الخميس 24 مارس 2022 - 20:00

ممثل الاتهام يطلب تأجيل الجلسة والدفاع يعترض ويصفه بأنه مراوغ


الخرطوم: رقية يونس
ارتفعت )فورة( الأدرينالين بصورة غير مسبوقة ومفاجئة أمس، خلال انعقاد جلسة محاكمة الرئيس المعزول عمر البشير ونائبه الأسبق علي عثمان محمد طه ورئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول أحمد محمد هارون ورئيس البرلمان الأسبق الفاتح عز الدين في الدعوى المقيدة ضدهم بقتل متظاهرين في عام 2019م.
وجاء تصاعد الاحداث في خواتيم الجلسة التي لم تستغرق سوى نصف ساعة، عندما اشعل فتيل الشرارة الاولى فيها ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الخرطوم شمال محمد الصافى، بايداعه طلباً امام منضدة المحكمة بتأجيل الجلسة لاخرى لعدم )جاهزيته( لتقديم خطبة الادعاء الافتتاحية، لاسيما ان المحكمة اعتبرت ان الخطبة اساسية في الدعوى لمعرفة اصل القضية والتعريف بمحتواها، ووقتها وافق القاضي على طلب الاتهام بتأجيل الجلسة الى الأربعاء المقبل، وحينها ارتسمت علامة عدم الرضاء على وجوه ممثلي دفاع المتهمين، واعتبروا تأجيل الجلسة دون أخذ رأيهم القانوني بالقبول حول ذلك او الرفض باعتبارهم طرفاً في القضية أمراً غير صحيح، ووقتها اعلن القاضي رفع الجلسة باعتباره امراً قضائياً لا رجعة فيه، وبالفعل جهر حاجب المحكمة بصوته العالى المدوى )محكمة( في إشارة لرفع الجلسة.
افتراء على الحقوق
وفي تلك الأثناء رصدت )الإنتباهة( علامات الدهشة وعنصر المفاجأة المباغتة على وجوه ممثلي هيئات دفاع المتهمين، وجعل ذلك المحامين )عبد الباسط سبدرات وهاشم ابو بكر الجعلى وعواطف محمد علي الجعلي( ينهضون عن مقاعدهم المخصصة لهم بمنصة الدفاع التي تقع بالجهة الشمالية لقاعة المحاكمة، وأبدوا اعتراضهم على تأجيل الجلسة دون أخذ آرائهم واعتراضاتهم كهيئات دفاع عن المتهمين حول ذلك، واعتبروه أمراً غير صحيح وافتراءً على حقوقهم على حد قولهم للمحكمة، ووقتها ظلت )الصحيفة( تلاحق عضو هيئة الدفاع هاشم ابو بكر الجعلي الذي انتابه التوتر جراء ذلك كغير عادته الهادئة بالمحكمة، وهو يترجل بقدميه مدرجين حتى وصل الى الجهة الاخرى التي تقع فيها منصة هيئة الاتهام ووقف أمام ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الخرطوم شمال محمد الصافي، وقال له: )إن طلبك بتأجيل الجلسة فيه مراوغة على حقوقنا، وهذه طريقة غير صحيحة منك(، ووقتها ضجت الأصوات في القاعة مما جعل قاضى المحكمة يتدخل على الفور بالرغم من رفع الجلسة واصداره امراً للشرطة القضائية التي كانت داخل قاعة المحاكمة بإخلاء جميع الأطراف من اتهام ودفاع واعلاميين وذوي المتهمين من داخل قاعة المحاكمة، ومن ثم معاودة إدخال طرفي الدعوى الجنائية المتمثلين في رئيس هيئة الاتهام عن الحق العام ورؤساء هيئات الدفاع عن المتهمين فقط دون سواهم بعد مرور )10( دقائق على حد أمر القاضى، وفى المقابل انصاع جميع الحاضرين بقاعة المحكمة لطلب القاضى، وظلوا يخرجون الواحد تلو الآخر حتى خلت القاعة تماماً.
