الأحد 14 أغسطس 2022 - 16:18

تقرير: محمد جمال قندول
التأم امس السبت مؤتمر المائدة المستديرة لنداء اهل السودان بقاعة الصداقة، وذلك بحضور سياسي كبير، وينتظر السودانيون مآلات الراهن السياسي وسط توقعات بأن تخلق المبادرة المطروحة من الرمز الديني الشهير الطيب الجد اختراقاً في العملية السياسية وتفضي الى ايجاد حلول.
وتأتي انطلاقة المؤتمر الذي يختتم اعماله اليوم الاحد وسط تحديات سياسية واقتصادية عديدة تمر بها البلاد في محاولة لايجاد مخرج للازمة المستفحلة منذ اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي.
قصاصات من جدران القاعة
منذ الصباح الباكر والخرطوم تعيش اجواء ماطرة وهناك مياه غطت الطرق حتى ان سير المركبات تم تصنيفها بـ )الخطورة(، كيف لا والعاصمة تشهد تردياً مريعاً في شبكة الطرق، كما ان مؤشرات تباشير الخريف ليست بالجيدة من واقع المشهد العام.
ورغم ذلك الا ان المشاركين في مؤتمر المائدة المستديرة حضروا بكثافة الى قاعة الصداقة التي احتضنت مؤتمر المائدة المستديرة لمبادرة نداء اهل السودان، وذلك بحضور طيف سياسي وديني ومجتمعي ورموز من فئات مختلفة كانوا حضوراً في القاعة الرئاسية، وهم في انتظار ما ستسفر عنه مبادرة القطب الديني الشهير الطيب الجد.
والحضور الاعلامي تم عبر قادة الاجهزة الاعلامية المختلفة، وكذلك التغطية الكثيفة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبث مباشر على شاشات القنوات المحلية والجزيرة لمحفل وصفه المراقبون بالنوعي والحاشد.
وقدم الحفل المذيع الطيب قسم السيد الذي كان مرتباً في تقديم الفقرات والتعريف بالحضور، وفقرات الجلسة الافتتاحية بدأت بشكل سلس وكلمات المتحدثين لم تكن طويلة.
وعقب الجلسة الافتتاحية انتظم المشاركون في اربع لجان، وهي لجنة الترتيبات الدستورية للمرحلة الانتقالية ولجنة الهوية والثقافة والمجتمع وكذلك لجنة الاقتصاد ومعاش الناس.
ماذا قال )الجد(؟
رئيس مبادرة نداء اهل السودان الشيخ الطيب الجد دعا ابناء السودان للوفاق، وذلك من اجل حفظ الأمن وصون وحدة البلاد التي تتطلب تقديم تنازلات لمستقبل افضل للاجيال القادمة، وتقدم الجد بالشكر لكل من تداعوا لتقديم مبادرات تجاوزت )40( مبادرة تكمن اهميتها في توحيد الرأي العام واكمال الفترة الانتقالية عبر حكومة كفاءات ذات مهام محددة تقود الى انتخابات حرة ونزيهة يختار عبرها الشعب من يثق فيه لقيادة البلاد وتحقيق الاستقرار وتطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة.
وحيا الطيب الجد في كلمته امام الحضور رئيس الحزب الاتحادي محمد عثمان الميرغني، وذلك لكونه من اوائل الداعمين للحوار السوداني والوفاق وجمع كلمة السودانيين.
ومن جهته اعتبر الرئيس التنفيذي لمبادرة نداء اهل السودان هاشم الشيخ قريب الله ان عدم وجود حكومة لنحو عشرة اشهر انعكس على الاوضاع السياسية والاقتصادية، ودعا المكونات السياسية الى تغليب المصلحة الوطنية وتحقيق مطالب اهل السودان، مشيراً الى انهم يقفون على مسافة واحدة من كل الفرقاء ووسطاءً للحل.
وبدوره تحدث رئيس تحالف نهضة السودان د. التيجاني السيسي، ودعا الى المضي جميعاً بالفترة الانتقالية الى الانتخابات، وعزا ذلك لجهة ان الفترة لا تحكمها ديمقراطية على حد تعبيره، مطالباً بجمع أهل السودان وقيادتهم الى بر الامان، واضاف ان الازمة السياسية يجب ان تؤخذ بايدي ابناء الوطن والعمل على اخراج الامة من حالة الاضطراب الامني. والسيسي اشار الى ان البلاد على مفترق الطرق، وذلك لمواجهتها انقسامات سياسية ومجتمعية وجهوية عوضاً عن تحديات خارجية وتدخلات كثيرة.
