السبت 11 يونيو 2022 - 15:07

قبل حوالي الأسبوعين كتبت مقالاً عن أزمة الغذاء المتوقعة في السودان، وحرصت قدر الأمكان الا أثير الفزع، ولكن دفعني للكتابة من جديد، بيانٌ أصدرته الفاو يوم الثلاثاء الماضي رحبت فيه بالمساهمة المقدمة من صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ، واستجابته لمشروع منظمة الفاو لمواجهة “حالة الأمن الغذائي الأليمة” – وهي حالة قد تتفاقم بشكل أكبر بسبب الآثار المتتالية للنزاع في أوكرانيا – وتهدف إلى استعادة الأمن الغذائي للمجتمعات الزراعية والرعوية المتضررة في السودان، مبلغ المساهمة 12 مليون دولار، وبحسب الفاو فإن هذا هو أكبر تخصيص منفرد يتلقاه من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، وأشارت الى أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الأموال لتجنب حدوث أزمة الجوع..
يغطي مشروع منظمة الفاو “180 ألف أسرة – أي 900 ألف شخص – في أكثر المجتمعات الزراعية والرعوية ضعفاً، بما في ذلك النازحون داخلياً والعائدون واللاجئون والأسر المقيمة”.
أيها السودانيين حاكمين ومحكومين، إن “حالة الأمن الغذائي الأليمة” تعبير تفادت به المنظمة التوصيف المباشر للوضع بأنه أقربُ للمجاعة!! ووفقاً للخطة التي أعدتها الفاو للاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2022, “من المتوقع أن يحتاج 10.9 مليون شخص – أي 30% من السودانيين – إلى الدعم للمحافظة على الحياة هذا العام، وهو أعلى رقم يتم تسجيله في العقد الماضي!!
خلال هذا الأسبوع وفي بيان رسمي أمام مجلس الأمن تحدثت مندوبة الإمارات في مجلس الأمن عن الحالة السودانية والأخطار المحدقة بالبلاد، وأشارت لتقديرات الأمم المتحدة بأن 39% من السودانيين سيعانون من انعدام الأمن الغذائي بحلول سبتمبر القادم، وبحساب بسيط، فإن عدد السكان الحالي 43 مليون نسمة والمهاجرون فيهم قرابة 4 مليون نسمة، عليه فإن العدد المقيم بالسودان أقل قليلاً من 40 مليون، وعليه فإن تقديرات الأمم المتحدة الخاصة بالدعم للمحافظة على الحياة تكاد تشمل نصف السكان!! بينما خطة الاستجابة الحالية للمنظمة الدولية وصلت الى 13%فقط أي حوالي 5 مليون من المحتاجين! بينما عدد الذين يحتاجون الدعم للمحافظة على الحياة يتراوح حسب تقديرات الأمم المتحدة والفاو بين 30% و39% أي حوالي 12 – 16 مليون نسمة!! وهذه بكل المقاييس كارثة تتجاوز ما حدث في بداية عقد الثمانينيات..
أمر آخر دفعني لإعادة الطرق على الموضوع، أن خطابي السابق كان موجهاً للمسؤولين في الدولة، بأن يتحملوا مسؤولياتهم ويلتفتوا لهذه الكارثة القادمة بأسرع مما ظننا بحسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيرش، وتقارير الوكالات المتخصصة، وسيفاقم من الوضع وأعداد المتضررين منه الشح العالمي في الحبوب.. والذي دفع الأمم المتحدة لتصنيف أوكرانيا أحد أكبر منتجي القمح في العالم ضمن بؤر نقص الغذاء الخطر وقد أصدر WFP والفاو تحذيراً مبكراً لاتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 بؤرة جوع ساخنة من المتوقع أن يتفاقم الجوع فيها في الفترة الواقعة بين يونيو – سبتمبر 2022. وللأسف فإن السودان ضمن هذه البؤر الحرجة”.
وفي بيان صحفي مشترك بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي دعول “المجتمع الدولي للتحرك لمنع حدوث أكبر أزمة غذائية في التاريخ” محذرين مما قد يستتبع ذلك من اضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
ولقد استمعت قبل أيام لرئيس مجلس السيادة والذي يفترض أنه المسؤول الأول صاحب القرار في هذه البلاد، يتحدث بطريقة تدعو للرثاء بأنه سيتحدث للناس حتى ولو قطعوا عنه الكهرباء أو قطعوا رأسه!! إن حالة العجز التي جسدتها هذه الكلمات.. بالغة.. وغير مسبوقة، فإن كانت مؤسسة الدولة عاجزة عن تأمين قطاع الكهرباء الذي تملكه الدولة، فمن باب أولى ألا يملك هو وبقية المسؤولين من تحته إرادةً ولا قدرةً على الاستعداد والترتيب لمواجهة خطر المجاعة المقبل.. وحماية أرواح الناس والأنعام.
لذلك أخاطب الشعب السوداني اليوم مباشرةً ، اتركوا هؤلاء العسكرين والسياسيين في مائدتهم المتخمة بالنقاش المترف! دعوني أقول لكم بوضوح من استطاع منكم أن يوفر قوت عامه فليفعل.. من أراد أن يعرف ماذا يعني الجوع واحتمالية أن يطرق بابه، عليه أن يرجع ويشاهد الأفلام والصور.. ليرى ضحايا مجاعة الثمانينيات وليبحث عن صور مجاعة سنة ستة”.
إن هذا المجتمع ليس عاجزاً، ويستطيع أن يتجاوز الدولة إذا كانت مغيبة العقل، وعلى الأفراد ألا يجعلوا مصيرهم بأيدي مؤسسة دولة عاجزة.. يمكنكم النجاح بقليل من التدبير فيما قعدت عنه الدولة.. لكن افهموا أنكم تسابقون الزمن.. الموجز الثاني من مجموعة الاستجابة للأزمة العالمية بشأن الغذاء والطاقة والتمويل يونيو 2022، ورد فيه: ويتعرّض ما يُقدّر بنحو 1.6 مليار شخص في 94 دولة إلى بُعدٍ واحد على الأقل من أبعاد الأزمة، ويعيش حوالي 1.2 مليار منهم في بلدان فيها “عاصفة مثالية” وهم معرّضون بشدة لمخاطر الأبعاد الثلاثة مجتمعة: الغذاء والطاقة والتمويل…
أنتم يا أهل السودان ضمن بؤر الأزمة الأسوأ حالاً، فلديكم أزمة طاقة وبالضرورة أزمة تمويل.. وتواجهون قريباً أزمة طعام، فهل تستسلمون لقدركم أم تشمرون عن سواعدكم وتنقذوا أنفسكم وعيالكم ومجتمعكم.
* ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.
# وفِّر قوت عامك
# أمِّن غذاءك