ملاسنات ومراوغة
ووقتها أصبح جميع محامي دفاع المتهمين والحاضرين وممثل الاتهام عن الحق العام وكيل النيابة محمد الصافى والمحقق النيابي المتحري في القضية وكيل النيابة عبد الرحيم الخير خارج القاعة يقفون جميعاً في فناء المحكمة بالخارج، حيث انزعج ممثل الاتهام من وصف محامى الدفاع )الجعلي( له بأنه مراوغ فى طلبه بتأجيل الجلسة، وظلا يتبادلان الملاسنات بينهما التي شملت كذلك المحقق وكيل النيابة عبد الرحيم الخير، وارتفعت اصواتهم الثلاثة في فناء المحكمة، لاسيما ان الجعلي كان منزعجاً من مسألة تأجيل الجلسة واعتبره مراوغة من الاتهام في ظل حبس المتهمين لثلاث سنوات على ذمة القضية، وحينها تدخلت شرطة المحكمة وابعدت احتكاكهم عن بعضهم البعض، ورصدت )الانتباهة( مسؤول الاعلام بالسلطة القضائية وهو يهدئ من روع الكثير من محامي الدفاع، ويطلب منهم الابتعاد عن بقية القاعات بالمحكمة وخفض اصواتهم لوجود ورشة عمل فيها، وبالتالي عدم ازعاج الموجودين بالورشة، ومن ثم بعد ذلك تم ادخال الطرفين )الاتهام والدفاع( فقط دون المحقق النيابي في قاعة المحكمة مرة اخرى التي كان بها قاضي المحكمة، وظلوا فيها لما يقارب )30( دقيقة، وكانت بقية الاطراف ينتظرون بالخارج على أحر من الجمر لمعرفة ما ستؤول اليه الاحداث، الا انه بعدها خرجت جميع الاطراف من القاعة وكانت احوالهم )هادئة( تماماً، ومن ثم ذهب كل الى حال سبيله خارج المحكمة دون الخوض في ما حدث بقاعة المحكمة عند خروجهم منها.
جدلية غياب متهمين
وبالعودة الى كواليس مجريات المحاكمة، فعند انطلاق الجلسة أمس، اعلن قاضي المحكمة انعقاد الجلسة في غياب المتهمين، في حال وافق طرفا الدعوى الجنائية )الاتهام والدفاع( على ذلك، معللاً ذلك بأن غياب المتهمين عن الجلسة وعدم إحضارهم من محبسهم جاء بسبب الظروف العامة بالبلاد، وحينها لم يبد ممثلو دفاع المتهمين اعتراضاً على ذلك، بينما كان لممثل الاتهام عن الحق العام رأي آخر حينما ظل يردد ان وجود المتهمين بالمحكمة امر مهم، وحينها رد عليه احد دفاع المتهمين وقال له: )هل انت تدافع عنهم؟( وحينها أمرت المحكمة الجميع بالسكوت.
إعادة القضية لقصور في التحري
ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل النيابة محمد الصافي، لم يقف عند طلبه )الاول( للمحكمة بتأجيل الجلسة لعدم جاهزيته لتقديم خطبة الادعاء الافتتاحية في القضية، وانما باغت المحكمة بطلب ثانٍ التمس من خلاله اعادة أوراق ملف القضية للنيابة مرة أخرى، عازياً ذلك الى أنه تم تكليفه أخيراً بتمثيل الاتهام عن الحق العام في القضية، وبموجبه اطلع على محضر التحريات ووجد أن الدعوى بها )قصور( في مجرى تحرياتها، خاصة في ما يتعلق بقضية الاتهام على حد قوله، مشدداً في طلبه على أن النيابة العامة تشكل عنصراً أصيلاً في الدعوى من خلال تمثيلها الإدعاء والاتهام في الحق العام، لافتاً الى أن طلبه بإعادة أوراق الملف للنيابة مرة أخرى بسبب أن متهمين في القضية لم تدون أقوالهما بيومية التحري، وذلك لرفضهما الإدلاء بأقوالهما، وهما المتهم الثاني علي عثمان محمد طه والمتهم الثالث أحمد محمد هارون، مشدداً على أن عدم ادلاء المتهمين بأقوالهما بالتحريات تترتب عليه آثار قانونية، وفق مطلوبات نص المادة )42( من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م التي تتعلق بمشتملات محضر التحري، منوهاً بأن ذلك الأمر تتوجب معه اعادة أوراق القضية للنيابة العامة لإجراء مزيد من التحريات فيها، ومن ثم اكتمالها وإحالتها للمحكمة مرة أخرى حال اقتضى الأمر ذلك.
