الأربعاء 15 يونيو 2022 - 19:27
محيي الدين زكريا‏
)نأسف للأحداث التي شهدتها محلية كلبس(… بهذه الجملة لخص والي غرب دارفور خميس عبد الله الاحداث في أول تصريح رسمي له عقب الأحداث التي شهدتها عدة مناطق شمال الولاية في الشريط الحدودي مع الجارة تشاد وبعيد عودته من الخرطوم أمس الثلاثاء.
ويبدو أن حكومة غرب دارفور وأجهزتها المختصة لم تستفد من )سيناريو( تكرار الأحداث القبلية التي شهدتها عدة محليات في السنوات الثلاث الماضية التي تبدأ صغيرة ويمكن محاصرتها جنائياً، لكن تقاعس الحكومات المتتالية وعدم تعاملها بجدية مهد الطريق لاتساع دائرة القتال وتحولها من جنائية إلى حرب قبلية شرسة.
ولا يخفى على أحد أن هنالك تحالفات قبلية وتكتلات مجتمعية تقف وراءها جهات وناشطون ومؤسسات عنصرية لأبناء الولاية تعمل من أجل استمرار الحروبات القبلية ونشر خطاب الكراهية وشيطنة بعض المكونات الاجتماعية.. وكل هذا ساعد على أن تكون ردة فعل بعض الأحداث الأمنية عنيفة جداً وغير متوقعة.
ويعتبر العرب الرحل والقمر في أقصى شمال الولاية من أكثر المكونات الاجتماعية التي بينها مصاهرة وعلاقة حسب ودم ومصالح مشتركة، إلا أن ما حدث كان مفاجئاً ويشير بلا أدنى شك الى أن هناك طرفاً آخر يسعى لاستمرار الحروب في كافة أرجاء الولاية.
وبعد أسبوع من الأحداث ووسط غياب كامل للمعلومات الحقيقية بسبب انقطاع خدمات الاتصالات، خرج إلى وسائل التواصل المدير التنفيذي لمحلية كلبس عبد الرسول النور في أول تصريحات له بأن القتال القبلي خلف أكثر من 111 قتيلاً و22 جريحاً و20 قريةً محروقة وسبعة آلاف نازح. وهذا الخبر نزل كالصاعقة على رؤوس مواطني الولاية والوطن بأكمله وأشعل وسائل التواصل الاجتماعي والوكالات الأجنبية. وهذا يشير إلى شراسة المعارك، وأن القبائل جميعها أصبحت تمتلك كافة أنواع الأسلحة وأنها دول داخل الدولة.
أحد القيادات ــ رفض ذكر اسمه ــ قال إن إشعال الحرب بين العرب الرحل وقبيلة القمر في هذا التوقيت الهدف منه التأثير السلبي على مجريات مؤتمر الصلح الذي يجري في مدينة الجنينة بين الرزيقات والمسيرية طرفي الصراع في أحداث جبل مون المجاور لمحلية كلبس.
ويرى مراقبون أن حكومة الولاية لا تملك رؤية واضحة لمجابهة الحروبات القبلية عند اندلاعها أو خطة متكاملة لتجاوز الخلافات القبلية ووضع حد للصراعات بمصالحة مجتمعية شاملة تشترك فيها القواعد بعيداً عن القاعات المكيفة وخلف شاشات الكاميرات من أجل المكاسب السياسية.
وربما تكشف أحداث شمال ولاية غرب دارفور الوجه القبيح للتنمية والتهميش الذي يعيشه أبناء شمال الولاية، ورغم أنهم يمتلكون ثروة حيوانية تساهم مساهمة مقدرة في الناتج القومي الإجمالي، إلا أنهم مازالوا يعيشون حياة بدائية تنعدم فيها المياه الصالحة للشرب بجانب انعدام خدمات الصحة، لاسيما خدمات الرعاية الصحية الأولية. وهنالك أعداد كبيرة من النساء مازلن يضعن أطفالهن بـ )الحبل(، ولا أدري ماذا تطلب الحكومة من المواطنين ونحن في عصر التكنولوجيا لا يجدون أدنى مقومات الحياة من مياه وصحة وتعليم وتهميش.
وفي خضم الأحداث وآثارها السالبة قدمت مفوضية العون الإنساني بولاية غرب دارفور معينات غذائية وإيوائية لمتضرري الصراعات القبلية، بينما قامت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية بإرسال أدوية ومعدات طبية لبعض المراكز الصحية. وأبان مفوض العون الإنساني بمحلية كلبس أبو بكر حسين أن عدد النازحين بلغ اكثر من 12 الف أسرة موزعين على تجمعات قرى ورِي ورِي، أدوي وابو جوك، وأضاف أن عدد القرى المتضررة بلغ نحو 25 قرية، فيما تضم تجمع قرى ورِي ورِي حوالى ستة آلاف أسرة.
وطالب أبو بكر حكومة الولاية بضرورة فرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون لانسياب الخدمات الإنسانية للقرى المتضررة، وناشد المنظمات الدولية والإنسانية والوطنية والخيرين والمبادرات الشعبية تقديم المساعدات للنازحين، ونوه بالحاجة الماسة للأطفال والنساء للمعونات الغذائية والإيوائية والخدمات الصحية والتعليمية.
كما ان هشاشة الأوضاع الأمنية بولاية غرب دارفور مع انتشار كثيف للأسلحة وسط القبائل، شجعت على مزيد من الاقتتال القبلي، وبالتالي مزيد من القتلى والنازحين، فضلاً عن مهددات تجابه النشاط الاقتصادي للسكان وهو الزراعة والرعي فإلى، متى تسيل أنهر الدماء في ولاية غرب دارفور حتى كادت تغطي كافة محلياتها؟