الجمعة 8 أكتوبر 2021 - 13:30

من المهم التأكيد ـ عدلاً وصدقاً ـ على ما بدا يحس قبل التداول من أن النسخة الثانية لحكومة الفترة الانتقالية بدأت إلى حد كبير تنظر إلى القضايا الوطنية والمصيرية بزوايا أكثر عقلانية وتتناولها بأساليب ومناهج يجتهد في أن تكون أكثر رزانة، وليس هذا حديثًاً مرسلاً فالأشياء تعرف بأضادها، والمخرجات تشابه ينابيعها، فالنسخة الحكومية المنصرفة تسيدت فيها عواطف كوادرها من الناشطين بنوايا )رمادية( على عقلها المدبر والمقدر، وهذا مادفع باتخاذ كثير من القرارات العجلى الخاطئة وما جعل النظر إلى الموضوعات بسطحية الخيال لا بعمق الواقع، وهو ما انحرف بمفهوم السياسة من فن الممكن إلى فن كسب المواقف اللحظية وتحقيق الانتصارات الصغيرة .. وواضح أن نتائج تحليل هذه المقارنة ستشير إلى حاضنتي النسختين، الأولى المضطربة بالتنازع وشره الاختطاف، والثانية التي على الأقل ملتزمة بإتفاقات واتعظت من الأولى برسم النهج وتجويد إدارة التداول واتخاذ القرار، وهذا ما حتم إحلال عدد مقدر من السياسيين المحترفين في مواقع الناشطين .
ملف العلاقة القدرية مع الجارة مصر )الدولة( ظل يراوح في سوق السياسة السودانية منذ ما قبل الاستقلال، وقليلة هي المواسم التي روج له فيها بأنه البضاعة الرابحة المستمرة، وتناولي هذا من زاوية النظرة السودانية الوطنية الحصيفة الواجب إيجادها، لا السياسية اللحظية النفعية أو العبثية المترددة، التي تعرف ماذا تريد وماذا لا تريد من هذه العلاقة والتي أكرر أنها قدرية ومصيرية لا فكاك منها وشواهد ذلك تملأ )الأرض والسماء( ولاتحتاج إلى كثير تفصيل، والتي نحن في إدارتها )مخيرون( حسب معطيات الواقع ومصالح الأمان وجني الفوائد على قاعدة )الكل كسبان( لا مسيرون حسب أي معطيات أخرى أو على أي قواعد مختلة .
بالمفاهيم المشبعة وبالإدراك النضج وبالنظر الشامل، أعتقد أن السياسيين المحترفين وإن اختلفت توجهاتهم، والعسكريين الاستراتيجيين الذين يديرون شأن البلاد اليوم دفعوا بملف العلاقات مع مصر في صحيح الاتجاه بصحيح النظر، وأدلل بصحة النظر هذه بما توافر من قدرة وإرادة الآن وفي ظل التحديات العنيفة التي تواجه العلاقات والإقليم على اتخاذ القرارات الصحيحة والمواقف الواضحة بشأن القضايا الحيوية وعلى رأسها قضايا الأمن الشامل والأمن المائي وخطط التنمية المشتركة .
زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للبلاد التي تمت السبت الماضي سبقتها بعض الكتابات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لرفضها، وصورت بعض المواقع المحسوبة الأمر وكأنه حملة كحملات زمان الهستريا، ومادة مشروع الحملة هذه كانت تحمل من عناصر الرواسب القديمة المقعدة، والتي في اعتقادي اعتبرها كانت إساءة لأنفسنا أولاً قبل الآخرين إذ كيف أسمح لنفسي تقبل فكرة إني )مغفل( وأن هناك من سيأتي ليروضني ويأخذ حقي وأنا الذي ملأت الأرض ضجيجاً بأنني مفجر الثورات ومعلم الشعوب .
لم تفت على فطنة الكثيرين ملاحظة الأيادي الخفية في مشروع الحملة، )وليس هو تحدثاً بنظرية مؤامرة( ولكن سيكون من غباء المتضررين من التقارب السوداني المصري أن لا يستثمروا في بقية ناشطي القوالب الجامدة، هذه الملاحظة الفطنة ولّدت النفور من )الصنائع( ومن دعوات الحملة التي تُركت خلف الظهور .. لكن العامل الأكبر في فشل مشروع الحملة المتواضعة هو ماذكرنا بعاليه من بعد النظر العقلاني والسياسي لهذه العلاقة القدرية من قبل المكونات السياسية، التي مارست دورها المسؤول في اعتقادي لنصرة توجهاتها وسياساتها ومخاطبة الرأي العام ومثال على ذلك البيان الذي أصدره حزب الأمة القومي الذي رحب فيه بالزيارة وأبدى فيه نظرته الاستراتيجية وموقفه مما يكتنف العلاقة من تحديات مصيرية، وشهدت بأم عيني فشل حملة الرفض ووثقتها تصويراً بشارع إفريقيا )المطار( متمثلة في مجموعة صغيرة من متظاهرين يحملون لافتة أنيقة كتب عليها )لا لتمصير السودان( عجبي !! أن اعتبرتها أيضاً إساءة لأنفسنا وأن أتخيل بلادنا لحظتها كـ)الملاية( المرفوعة من إناء الغسيل وتحتاج إلى )المصيير( .. وإلى الملتقى