الأربعاء 20 أكتوبر 2021 - 14:38

)1(
للأسف – الأحزاب الراقية في العالم المتحضر تُقدم للجمهور برنامجاً لخدمة حياتهم، وبه تُنافس الآخرين، وعلى أساس البرامج يمكن للمواطن أن يؤيد هذا الحزب اليوم، وغداً يؤيد غيره، ما يهم في الأمر هو الأصلح للحياة فقط!
أما أحزابنا وجماعاتنا المتخّلفة فهي تُقيد الناس كالقُطعان باستمارات قَيْد وتسجيل، وتربطهم ببطائق عضوية، تَعقبها جلسات تعبوية تستحضر كل عصبية تؤيدها أو تُنَفر عمن سواها، حتى تصبح الأحزاب قَدَراً لا يستطيعون منها فكاكاً، وعليها يَحيون وفيها يموتون!!
أحزاب لا تمتلــك مشاريع حياة وبناء دولة تحتضن جميع مواطنيها، وبوصلتها ليست باتجاه بناء الوطن كلّ الوطن وحماية الإنسان أي إنسان.
فإننـا نجدُهــا )بمجرد الانتماء إليها( تخلُق لدى أتباعها حالة من الشّعور بالتّميُّز، وترسخ في وجدانهم أنهم ليسو – سلم عبور – كغيرهم من القطعان!!
إنهــــا الأحزاب والجماعات في بلادنا.. لا شغل لها سوى خَلق عَصبيات جديدة لحماية نفسها، شأنها شأن المذهبية والسلالية والمناطقية، وكل عصبية مُنتنة!!
)٢(
بسبب ضعف مرتكزات النظام الديمقراطي للدولة، يئست الأحزاب السياسية السودانية من إمكانية التَّغيير بقوة الدّستور، فاستغلت موجة الاحتجاجات لتحقيق ما لم تحققه بالطّرق الدستورية، ولكنها لم تكن جاهزة بخارطة طريق التَّغيير، وبالغت في التأجيج وعسكرت جانباً من الاحتجاجات وشخصنتها، وبذلك تحولت الثورة إلى كارثة وفشلت إلا في إسقاط النّظام وتفكيك الجيش وضياع مشروع الدّولة بحذافيره..
كان المؤمل من الأحزاب والجماعات السياسية أن تنقل البلاد إلى مصاف الدول المتحضرة من خلال برامج تُنعش الحياة وتتجاوز العصبيات، ولكنها – للأسف – تحولت إلى: شَفَراتٍ تمزق ما بقي من لُحمة الحاضر، ومَعَاولَ تنبش جيف الماضي، وألغامٍ تُعيق مسيرة الأجيال.
)٣(
مشكلة الأحزاب والتكتلات في بلادنا أنها تحولت إلى مجرد اصطفافات عُصبويّة، ولم يعد لديها مشاريع وطنية بقدر ما لديها من خصوصيات تَجمع فريقاً من الأتباع لفرضها على الحياة وضرب من يخالفها حتى في مُجرد وجهات النظر، وفي سبيل ذلك تستنفر سائر أنواع النّعرات الدينية والعِرقية والمناطقية.. فتباً لها من أحزاب وتب!!
عُصبَوِيَّة الأحزاب والجماعات في بلادنا هي التي أفسدت فِطرة الشباب النَّقي ولوَّثت وطنيّتهم، وزجَّت بهم في معارك أطماعها على السُّلطة والنّفوذ، حتى بات بعضهم يُخربون حاضرهم بأيديهم، ويفخّخون مستقبلهم بفيروس الكراهية الذي حُقِنت به عقولهم!
لا يمكن أن نلوم إلا تخلفنا وغياب الديمقراطية الحقة.. عاملان رئيسيان وراء فشل الثورة.. مفهوم الدولة العميقة.. والتي أسُقطت ظاهرياً، وظل حضورها قوياً وموجهاً للأحداث من الناحية الفعلية.. ويضاف إلى هذا المؤامرات الخارجية والتي تناغمت ممارستها مع توجه البشير وحكومته، حتى انحدروا بالبلاد إلى هذه الهوة السحيقة..!
)4(
مَن ينتظر مِن عصابات الرشوة وأباطرة النهب تغييرَ الواقع الفاسد الذي أنشأوه بالمكر والتلصص والخداع.. هو كمن يتوقع من القوارض أن تهدم الجحور التي حفرتها تحت جنح الظلام، بعيداً عن أعين الناس.
علينا أن ندرك أنه لا وجود لخط ثالث بين الإصلاح والفساد، فليس هناك نصف إصلاح ولا نصف فساد؛ وعلى حمدوك والبرهان أن يعرفا أن خلاص البلاد والسير بها نحو الأفضل لا يمكن أن يتأتى إلا بهدم جحور القوارض، وقطع دابر هؤلاء اللصوص الذين مردوا على الفساد؛ وأن عملية كهذه ستجد ترحيباً منقطع النظير، من شعب سئم الظلم والحيف طوال عقود، ويتوق إلى العيش في كنف العدل والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات…
أما سياسة اللمسات الخفيفة، والإجراءات الآنية، والوعود السخية، فهي بالونات ينخدع بها الأطفال لحظات؛ ولكنها لا تلبث أن تنفجر، ليكتشف الأطفالُ أنها ليست سوى جرعة هواء!
وعجينة )سقوط(، مكوّنة من خلطة »السياسية + المناطقية + ولاء العشيرة + الطائفية«، ويمكن اختصارها بـ)#عجينة _ سقوط(.
وهي في الحقيقة نكبة الأوطان ومَفْسدة الشعوب، وسبب عَفَن الأحزاب والتيارات في بلادنا؛ بل هي ما أشبع أمتنا تخلفاً وبؤساً..
أخيراً:
نجدد الدعوة لفرقاء الأزمة السياسية أن يقدموا التنازلات من أجل الإنسان والوطن ولو على حساب خُصوصياتهم وتطلعاتهم، فالوطن أبقى من الأحزاب والتّكتلات، والشعب أكبر من الأتباع والجماعات، والتَّاريخ لن يرحم العابثين بسكينة الناس وأمنهم وأرزاقهم..!!