الإثنين 20 يوليو 2020 - 15:29
ملاحيظ جيش


عبدالحميد عوض - أجندة


)1(
لا جدال مطلقاً في حق القوات المسلحة السودانية، اختيار طريق القانون والقضاء الطبيعي لملاحقة كل من يتجرأ بالإساءة لها، أو فبركة أخبار ضدها، أواتهامها والتقليل من شأنها.
نعم لا جدال في ذلك، بل تستحق على تلك الخطوة، الإشادة والتقدير، لأنها تؤسس لمبدأ سيادة حكم القانون والإختصام للقضاء الطبيعي مع من يكتب ضد القوات المسلحة سواء ناشطين أو إعلاميين.
)2(
لكن علينا أن نذكر السادة قادة القوات المسلحة، أن الإساءة الكبرى للمؤسسة القومية، حدثت في 30 يونيو 1989 عبر ضباط داخل الجيش بقيادة العميد عمر البشير، استغلوا اسم الجيش وشرفه، ليطيحوا بحكومة منتخبة ويستولوا على السلطة بأمر مباشر من الحركة الإسلامية، وقد اعترف بذلك البشير، في غمرة صراعه اللاحق على السلطة مع الدكتور حسن الترابي عام 1999 فيما يعرف تاريخياً بمفاصلة الإسلاميين، فقد قال جهاراً نهاراً إنه نفذ انقلاب 1989 بناء على آوامر من الحركة الإسلامية وليس بتعليمات من قيادة القوات المسلحة.
)3(
تلك كانت الإساءة الأولى التي وجهت للجيش السوداني ثم تواصل مسلسل الإساءات، حتى تحول الجيش لآداة في يد الحزب الحاكم، وأعمل فيه كل أدوات التمكين والهيمنة عليه، من فصل لكثير من شرفاء القوات المسلحة، وأدخل بديلاً عنهم كوادره التي تدين له بالولاء المطلق، ولم يرض بكل ذلك، فقد ظل يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك تحركات الجيش على الأرض، ومن يغالط عليه الرجوع لكتاب “السيف والطغاة” لكاتبه السر أحمد سعيد، وهو واحد من أميز ضباط الجيش السوداني، وثق في كتابه لتجيير “سيف” الجيش، لصالح “طغاة” الجبهة الإسلامية، ليوطنوا أركان دولة الفساد والاستبداد.
)4(
كل أفاعيل تلك العصبة على مدى 30 عاماً، شكلت تلقائياً صورة سلبية للجيش في أذهان كثير من السودانيين، وهي صورة لا يتمناها أي وطني لجيش دولته، وكاد الناس أن يفقدوا الثقة كلياً في الجيش لولا أن جاءت ثورة ديسمبر المجيدة، التي أعادت للشعب، ثقته في جيشه، ولن أبالغ إن قلت، أعادت للجيش ثقته في نفسه، بعد أن ذهب الثوار في 6 إبريل الأغر للجيش لمطالبته بالانحياز لخياراتهم في الإطاحة بنظام المؤتمر الوطني المشؤوم، وتحت ضغط الرأي العام العسكري حدث الانحياز والألتحام العظيم وتعدلت الصورة السلبية 180 درجة.
اءت بعد ذلك عملية فض الاعتصام، “وحدث فيها ما حدث” لتتارجح الصورة من جديد، ثم فرضت الشراكة نفسها بين العسكر والمدنيين من باب التسليم بالأمر الواقع من جانب الطرفين، وبقيت الهواجس والشكوك كما هي حتى اللحظة.
)5(
تلك هي الحقائق التي نراها دون تزييف أو تحريف، وتفرض على قيادة الجيش السوداني، تحدي تعديل الصورة المرسومة عند البعض عن الجيش، وهو أمر يحتاج لفعل وعمل، بدايته إبعاد الجيش عن السياسة وألاعيبها القذرة التي ورطه فيها النظام المخلوع، وربما تحاول بقايا النظام إبقاءه في تلك الورطة.
المطلوب كذلك إعادة بناء الجيش بعد عقود من التدمير الممنهج والاحتكار المتعمد، ليرى فيه كل سوداني نفسه في قيادته وقاعدته، كما يجب تحصينه من الاختراقات الحزبية يسارها ويمينها شرقها وغربها، ومن الواجب تصفية أي وجود لمن يأتمرون بأمر أحزابهم، أكثر من الائتمار لتعليمات الجيش.
إذا حدث كل ذلك، في تقديري لن يحتاج الجيش للذهاب لساحات القضاء، ولن يجرؤ أحد على المساس به، ولو فعل لن تكون جريمته تحت طائلة مواد قانون المعلوماتية بل تحت طائلة الخيانة العظمى.