الثلاثاء 5 أكتوبر 2021 - 20:05

تقرير: هبة محمود
في وقت تمضي فيه الوساطة للتهدئة بين المكونين العسكري والمدني، عقب ما اعتراها من مشادات ومهاترات كلامية أخيراً، خرجت أمس الأول مصادر تحدثت عن اشتراط كل من البرهان وحميدتي المصالحة بابعاد محمد الفكي. والاشتراط وان كان في حد ذاته يعمق هوة الخلاف الا انه بدا مفتقداً الحكمة بعض الشيء وفق مراقبين للشأن السياسي، لاعتبارات كثيرة في أولها تصريحات حميدتي السابقة بأن الجلوس مع الفكي عقب انتقاصه قدر العسكريين وخصمهم من رصيده السياسي لن يتم إلا عبر الوفاق، مما يعني تقبله واستعداده للعودة مرة أخرى لطاولة الاجتماعات إلى جانب الرجل، لكن في ذات المنحى يرى البعض الآخر صحة المصدر في ما نقل، سيما في ظل غضبة العسكر التي قادتهم لرفع الحراسة الخاصة عن الفكي وتأييد حاضنة مناوي وجبريل، مما يؤكد حسم المكون العسكري أمر استمرارية الجلوس حول طاولة واحدة مع الفكي. وفي خضم ضبابية مجريات الأحداث وما يدور داخل الغرف المغلقة تصبح كل التوقعات محتملة والخيارات متعددة، كما تصبح التساؤلات مشروعة على كل الاحتمالات حول صحة الخبر والقصد من تسريبه.
إيادٍ عابثة
لم يكن متوقعاً لدى الكثير أن تمضي الشراكة وفق ما مضت عليه الآن، لاعتبار أمر واحد وهو )استقواء( المكون المدني بالمجتمع الدولي، وذلك عقب جلوس المجلس العسكري وقتها إلى قوى الحرية والتغيير والتوصل إلى اتفاق معها قاد إلى شكل الشراكة الحالي بعد ضغوط كبيرة. وفيما كان كلا الطرفين يتحدث عبر المنصات الإعلامية المختلفة عن )التناغم( في العمل، كانت بالمقابل الصدور تضيق ذرعاً باليوم الذي سبق، وتهفو النفوس إلى فض شراكة معطوبة كشفت علاتها محاولة البكري الانقلابية. وفيما استنكر التجمع الاتحادي اشتراط البرهان وحميدتي لازاحة الفكي وعد الأمر غير مقبول، يرسم بالمقابل خبراء سيناريوهات عديدة لما تم تسريبه، أولها محاولة نسف الوساطة القائمة حالياً لرأب الصدع بعد أن تم المساس بالعسكريين. وبحسب المحلل السياسي عوض الله أزهري فإن ثمة إيادي خفية تعبث بالمشهد همها في الأول والأخير فض الشراكة بين المكونين. ويرى في حديثه لـ )الإنتباهة( أن تسريب خبر الوساطة في وقت دعا فيه مبعوثون دوليون إلى الالتزام بالشراكة، يؤكد ما ذهب إليه وهو وجود إياد عابثة للمزيد من ارباك المشهد وتعقيده لتمرير أجندتها من خلال الفوضى التي ستحدث. ونبه أزهري إلى ضرورة تحكيم العقل من قبل جميع الأطراف لقيادة دفة البلاد إلى بر الأمان، واكد في الوقت نفسه ضرورة عدم الالتفات إلى ما يُشاع.
)هشتاق( تنصيب
وفي أعقاب ذلك ذهب البعض للحديث عن وجود تمثيلية بطلها الموالون للفكي انفسهم، وذلك لتنصيبه رئيساً للمجلس السيادي خلال فترة رئاسة المكون المدني وفق ما اقتضت الوثيقة الدستورية، ووضع الفكي في موضع القوة عقب تصديه للمكون العسكري والمجاهرة في وجهه. وبدورها تعالت أصوات رافعة )هشتاق( تنصيب الفكي للسيادي في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وعلى صفحات إعلاميين، وهو ما يصب في خانة التمثيلية المصنوعة للمجيء بالرجل في المنصب الأول للبلاد. ووفق مصادر تحدثت لـ )الإنتباهة( فإن كلا من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو لم يقوما بوضع شرط بإبعاد الفكي عن المجلس للمصالحة، وأكدت في ذات الوقت حديث حميدتي الذي أطلقه على الملأ مؤكداً فيه أن الجلوس إلى الفكي سيكون بالوفاق، مما يعني أن حميدتي ترك الباب مفتوحاً أمام الصلح. لكن الخبير السياسي نصر الدين بابكر يرى بالمقابل أن ساحة العمل السياسي حبلى بالمفاجآت، ويذهب في تحليله لـ )الإنتباهة( إلى أن فترة مثل الفترة الانتقالية ملأى بالتجاذبات تجعل من الصعوبة بمكان الاستناد إلى تصريحات تطلق في العلن، ونوه قائلاً: )العود لو ما فيه شق ما بقول طق(، وهو ما يعني أن غضبة المكون العسكري حيال تصريحات الفكي مازالت شديدة، مؤكداً في المنحى نفسه ضرورة التزام الأطراف بالمصالحة وإغلاق الباب في وجه المتربصين.
أزمة ثقة
وهنا تتباين الأصوات حول الشرط الملغوم إن صح التعبير، فبعضها يرمي اللوم على المكون العسكري ويعتبر الأمر محاولة منه لخلق أزمة من خلال ما اشترط، تقوده إلى الانتقال إلى خانة حل الحكومة وتعيين حكومة تصريف أعمال وقيام انتخابات عاجلة وفق ما يخطط، بينما ذهبت بقية الأصوات إلى أن الخلاف بين المكونين أكبر من أن يحل بإبعاد الفكي. وفي ذات السياق يؤكد المحلل السياسي خالد البشير أن الخلاف أعمق وأخطر من أن تنهيه مصالحة أو وساطة ما، موضحاً في حديثه لـ )الإنتباهة( أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في عدم الثقة بين الشركاء، وهو ما جعل المشهد بالشكل الذي عليه، وقال: )حتى نكون واقعيين فإن الخلاف عميق جداً، ولن يجسر الهوة ذهاب الفكي أو غيره، لأن هناك أزمة ثقة حادة بين الأطراف، وحال تم التوافق والتراضي فإنه سيكون ظاهرياً مثلما كان خلال العامين السابقين، وأنا في اعتقادي أن الأمر يجب أن يكون بتعزيز الثقة بين الأطراف والعمل بيد واحدة(، غير أنه عاد وأكد أن تعقيد الأمر يتطلب جهداً كبيراً عقب رد الفعل التي ظهرت أخيراً وافرزت حاضنة سياسية جديدة يدعمها المكون العسكري وداعمة له.