الثلاثاء 31 أغسطس 2021 - 14:02
الطاهر ساتي: العزائم والمدائح ..!!


:: منذ الخميس الفائت، تتواتر عزائم و ليالي المدائح ببعض أحياء الخرطوم، وذلك بمناسبة إطلاق سراح من كانوا في حراسات نيابة إزالة التمكين ومكافحة الفساد.. فالكثير من التُجار ورجال الأعمال، يُقارب عدهم المائة، خرجوا من حراسات النيابة بعد فترة احتجاز ترواحت ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر.. وقال بعضهم إن النيابة أطلقت سراحهم دون اتهام أو تقديمهم إلى محاكمة .. ولا أحد يعرف أسباب حبسهم وحجم الأموال المعتدى عليها، ولا أحد يعرف ما حدث لهم – و معهم – وراء القضبان .. كل تفاصيل قضاياهم مبنية على المجهول، والحقيقة الوحيدة هي أنهم يدعون أهلهم ومعارفهم إلى العزائم و المدائح ..!!
:: وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ في الخاطر، عندما أطلق صلاح قوش الحملة المسماة يمكافحة الفساد ثم حبس من أسماهم بالقطط السمان، واستبشر الشعب خيراُ بلسان حال قائل : ) ربما عرفوا درب العدالة أخيراُ(، ثم هلل وكبُر على ملاحقة القط السمان، قطاً تلو الآخر، بمظان أن النظام يعمل لصالح العدالة.. ولكن عمل النظام – كالعهد به دائماً – ضد العدالة، بدليل عدم مرور القطط السمان بقاعات العدالة قبل عودتهم إلى ديارهم.. وقد نصبوا صيوانات الفرح، و أقاموا العزائم و ليالي المدائح، كما يفعل البعض اليوم .. !!
:: وهناك حدث آخر، وكان طرفه المدير الأسبق بجامعة الخرطوم البروفيسور الزبير بشير طه وبعض مراكز الفساد بالجامعة، وتفاصيل الحدث موثقة بنيابة الأموال العامة، وكان يجب أن تأخذ العدالة مجراها.. حيث أن أحدهم – أسماه الزبير بالمجاهد، لأن سيادته كان أميره بالجنوب – عاث فساداً في أموال جامعة الخرطوم، اختلاساً وتزويراً.. واعترف للجنة التحقيق التي فتحت البلاغ في نيابة المال العام.. ولكن المجاهد كتب استرحاماً لأميره الزبير مطالباً فيه بتسوية الأمر بعيداً عن المحاكم..!!
:: وتأثر الزبير بالاسترحام، وخاطب لجنة التحقيق بالنص : ) نوصي بقبول التسوية، ونوصي بمخاطبة النيابة بذلك، وأن يدفع المذنب )40 ألف دينار( شهرياً خصماً من راتبه لحين سداد باقي المبلغ، وجزاكم الله خيراً(، هكذا وأد القضية، وما فيها من الاختلاس والتزوير.. وانتهت القضية، بحيث أمرت النيابة بإطلاق سراح من تعهد بدفع مبلغ الاختلاس بالتقسيط المريح )40.000 دينار، شهرياً(، وكانت العملة عامئذٍ ديناراً..والشاهد عند إطلاق السراح، احتفلوا جميعهم بتنظيم ليلة مدائح ..!!
:: ولذلك، عندما نطالب بدولة المؤسسات، وأن تحل أجهزة العدالة محل اللجان السياسية في قضايا المال العام، فلا نفعل ذلك إلا لكي لا يهرب الجاني من العقاب بالتسويات.. وكما تعلمون، فإن المُعتدي على المال العام يُعاقَب بالسجن أو بالسجن والغرامة أو بالإعدام، وليس بالتسويات و إجراءات ما خلف القضبان.. فالتسويات – وغيرها من الإجراءات الخفية – في قضايا المال العام بمثابة حافز للفاسد ليواصل فساده.. ومع عودة العزائم والمدائح، فإن كل الإجراءات التي تحدث مع المعتدين على المال العام خارج قاعات المحاكم، تعني أن حكومة ما بعد الثورة تمضى على خطى حكومة ما قبل الثورة ..!!