الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 13:02

بسم الله الرحمن الرحيم
أضواء كاشفة
مصطفى الجيلي خواجة
دفعني إلى كتابة هذا العنوان الخبر المؤسف الذي تم نشره عبر الوسائط الإعلامية في الأسبوع الماضي والذي يتناول تحذير منظمة الأغذية والزراعية العالمية )الفاو( من أن سبعة دول معرضة للمجاعة ومن ضمن تلك الدول تم حشر دولتنا العزيزة التي حباها اللـه بأرض خصبة أكثر من سبعين مليون هكتار صالحة للزراعة وإلى جانب الأراضي الزراعية الشاسعة فإن بلادنا تتميز بوفرة المياه ومن عدة مصادر تتمثل في الأنهار، الأمطار الغزيرة والمياه الجوفية المتجددة.
مصدر الدهشة والاستغراب أن بلادنا وفي هذا العام الذي تتوقع الفاو حدوث مجاعة فيه فقد شهدت أعلى معدلات لفيضانات الأنهار فضلاً عن الأمطار الغزيرة بمناطق البلاد وكيف تتعرض للمجاعة في ظل تلك العوامل التي تهيئ للإنتاج الزراعي لا سيما في مجال الحبوب وتحضرني بهذه المناسبة شهادة أحد الخبراء العالميين المنصفين عن بلادنا لقد أخبرني زميل عزيز كان قد ابتعث للدراسات العليا في الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الثمانينيات وكالعادة وفي اليوم الأول طلب البروفيسور الأمريكي وهو من أصل باكستاني طلب من الدارسين التعريف ولما جاء دور زميلنا وعرف نفسه ودولته وهنا تدخل البروفيسور وذكر للدارسين بأن السودان هو الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تنتج غذائها حتى ولو منعت عنها التكنولوجيا وهو وبالطبع يعرف إمكانيات بلادنا المهولة في اهم مصدر وهو الأراضي الزراعية الشاسعة عالية الخصوبة سهلة الاستثمار مع وفرة المياه ومن عدة مصادر كما أسلفنا فضلاً عن المناخ الجيد والمتنوع والملائم لزراعة كافة المحصولات الغذائية والاقتصادية هذا بخلاف الموارد الأخرى الضخمة والمتنوعة في مجال البترول والمعادن لا سيما الذهب وحتى اليورانيوم كما تتميز بلادنا بساحل طويل وهادي على البحر الأحمر والذي يتيح بأن يصبح ميناء بورتسودان ميناءاً إقليمياً للتجارة الدولية كيف تتعرض بلادنا للمجاعة إذا كان شرق ودمدني وفي المساحة الواقعة ما بين الشبارقة وحتى الفاو وبطول أكثر من أربعين كيلو متراً ولأول مرة تشهد تلك المنطقة الزراعة الكثيفة من السمسم والقطن المطري بنسبة انبات عالية جداً فضلاً عن المساحات الشاسعة إلى عمق الرهد والمزروعة بالذرة والذي بلغ طوله أكثر من متر ويبشر بإنتاجية عالية وقفت على ذلك في رحلة إلى الفاو في الأسبوع المنصرم، وهذا نموذج صغير جداً وكيف يكون الحال في المناطق الرئيسة للزراعة المطرية في كل ولايات السودان وتشير الأخبار المتواترة إلى زراعة عشرات الملايين من الأفدنة وبإنبات جيد فضلاً عن المشاريع المروية، صحيح أن بلادنا تعرضت للمجاعة في أوائل الثمانينيات ضمن دول عديدة جراء الجفاف والتصحر آنذاك أما المجاعة التي تتوقعها الفاو في هذا العام وحيث أنه لا يوجد جفاف وتصحر فربما بنت )الفاو( توقعاتها على تقارير منظمات مختصة أخرى استندت على واقع الحال حيث تصاعدت حدة الفقر إلى أكثر من 85% من السكان وارتفاع نسبة التضخم إلى أرقام فلكية )440%( حسبما أعلن بحيث أن مرتبات كل العاملين في القطاعين العام والخاص لا تكفي أسرهم لأكثر من أسبوع واحد أما شريحة المعاشيين فقد أصبح الحد الأدنى للمعاش وكذلك الحد الأعلى )7,000( جنيه يستوي في ذلك الموظف الذي أحيل للتقاعد في الدرجة الأولى الخاصة مع خدمة حوالي )40( عاماً مع موظف في الدرجات الدنيا مع خدمة في حدود )25( عاماً على سبيل المثال وعلى هذا الواقع المرير فإن نصف راتب المعاشي يذهب لفاتورة الأدوية للأمراض المستدامة التي لا ينجو منها معاشي، وبعد هذه المقدمة الطويلة التي كان لابد منها.
