الإثنين 27 ديسمبر 2021 - 15:25
أماني أيلا تكتب: انهيار الدول الفاشلة،،


إن سألت أحد عشاق كرة القدم عن أخبار منتخبنا القومي في بطولة كأس العرب الأخيرة ربما أجابك بحسرة: )نحن ما عندنا منتخب ياخ(، ولا يقصد بذلك نفي وجود المنتخب كلياً، لكنه يشير إلى فشله، وإن أراد أحدهم أن يصف سوء أخلاق رجلٍ فلربما قال عنه: )دا راجل ما عندو أخلاق(! والطرفة السائرة تقول إن رجل الشرطة أمسك بمسطول يترنح فسأله عن إثبات شخصيته فأجابه المسطول )هي وينا الشخصية الدايرني أثبتها ليك(، ويعني أنه )ما عندو شخصية(! وإن سألنا أحدهم اليوم عن أخبار )دولتنا(، )دولة السودان الشقية(، فهل سنندهش إن أجبانا )إنحنا ما عندنا دولة ياخ(، ويقصد الإشارة إلى فشلنا في تأسيس )دولة( حقيقية متكاملة الأركان.
وقد اختصر المختصون في عالم الفكر السياسي تعريف مفهوم )الدول الفاشلة( على أنها )تلك الدول التي لا تستطيع أن تلعب دوراً ككيان مستقل، أو تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية، أو تلك التي تحكمها المليشيات المسلحة، أو تلك الدول التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني، والتي تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وفي فرض السيطرة على أراضيها أو جزء منها، وعليه لا تستطيع ضمان النموّ الاقتصادي، أو التوزيع العادل للسلع والخدمات الاجتماعية، وتتميز بانعدام المساواة الاقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد، )ومن الملاحظ هنا أن غالب هذه الصفات تدور حول قدرة أو عدم قدرة مؤسسات الدولة على القيام بواجباتها السيادية على ما تملك بأكمل وجه، وأنه كلما ما ضعفت هذه القدرة تفككت عرى الدولة وكانت على وشك فشل تام يقودها إلى انهيار.
وقد اعترف العالم بمفهوم )الدولة الفاشلة( حتى أصبح )معيار الدول الفاشلة( الذي تقوم بإصداره بعض المنظمات الدولية مرجعاً مهماً وهو الذي يصدر سنوياً قائمة بترتيب الدول حسب درجة )فشلها(، وفقاً لمؤشرات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية، ويحاط هذا المعيار والتقرير السنوي عادةً باهتمام وسائل الإعلام العالمية، ودوائر صنع القرار في الدول الكبرى ويؤثر بشكل كبير على توجهات سياساتها الخارجية بجانب تأثيره الكبير في صناعة السياسات في المؤسسات الدوليية، وللأسف فإن دولتنا تزاحم حالياً دولاً قليلة جداً على قمة قائمة )معيار الدول الفاشلة( هذه.
والنرجسيون في عالم السياسة يظنون أن قيادة الدول نحو الفشل الذي يؤدي لانهيار الدولة هو )فعل ذاتي مجرد( يقوم على أسباب داخلية فقط، وربما قد يظن الواهمون أنه )قضاء وقدر، ونصيبنا كدا(، والعالمون ببواطن دهاليز السياسة والتاريخ لن يغيب عنهم أن غالب حالات الانهيار للدول في التاريخ الحديث والقديم كان يتم بـ)فعل فاعل( و) تدبير مسبق( من الخارج يشارك فيه بجهلٍ أو عمالةٍ شركاء من الداخل يعمل على جر الدولة جراً للفشل قبيل أن تنهار، ولا يستثني ذلك دولاً كبيرة أو صغيرة، فهكذا قد كان انهيار الاتحاد السوفيتي العظيم والذي أعلن وزير الدفاع الأمريكي الشهير خطة إفشاله ومن ثم تركيعه وقيادته للانهيار والتفكك جهاراً نهاراً في إحدى محاضراته، وهكذا تماماً كان في انهيار دولة الصومال الفقيرة الشقيقة، وهو ما يحدث بذات النسق المتراتب متسارع الخطى في دول محيطنا الإقليمي وفي دولتنا )الشقية( السودان الآن.
فحتى متى؟ متى سيصحو منهم الضمير؟ ومتى العقول منهم ستستنير ليروا الخطر المحدق بالبلاد والعباد من جراء قيادة الدولة، بجهلٍ وسذاجة أو بعمالة مدفوعة الأثمان، نحو الفشل السابق للانهيار الذي ظهرت بوادره وتتنامى يوماً بعد يوم، الفشل، ثم الانهيار الذي لن يصيب الذين خانوا أو استكانوا منا خاصة، بل سينجر على الجميع.