رفض وتجنٍ على النيابة
وعقب فراغ الاتهام من تقديم طلبه للمحكمة، قررت المحكمة الخاصة المنعقدة بمعهد تدريب العلوم القضائية والقانونية بأركويت برئاسة القاضي زهير بابكر عبد الرازق، وللمرة الثانية على التوالي، رفض طلب النيابة العامة ممثلة الاتهام عن الحق في الدعوى الجنائية باعادة اوراق القضية اليها مرة أخرى، وعزت المحكمة في حيثيات قرارها برفض اعادة ملف القضية للنيابة مرة أخرى لوجود قصور في التحري، حسب طلب ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الخرطوم شمال محمد الصافي، الى أن طلب الاتهام عن الحق العام مقبول لديها شكلاً على عكس طلب الاتهام عن الحق الخاص في الجلسة السابقة، الا أنه يتعلق بفحص أوراق القضية بصورة موضوعية، ونوهت المحكمة بأن طلب الاتهام بإعادة ملف القضية لوجود قصور في تحرياته فيه كثير من التجني على جهة التحري وهي النيابة العامة التي يمثلها ممثل الاتهام مقدم الطلب في الدعوى الجنائية، حيث أن مقدم الطلب لم يذكر أوجه القصور، وأشارت المحكمة في قرارها الى أن الدعوى الجنائية تم تقييدها في يوم 3/12/2019م، واكتملت التحريات ووضعت امام المحكمة بتاريخ 12/1/2021م، وتساءلت المحكمة قائلة: )واذا لم تتمكن النيابة العامة من إكمال أوجه النقص والقصور في الدعوى الجنائية، كما جاء على لسان مقدم الطلب ممثل الاتهام عن الحق العام، فمتى ستكمل أوجه القصور فيه؟(، وواصلت المحكمة تساؤلها ايضا وقالت: )هل قصور النيابة العامة في إجراء التحريات اللازمة في الدعوى الجنائية، يعني أن يتحمل مغبة ذلك الطرف الثاني في الدعوى وهم المتهمون؟(، وشددت المحكمة على أن ذلك يأتي متعارضاً مع قرينة البراءة الأصيلة على حد قولها، واشارت المحكمة في قرارها الى أن طلب النيابة باعادة الأوراق اليها لرفض بعض المتهمين الإدلاء بأقوالهم بمحضر التحريات ليس سبباً لإعادة اوراق القضية للنيابة، وقالت المحكمة متسائلة كذلك: )كيف سيكون الوضع حال استمر المتهمان في الامتناع عن الإدلاء بأقوالهما بعد إعادة ملف القضية اليها؟ وكيف تستطيع النيابة إجبارهما على الكلام؟(، ونبهت المحكمة كذلك في قرارها الى أن طلب اعادة أوراق القضية الى النيابة في هذه المرحلة يعني )الالتفاف( على القرار القضائي الصادر برفض تجديد حبس المتهم الرابع رئيس المجلس الوطني الأسبق الفاتح عز الدين لأكثر من اسبوعين والصادر بتاريخ 12/1/2022م، مما يعني أن طلب إعادة الأوراق للنيابة يقتضي تجديد حبس المتهم الرابع مرة أخرى لأغراض التحري، وهو الأمر الذي فصل فيه القاضي المختص بتجديد حبس المتهم الرابع، وشددت المحكمة في خواتيم قرارها على أن رفض تجديد حبس المتهم الرابع من قبل القاضي المختص بالتجديد لم يكن يجبر النيابة في الأساس على إحالة ملف القضية للمحكمة قبل اكتمال التحريات فيها، لا سيما أنه كان الأجدر بالنيابة أن تطلق سراح المتهم الرابع لرفض تجديد حبسه وتستكمل إجراءات تحرياتها في الدعوى الجنائية.