وفي ذات الاثناء قال رئيس حزب الامة مبارك الفاضل ان مبادرة نداء اهل السودان جاءت من رجل له تاريخ في تحقيق الاستقرار والتوافق، واكد اهمية توحد الرؤى للوصول الى انتخابات حرة ونزيهة.
والفاضل دعا الى منع اية فتنة بين الشعب والجيش حتى لا تخرج الاوضاع عن السيطرة، واعتبر المهدي الحضور بقاعة الصداقة اصحاب القضية لجهة انهم يبحثون عن المعايش ولا وقت لديهم للخروج الى الشارع، وانتقد رئيس حزب الامة القومي بعض القوى السياسية التي لا تريد الاحتكام الى صناديق الاقتراع، وعزا ذلك لعدم امتلاكهم قاعدة جماهيرية.
بينما طالب موسى محمد احمد بضرورة الوصول الى رؤية وطنية وذلك لحفظ امن واستقرار البلاد، الامر الذي يستدعي تنسيق الجهود من اجل مستقبل افضل.
حضور دبلوماسي كثيف
وكان لافتاً الحضور الدبلوماسي المعتمد لدى الخرطوم للفعالية، حيث حضر سفراء السعودية وقطر ومصر ولبنان والمغرب وموريتانيا والجزائر والصومال وبريطانيا وعمان والعراق واندونيسا وتشاد وجنوب السودان والصين وروسيا والهند وفلسطين وامريكا وممثل الامم المتحدة وممثل الايقاد والاتحاد الافريقي وعدد كبير من السفراء.
وغاب عن لقاء الشيخ الجد باعضاء السلك الدبلوماسي الاحد الماضي بام ضواً بان عدد من السفراء الذين شكلوا حضوراً في المائدة المستديرة، ولعل ابرزهم السفيران السعودي والاماراتي.
حضور السفير السعودي رسم تساؤلات حول غيابه عن لقاء الاحد بشرق النيل ثم وجوده امس بالقاعة، وهو ما ذهب مراقبون الى تفسيره بالطبيعي لجهة ان السعودية تحرص على ايجاد صبغة توافقية سياسية وعدم انجراف الامور الى الاسوأ.
الخبير والمحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري عد الحضور الكثيف للسلك الدبلوماسي بأنه يأتي في اطار التعرف على القدرة التنظيمية من وراء المبادرة التي عقدت لقاءات عديدة وخلقت زخماً.
ويذهب الساعوري الى ان المائدة المستديرة ستقدم مقترحات للحلول بمبررات واسباب للمسؤولين، ثم تترك الامر لمجلس السيادة لامكانية قبولها وعرضها على القوي الرافضة
الرافضون من هم؟
قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي شكلت غياباً، وذلك لرفضهم مبادرة نداء اهل السودان وانخراطهم في اعلانهم الدستوري، فالمشهد السياسي للمركزي يكتنفه الغموض، حيث انهم لم يبارحوا حتى اللحظة محطة الرفض الشهيرة الموسومة بـ )الـلاءات الثلاث(.
القانوني المناصر لقوى الحرية والتغيير مجموعة المركزي المعز حضرة اعتبر ان مجموعة المركزي وقوى الثورة لن تشارك في هذه المبادرة لانها تعبر عن الفلول، وبرز الطيب الجد نفسه كداعم للبشير والحركة الاسلامية، واعتبر حضرة ان كل الذين شاركوا بالمحفل لا علاقة لهم بالثورة، وتابع قائلاً: )لا يمكن ان يأتي من كانوا سبب الازمة لحل المشكلة(.
القائمون على امر المبادرة كشفوا في اكثر من سانحة عن تواصلهم ومقابلاتهم مع قادة قوى الائتلاف الذين طلبوا وقتاً للتفاكر والتباحث حولها ثم الرد، وفيما يبدو ان مجموعة الاحزاب الاربعة لا تريد المشاركة في اية اطروحة وانما صناعة مبادرة للحل وفق رؤيتهم وشروطهم تتواكب مع الشارع الثوري الرافض لاجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر.