نعود لعنوان المقال عقبات الاستثمار لكون الاستثمار هو عصب الاقتصاد والاقتصاد هو عماد الدول بالطبع للفوائد العظيمة التي يحققها الاستثمار على اقتصاديات الدولة من حيث تنمية الموارد المادية والبشرية بتوفير احتياجات البلاد من السلع والخدمات وزيادة حجم الصادرات وتنوعها لتوفير العملات الحرة التي تستنزفها الواردات من السلع خاصة السلع التي يمكن توفيرها محلياً مثل القمح عبر الاستثمار الوطني والأجنبي وخلال أكثر من عشرين عاماً خلال العهد المباد ظللنا نسمع ونقرأ عن اهتمام الدولة بالاستثمار كما ظللنا نقرأ ونسمع ونقف على معوقات الاستثمار ووعود المسئولين بتذليلها وسط هذا وذاك كانت المحصلة صفراً كبيراً قياساً على إمكانيات البلاد الاستثمارية الضخمة التي أشرنا إليها آنفاً وفي ظل الفرص الكبيرة للاستثمار الأجنبي والاستثمار العربي فضلاً عن الوطني ومن الملاحظ أن المستثمرين الوطنيين قد هجر معظمهم بلادنا للاستثمار في الدول المجاورة خاصة أثيوبيا لتوفر المناخ الجاذب للاستثمار بحق وحقيقة وليست شعارات جوفاء وتصريحات لا معنى لها حيث لا توجد هناك عقبات ولا تعقيدات ولا مطاولات في تلك الدول ولا )عكاكيز( مثلما يحدث عندنا للأسف العميق حيث أن ثلاثة أو أربعة من العطالة والفاشلين أو من يطلق عليهم )بمتلقي الحجج( يمكنهم تحريض سكان قرية أو منطقة كاملة لتعويق قيام مشروع زراعي يفيد المنطقة والبلاد والنماذج على ذلك كثيرة وحدثت في عدة ولايات على الرغم من التصديق للمستثمرين في أراضي حكومية ظلت بلقعاً لمئات السنين وإذا أخذنا ولاية الجزيرة كنموذج والتي استقبلت خلال خمسة عشرة عاماً مضت عشرات الوفود من المستثمرين العرب والأجانب إلا أن كل المحاولات لم تثمر شيئاً ذي بال لأن التشريعات والقوانين وحدها لا تكفي وهي بحاجة إلى آلية فاعلة إذ أن أكبر العقبات التي واجهت ولا تزال تواجه المستثمرين هي مسألة تبرئة الأرض والتي تحول دون الاستجابة لطلبات المستثمرين الجادين من داخل وخارج البلاد وللتدليل على ذلك أشير إلى بعض النماذج من عدة حالات تعرفت عليها ففي الموسم الصيفي )2014م – 2015م( بمشروع الجزيرة دخلت الهيئة العربية للإنماء الزراعي في تجربة شراكة مع بعض المزارعين لقسم ري شلعي وقامت الهيئة من جانبها بتوفير كل التمويل للتحضير والزراعة الإرشاد والحصاد وحققت التجربة نجاحاً كبيراً في الإنتاج والإنتاجية ولدى مخاطبته احتفال الحصاد في منطقة الهدى محلية المناقل أكد الشيخ المزروعي رئيس الهيئة العربية للإنماء الزراعي استعدادهم لتوسيع الشراكات مع مزارعي مشروع الجزيرة بكافة الأقسام وكشف عن رغبة الهيئة الدخول في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بولاية الجزيرة وخارج نطاق المشروع وتقديم الهيئة لطلب الحصول على مساحات من الأرض لهذا القمح منذ نحو عامين آنذاك وأضاف قائلاً أنه شخصياً ظل يتابع الأمر وجاء لمقابلة والي الولاية آنذاك أكثر من مرة دون جدوى قال ذلك في حسرة وألم!! كما أن أحد المستثمرين تقدم هو الآخر بطلبه لسلطات الولاية بالتصديق له بمشروع زراعي مروي في مساحة 600 فدان لزراعة نوعية محسنة من القمح وأن المستثمر صاحب الطلب يعد من أكبر مستوردي القمح والدقيق والذي ظل يتردد مندوبه على المسئولين في الولاية لعدة سنوات خلال العهد البائد دون جدوى.
