الأحد 19 مايو 2019 - 1:02
تفسير الاية )19( من سورة ق
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)19(
القول في تأويل قوله تعالى : وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)19(
وفي قوله) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (وجهان من التأويل, أحدهما: وجاءت سكرة الموت وهي شدّته وغلبته على فهم الإنسان, كالسكرة من النوم أو الشراب بالحقّ من أمر الآخرة, فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه. والثاني: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
وقد ذُكر عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الحَقّ بالمَوْتِ (.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن واصل, عن أبي وائل, قال: لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي, قالت عائشة رضي الله عنها هذا, كما قال الشاعر:
إذَا حَشْرَجَتْ يَوْما وَضَاقَ بِها الصَّدْرُ)4(
فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا تقولي ذلك, ولكنه كما قال الله عزّ وجلّ :) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ()5(. وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان:
أحدهما: وجاءت سكرة الله بالموت, فيكون الحقّ هو الله تعالى ذكره. والثاني: أن تكون السكرة هي الموت أُضيفت إلى نفسها, كما قيل : إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . ويكون تأويل الكلام: وجاءت السكرةُ الحق بالموت.
وقوله) ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (يقول: هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحقّ هو الشيء الذي كنت تهرب منه, وعنه تروغ.
--------------------------
الهوامش :
)4(هذا عجز بيت، وصدره كما في) اللسان : حشرج (* لعمـرك ما يغني الثراء ولا الغنى *
قال : الحشرجة : تردد صوت النفس وهو الغرغرة في الصدور . وفي حديث عائشة ودخلت على أبيها - رضي الله عنهما - عند موته ، فأنشدت :" لعمرك ... البيت "فقال : ليس كذلك ، ولكن :" وجاء سكرة الحق بالموت ". وهي قراءة منسوبة إليه وقال الفراء في معاني القرآن) الورقة 309 (عند قوله تعالى :" وجاءت سكرة الموت بالحق ": وفي قراءة عبد الله) ابن مسعود (وإن شئت جعلت السكرة هي الموت ، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت : جاءت سكرة الحق بالموت أ هـ . قلت : ض وهذا البيت لحاتم الطائي ، وروايته في ديوانه) لندن سنة 1872 ص 39 (:
أمـاوِيَّ مـا يُغْنِـي الـثَّرَاءُ عنِ الفَتَى
إذا حَشْـرَجَتْ يوْما وَضَاقَ بها الصَّدْرُ
)5(لعله سكرة الحق بالموت فإنها قراءة الصديق رضي الله عنه إلا أن تكون القراءة الأخرى رويت عنه أيضًا .