الثلاثاء 29 مارس 2022 - 7:44
صلاح الدين عووضة يكتب : طويل العمر!!


وهو لقبٌ محبوب..
محبوب لدى من يُحبون أن يُنادوا به في بعض دول الخليج العربي..
فإذا ما سبقته أداة النداء )يا( صار دعاءً..
ويتمنى المُنادى أن لو يُستجاب… ليطرب مع المغني )يا للدعاء المستجاب(..
وطول العمر يتمنّاه الكثيرون..
ويبدو أن أحد أساتذتنا – في مادة الفلسفة – كان يتمنى طول العمر هذا..
فتخصصه كان غريباً علينا..
وربما كان غريباً على الفلسفة نفسها… بفروعها – التجريدية – المختلفة..
فهو كان إلى مجال الطب أقرب..
حتى وإن غلفه بأسلوبٍ فلسفي… وكان يدور بعضه حول إمكان إطالة العمر..
وأول من افترع هذا الطب الفلسفي عالمٌ روسي..
أو فيلسوف روسي… فقد أشكل علينا تصنيفه: أفيلسوف هو أم عالم؟..
كما تمنته – طول العمر هذا – إحدى نساء بلدنا..
فهي عاشت لأكثر من ثمانين حولاً… وأحبت الحياة حباً تمنت معه الخلود..
علماً بأن اسمها خالدة..
فأرادت أن تكون اسماً على مسمى..
ولم تسأم – يوماً – طول العمر هذا كما سئمه زهير عند بلوغه الثمانين..
وعبر عنه – زهير ابن أبي سلمى – شعراً يقول فيه:
سئمت تكاليف الحياة… ومن يعش ثمانين حولاً لا أب لك يسأمِ
وحين وافتها المنية – أخيراً – جزعت..
جزعت – حاجة خالدة – وطفقت تعاتب من أحاطوا بسريرها من الأهل..
فهم قد تحزَّموا… وتلزَّموا..
وتلك إشارة كانت تعني – فيما مضى ببلدنا – ترقباً لخروج الروح..
تعاتبهم وتصيح بصوتٍ واهن: لماذا تحزمتم؟..
فتأتيها إجابتهم في شكل مزيدٍ من الذي تخشاه… من قبيل )تشهَّدي يا حاجة(..
فتحاول أن تستجمع ما تبعثر من صحتها..
ثم تصيح فيهم بصوتٍ تجتهد في جعله مسموعاً )لكن أنا حصلت ده كله؟(..
وكل النقاش هذا كان باللغة النوبية..
وبالنوبية ذاتها كانت تلعن شيخ صالح الكوبدان – أو الكوبدار – لعناً شديداً..
ومفردة كوبدار – الأعجمية هذه – تعني الناعي..
وظلت تردد عبارة )لكن أنا حصلت ده كله؟( هذه إلى أن خرجت روحها..
إلى أن حصَّلت من سبقوها – إلى دار الخلود – من أهلها..
وكذلك من الذين تمنوا طول العمر هذا تشافيز..
وهو دكتاتور فنزويلا الذي لم يسأم تكاليف الحياة… وإنما سئم شيئاً آخر..
سئم كثرة التعديل في الدستور ليبقى فترة إضافية..
فكان أن )أخذها من قصيرها(… وأجرى تعديلاً في الدستور هو الأخير..
وقضى بأن يبقى في السلطة مدى الحياة..
وما درى بأن الحياة نفسها لم يبق له فيها الكثير… فمرض بعد أشهر..
وكان مرض الموت… وهو لا يريد أن يموت..
فصرخ في أطبائه بلهجة الأمر الرئاسي )لا أريد الموت… أفعلوا المستحيل(..
ففعلوا المستحيل… وهم يرتجفون..
يرتجفون منه رعباً… ثم فارقهم الخوف فور أن فارقت روحه جسده..
وكذلك تمنى طول العمر هذا جدي… لأبي..
ولكن ليس حباً فيه؛ وإنما رغبةً في العيش إلى أن يُزوِّج آخر بنات ابنه..
وهو عمنا تاج السر..
فقد توفي – إلى رحمة مولاه – وخلف بناتٍ… دون البنين..
أو بالأحرى: خلف زهراتٍ جميلات..
وكن يعشن جميعاً مع جدي هذا..
فزوجهن جدي – واحدة تلو الأخرى – وهو بكامل صحته رغم طول العمر..
ما كان يشتكي من أي شيء… في ظاهرة طبية فريدة..
بل وكان يكرع السمن البلدي كل صباح؛ على عكس ما يحذر منه الأطباء..
وعندما تزوجت مُنى – آخر العنقود – مات..
وطول العمر هذا يبشر به الآن مجموعة من العلماء..
والبارحة نشروا تقريراً فحواه أن البشر موعودون بطول العمر قريباً..
بعد نحو خمسين عاماً..
وبعد سرد حيثيات علمية – طبية – قالوا إن عمر المرء سيكون طويلا..
سيكون في حدود مئة وخمسين عاماً..
أي أكثر من العمر الذي سئم فيه زهير تكاليف الحياة بحوالي الضعف..
وأخال أكثر الفرحين بالبشرى هذه أهل السلطة..
سيما من كانوا على شاكلة تشافيز منهم؛ يحبون الخلود على كراسي الحكم..
كحب حاجة خالدة ذاك للخلود..
سيكون الواحد منهم – فعلاً لا محض أمانٍ في دعاء – ذا عمرٍ طويل..
ويا أيها القارئ العزيز: لا تحزن على قصر عمرك..
فالبقية في حياة أحفادك..
فهم موعودون بتساوي الكتوف مع جماعة )يا للدعاء المستجاب(..
هذا الدعاء الذي يعجب بعض أهل الخليج جداً..
يا طويل العمر!!..