أما في مجال الصناعات التحويلية تقدمت شركة شاندونق الصينية بإقامة مجمع صناعي متكامل للحليج وصناعة الخيوط والملابس الجاهزة تم التصديق للشركة بمساحة أقيم عليها المحلج والذي بدأ إنتاجه في حليج وتصدير القطن منذ أكثر من عشرة أعوام بدلاً من استخدامه في صناعة الملبوسات لتحقيق القيمة المضافة وظلت الشركة تلاحق المسئولية في الولاية بالتصديق بمساحة إضافية في حدود ثلاثة ألف متر مربع لإقامة مدينة صناعة الملبوسات كما أن أحد المستثمرين الوطنيين والذي حصل على تصديق مبدئي من إدارة الاستثمار لإنشاء مدبغة صغيرة وحديثة في مساحة فدان واحد في ودمدني تكفي لمعالجة الذبيح بالمدينة وما حولها لأن المستثمر يعمل أصلاً في مجال تصدير الجلود الخام من الولاية وبناءً على قرار وزارة التجارة بمنع تصدير الجلود الخام أقدم على إنشاء مدبغة لا سيما بعد توقف مدبغة الجزيرة بودمدني نحو ثلاثين عاماً وتم التصديق له بمحلية أم القرى في منطقة مخصصة للاستثمار وقبل بذلك الموقع على الرغم من عدم توفر خدمات المياه والكهرباء ولما كانت وزارة البيئة آنذاك طلبت منه إنشاء وحدة معالجة ووافق على ذلك على الرغم من التكاليف الباهظة لمحطة المعالجة والتي احتاجت لمساحة إضافية في حدود ثلاثة أفدنة وتم رفع الأمر لما تسمى بلجنة التخطيط العمراني والتي ظل يتردد عليها المستثمر من الخرطوم شهرياً منذ مطلع عام 2014م وحتى قيام الثورة المجيدة دون أن ينال مقصده على الرغم من الشكاوى التي تقدم بها لولاة الولاية المتعاقبين وللأسف العميق فإن رد إدارة الاستثمار على الولاة )لا توجد أرض( وهو رد مضحك بالطبع!!
لا شك أن قيام مدبغة قريبة من ودمدني تساهم في إصحاح البيئة حيث أن جلود الأضاحي أصبحت تشكل أكبر مهدد بيئي وإضافة إلى ما ذكر فإننا نشر أيضاً إلى العراقيل والمهددات التي ظلت تواجه مشروع زايد الخير بشرق الجزيرة ومنذ نحو أكثر من خمسة عشر عاماً متصلة على الرغم من أن المشروع أحال أرضاً ظلت بلقعاً لميئات السنين أحالها إلى خضرة وحقق المشروع إنتاجية غير مسبوقة ومن أجود أنواع الأرز في العالم.
هذا ما كان من امر ولاية الجزيرة أما بالنسبة للولاية الشمالية وبالمناسبة الشمالية تضم أكثر من ستة ملايين فدان صالحة للزراعة وغير مستغلة وخلال الأعوام الأخيرة اهتم المستثمرون من السعودية والخليج بصفة خاصة للاستثمار الزراعي في الشمالية وعلى سبيل المثال فإن مشروع الراجحي بمحلية الدبة حقق إنتاجية عالية في القمح ولعدة مواسم باستخدام الري الحديث وإزاء هذا النجاح الكبير الذي شجع المستثمر لاستثمار كل الأرض المصدقة له في حدود 450 ألف فدان بريها من النيل عبر الطلمبات وشرع بالفعل في شق الترعة لأكثر من 70 كيلو متر ولما كان المشروع أساساً استثماري وقفي فقد وعد المستثمر مواطني الغابة بإقامة مستشفى ومدارس إلى جانب الطرق المسفلتة )إلا أن متلقي الحجج( الذين أشرت إليهم في صدر هذا المقال حرضوا المواطنين للاعتراض على شق الترعة وازدادت احتجاجاتهم عقب الثورة في ظل الهشاشة الأمنية وقد اضطر المستثمر آسفاً لسحب آلياته ولا شك أن أهلنا بالغابة ندموا ندماً مكتوماً تجاه تصرفات المتهورين الذين لا يعرفون ما يضرهم وما ينفعهم وخسرت البلاد مشروعاً أنموذجاً لجذب الاستثمار الزراعي في الولاية وما يحدث الآن من احتجاجات واعتراضات وللأسف مدعومة بكتابات صحفية من أبناء القولد لعرقلة المشاريع التي أقيمت بغرب القولد لا شك أن العراقيل والعقبات التي واجهت مشروع الراجحي ومشاريع غرب القولد هي التي تسببت في تأخير تنفيذ المشروع البحريني في منطقة المحس جراء احتجاجات المواطنين قامت سلطات الولاية مؤخراً بنزع المشروع لعدم استثماره خلال خمسة أعوام لاشك أن البحرينيين ينتظرون حسم التفلتتات التي واجهت مشروع الراجحي ومشروعات غرب القولد ومشروع شرق تنقسي )سلب( أرقي شمال الدبة.
صفوة القول:
أنه لابد حسم القانون لكل من يحرض أو يعرقل أو يشكل مهدداً لإعاقة الاستثمارات خاصة وأن جميع الأراضي بالنماذج التي أشرنا إليها هي في الواقع أراضي حكومية لأن الملك الحر لا يمكن نزعه إلا بقرار سيادي وللمصلحة العامة مع التعويض المجزي لمالك الأرض.
• ولنا عودة بإذن اللـه.