ويرى مراقبون ان حالة الرفض لكل الاطروحات من مكونات الائتلاف ستجعل عزلتهم تتمدد، وفي ذات الوقت الذي مازالوا فيه حريصين على الاستقواء بالتظاهرات تمضي قوى سياسية وتحالفات في الامساك بزمام المبادرات وتقدم الرؤى لحلول توافقية، وقوى الميثاق ليست بعيدة عن هذا الامر، حيث تنشط عبر رئيس لجنة التواصل مع القوى السياسية مني اركو مناوي في التباحث والتواصل مع المكونات الفاعلة لاحداث ولو حد ادنى من التوافق، فيما تمضي مبادرة الطيب الجد بالالتفاف حولها من احزاب وتحالفات وقوى مدنية اخرى، وبدأ صبر المجتمع الدولي ينفد على مجموعة الاربعة، ويبدو ذلك من خلال البيانات الاخيرة لواشنطون والترويكا ودول الاقليم العربي والافريقي الذين اثنوا على اجراءات البرهان في الرابع من يوليو، وطالبوا باجراء حوار يفضي الى حلول جذرية وتشكيل حكومة مدنية. وحالة الرفض امتدت لاحزاب اخرى مثل الشيوعي الذي اتهم الفلول بأنهم وراء المبادرة للعودة للسلطة مجدداً.
مجموعة الميثاق.. سر الغياب
وعلى غرار ما يجري في قاعة الصداقة المحتضنة لمجريات مؤتمر المائدة المستديرة التي تختتم اليوم الاحد برفع توصيات ورؤى وموجهات، تعكف قوى الحرية والتغيير مجموعة التوافق الوطني على التجهيز لاعلان سياسي ودستوري، وذلك بعد سلسلة من التحركات لرئيس لجنة الاتصال مني اركو مناوي ولقاءات مع قوى سياسية عديدة.
ورشحت تسريبات الاسبوع الماضي بشأن تشكيل لجنة مشتركة بين مبادرة الطيب الجد ومجموعة الميثاق مناصفة بخمسة اعضاء لكل مجموعة، غير ان ما حملته الانباء انها لم تجد تفسيرات او وقائع على ارض الواقع على الرغم من اللقاء الذي جمع )الجد( و )مناوي( قبيل عشرة ايام بمسيد الاول بام ضواً بان.
ورغم ان مؤشرات الساحة السياسية من خلال التقارب في وجهات النظر لما يطرحه الرمز الديني وما تمضي فيه قوى الميثاق، الا انهم سجلواً غياباً عن مؤتمر المائدة المستديرة، حيث لم تظهر قيادات التوافق الوطني، ورغم ذلك لم يخرجوا بتصريحات عدائية تجاهها كما بدر من مجموعة المركزي والحزب الشيوعي، الامر الذي صنفه المراقبون بأن الميثاق تقف في خانة )التحفظ( لا الرفض.
اردول غرد على صفحته عصر امس كاشفاً عن اكمال اللجان المشتركة من القوى السياسية )الحرية والتغيير مجموعة التوافق الوطني والاتحادي الاصل ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة والطرق الصوفية ومجلس الكنائس والوسط والمجلس الاعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة وتحالف القوى المدنية وتنسيقية شرق السودان(، اكمالها صياغة اربع مسودات سترفع الى الهيئات القيادية العليا لاجازتها. واضاف ان الاعلان السياسي وبرنامج الحكومة ومعايير اختيار رئيس الوزراء والترتيبات الدستورية جهد وطني مع بقية الجهود الجارية الآن.
حسناً فثمة مرتكزات مشتركة بين المائدة المستديرة وما طرقه اردول، حيث ان الاتحادي الاصل ينشط في مبادرة الجد وكذلك في جهود الميثاق واعلانها المرتقب، عوضاً عن الطرق الصوفية والادارات الاهلية، مع التركيز على الجزئية التي اشار فيها مبارك اردول الى الجهود جارية الآن، وفيما يبدو ان المقصود بها مبادرة الطيب الجد.
ويذهب مراقبون الى ان ما رشح في اوقات سابقة عن دمج كل المبادرات قد يتحقق خلال الفترة القليلة القادمة، بدمج ما ستخرج به موجهات المائدة المستديرة وجهود مجموعة الميثاق مع قوى اخرى، واستند المراقبون الى عدم وجود تصريحات او آراء سالبة بين الجهتين عوضاً عن تواصل بينهم، الأمر الذي قد يفضي الى مستجدات خلال الأيام المقبلة بخصوص الدمج.