الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 10:15
عبد الله الشيخ يكتب: البكاء في مِحراب حمدوك!

كيف لا تتماوج الدولة الدينية وتعلن ظهورها مرة أخرى في السودان، ودولة رئيس وزراء الثورة - السيد حمدوك - ينتصر لمهووس باكٍ على المنبر؟ كيف لا تتمخض التجربة وتلد سلطة قامعة إن كانت حكومة الثورة تقصي البروفسير محمد الأمين التوم عن منصبة في وزارة التربية ارضاءاً لدعاة الهبوط الناعم ؟ كيف لا، والذهن السُّودَاني لا يكاد يفصل بين الدِّين والسياسة، ويتمخض في كل مرحلة ولا يلِدُ إلا دولةً تتمنطق بالقَداسة؟
بقراءة التجربة السودانية نجد أن سلطنة الفُونْج قامت على إدِّعاء تطبيق الشَرِيعَة، وتفجرت المَهدِية من تحت عباءة الطريقة السمّانية شعارها )العودة بالنّاس إلى معين الدِّين الصافي( ، وكذا أعلنت دولة الإسلام السِياسي - الإنقاذ - مشروعها بالانقلاب العسكري، وتبنَّتْ وراثة التجربتين السالفتين على أُس بيعة الإخوان المُسلِمين لجعفر النميري إماماً ومجدداً، بادِّعائه تطبيق الشَرِيعَة في ما سمي بقوانين سبتمبر 1983م ..هذه التجارب الثلاث - الفُونْج والمَهدِية والإنقاذ - تلتقي على صعيد القَداسة لتؤكد حقيقة الرتق الواقع في الذهن السُّودَاني بين ماهو ديني وماهو سياسي. ولما كان ديدن الاخوان المتاجرة في المُقدَّس من أجل البقاء في السُلطَة، فهل من الطبيعي أن يخرج من الرحم السُّودَاني سليل – نظام سياسي اجتماعي - يتحرر من سلطان القداسة؟
الواقع أن القُوى الوطنية بما فيها الحِزْب الشيوعي لا تتبنى فكرة إقصاء الدِّين عن الحياة. كيف ذلك والحزب الشيوعي السوداني يستعين باللغة الدينية في خطابه السياسي، ويلاحَظ اهتمام الحزب بالمناسبات الدينية، إذ عقد الحزب مؤتمره الرابع في عيد الأضحى، وخلال ذلك المؤتمر دعا الحزب إلى إغلاق الطريق أمام المتاجرين بالدين )لأن الدين منهم براء براءة الذئب من دم إبن يعقوب(.
كما يرفض الحزب تصوير الحراك السياسي في السودان كما لو أنه صراع بين قوى الإسلام وقوى الإلحاد معلناً تصديه لذلك )بخطٍ يضع الدين في مكانه بين حركة الشعوب(.. ومن جهة أخرى فإن )الحركة الشعبية لتحرير السودان( تعلن أنها لا تتحدث عن العلمانية بمفهومها في الثورة الفرنسية، ولكنها تتحدث عن )علمانية تعني أن يكون هناك فصل دستوري بين الدين والدولة، بمعنى عدم استغلال الدولة لأي موارد من أجل حماية دين معين في دولة متعددة الأديان(.
وكذا فإن فشل الإخوان في تطبيق مشروعهم الحضاري - الشَرِيعَة - في واقع الحياة السُّودَانية، لا ينفي دورهم في التبليغ بأن النُّصوص المقيَّدة كأداة للإصلاح الاجتماعي هي محل نظر. لقد هيأ سَطوهم ساحة السُّودَان لتقبل إسلام الفكر ومباديء التَّصوُّف العلمي، فالإخوان تنصَّلوا عن تطبيق الشَرِيعَة في بروتكول مشاكوس / يونيو 2002م، ورضخوا آخذين بمبدأ )المواطنة( أساساً للحقوق والواجبات، وهو مبدأ أصيل في )أُسس دستور السودان(.. ولكن،
ولكن.. ولكن تجربة الإنقاذ المريرة ربما لن تكون آخر تجربة تنعيف تحت مُسمى القَداسة، فقد يتأخر كثيراً ولوج السُّودَانيون إلى براح الدّولَة المدنية – وشُكراً حمدوك - بموجة ثانية وربما ثالثة، يكون أبطالها مثل ذاك المهووس الباكي، ولا حول ولا قوة إلا بالله!