشار الواسع للجرائم الجنائية والسلب والنهب والاختطاف والاغتصاب والاعتداء الجهير على الممتلكات، واضاف قائلاً: (إن اخطر هذه الجرائم ما وثقته الكاميرات والتقارير الاستقصائية عن ضلوع مجرمين بزى قوات نظامية وفصائل مسلحة، اكثرها فى العاصمة الخرطوم، ولكنها على نطاق واسع)، واكمل قائلاً: (وتبقى الجريمة جريمة بغض النظر عن الزمان والمكان، ولا تجد الا الشجب والادانة).
ومن جانبه يؤكد القيادي بالحرية والتغيير بشرى الصايم أن عناصر القوات النظامية المنوط بها حفظ أمن المواطن تمارس اعتداءات ونهباً للممتلكات فى ظاهرة تكررت كثيراً خلال الفترة الفائتة، مجدداً الحديث بأن العاصمة تعيش فى حالة أشبه بما كان يحدث في إقليم دارفور طالما يوجد انفلات امنى في ظل غياب السلطة القابضة وممارسة القمع والتسلط على المواطنين، واكد ان ما حدث فى منطقة الكدرو يعد مؤشراً خطيراً جداً يمثل الفوضى الامنية، وقال لـ (الانتباهة) ان الدولة أصبحت تمهد للاعتداء على حرمات بيوت المواطنين مثل ما حدث في إقليم دارفور، خصوصاً بعد قصة الاعتداء التي قام بها عدد من المواطنين فى منطقة الكدرو على مساكن واحراق بيوتها رداً على عملية القتل والنهب التى تمت، فالشعب الآن اصبح يحمى نفسه بنفسه نسبة لغياب السلطة وهياكل الدولة التي توجه القوات النظامية لحماية المواطنين وفقاً للقانون، مشيراً إلى ان المواطنين الذين اعتدوا على ساكنى الكنابي من جنسيات ومناطق مختلفة ربما بعضهم من إقليم دارفور والبعض الآخر من دولة جنوب السودان المنفصلة حديثاً بعيداً عن التأسيس لدولة مدنية ذات قانون ودستور يمنع كافة الاعتداءات وتسود فيه العدالة دون تمييز جهة أو منطقة جغرافية ضد منطقة أخرى، وذكر ان عمليات النهب والسلب يقوم بها افراد يرتدون ملابس قوات نظامية، لكن لن تستطيع تحديد انتماءاتهم هل يتبعون للحركات المسلحة أو قوات الشرطة او الدفاع الشعبي.
(٤)
وتزداد المخاوف مع وجود قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام فى قلب الخرطوم فى ظل عدم تنفيذ بند الترتيبات الامنية، رغم المحاذير التى ظلت تطلق فى هذا الجانب منذ التوقيع على الاتفاقية فى نهايات العام قبل الماضي فى ظل وجود قوات نظامية مختلفة، ويذهب الكثيرون الى توقع انفجار الاوضاع بالخرطوم فى اية لحظة، سيما حينما تتم المقارنة بين الانفلات الامنى الماثل ووجود قوات الحركات المسلحة، رغم ان بعض المواطنين يرون ان القوات النظامية تقوم بتلك الجرائم كما وثق لذلك شهود عيان.
ولكن الخبير العسكرى امين مجذوب استبعد تحول العاصمة الى اية منطقة مشابهة للصراعات السابقة او حتى منطقة مشابهة خارج الوطن، لأن للعاصمة الخرطوم خصوصيتها سياسياً واقتصادياً وامنياً، ولذلك لا صراع بين الحركات المسلحة والقوات المسلحة او بين الحركات المسلحة مع بعضها البعض لا داخل الخرطوم ولا خارجها، وعد اي حديث من هذا النوع شائعات.
واضاف خلال حديثه لـ (الانتباهة) ان مسألة الترتيبات الامنية هي الفيصل فى دخول الحركات المسلحة وترتيباتها وتقييدها بالقوانين العسكرية، وما دون ذلك يكون تفلتات شخصية تخص قادة الحركات وافرادها، قائلاً: (انا لا اعتقد ان هنالك صراعاً بين الحركات المسلحة والحكومة ممثلة فى القوات المسلحة او القوات النظامية، او بين الحركات المسلحة واية مسميات اخرى، سواء كانت بعد الترتيبات الامنية او قبلها، ولن يكون هناك صراع لجهة ان الفترة الحالية تشهد وقفاً لاطلاق النار وترتيبات امنية واتفاق سلام ومكاسب لهذه الحركات، واية محاولة للدخول في صراع من جانب الحركات ستكون هى الخاسرة فيه، ولذلك لا وجود لصراعات، وانما هي تفلتات من عناصر تتبع لهذه الحركات او حتى عناصر تتبع للقوات المسلحة).
(٥)
وبحسب تقارير اعلامية فإنه لا توجد احصاءات رسمية او تقديرية لعدد قوات الحركات المسلحة الموجودة بالخرطوم، وفي يناير الماضي وجه مجلس الأمن والدفاع قوات حركات الكفاح المسلح بالتجمع خارج الخرطوم والمدن الرئيسة في مناطق التجميع، بغرض الحصر وإنفاذ الترتيبات الأمنية.
وتعيش البلاد حالة من غياب القانون والامن والفوضى حالياً، خاصة بعد ظاهرة اعتداء عناصر الشرطة على الناس ونهب ممتلكاتهم فى ظاهرة تكررت كثيراً خلال الفترة الفائتة.