الثلاثاء 1 فبراير 2022 - 20:05

الخرطوم: أحمد طه صديق
لم تمر العلاقات السودانية المصرية بنوع من الانسجام والتفاهم إلا في ظل عهدين عسكريين حكما السودان، ففي عهد حكومة 17 نوفمبر برئاسة الفريق إبرهيم عبود كانت العلاقة طيبة بين البلدين حيث بانت بوادرها منذ البيان الأول للانقلاب الذي اشار إلى ما سماها إزالة الجفوة المفتعلة بين السودان ومصر، في إشارة للحكومة المدنية تحت قيادة حزب الأمة التي كان يرأس وزارتها عبد الله خليل حيث حدثت أزمة حادة بين البلدين كادت تتطور إلى حرب عندما دخلت قوات مصرية في مثلث حلايب، الأمر الذي أغضب رئيس الوزراء آنذاك عبد الله خليل، وعزم على إرسال قوات سودانية لمواجهة القوات المصرية، الا أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أمر بسحب القوات المصرية حفاظاً على العلاقات بين البلدين.
اما في العهد المايوي برئاسة جعفر نميري، فقد رحبت الحكومة المصرية بالانقلاب العسكري الذي رفع شعارات اشتراكية، وبالرغم من احتواء النظام بواسطة الشيوعيين عبر فترة قصيرة الا أن ذلك لم يمنع الحكومة المصرية من الدعم السياسي لحكومة العسكريين، بالرغم ان الرئيس عبد الناصر لم يكن يميل للآيديولوجية الشيوعية، بل كان يحارب الشيوعيين، لكنه ربما كان يعلم وفق تقارير مخابراته أن جل أعضاء المجلس العسكري الذي يطلق عليه مجلس الثورة لم يكن كله شيوعيون، وربما اكد نميري هذا الأمر للرئيس
عبد الناصر، وتعتبر تلك الحقبة من اكثر الحقب التي شهدت تقارباً كبيراً وانسجاماً واضحاً وتعاوناً استمر بين البلدين حتى بعد وفاة الرئيس عبد الناصر وكذلك السادات ثم الرئيس مبارك الذي تم في عهده عقد اتفاقية للدفاع المشترك بين البلدين.
توتر حاد
اما في عهد حكومة الجبهة الإسلامية برئاسة البشير، فقد توترت العلاقات بين البلدين ووصلت ذروتها عندما اتهمت مصر النظام السوداني بتدبير محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا، كما ظلت مصر تتهم حكومة البشير بإيواء المعارضة الإسلامية في الخرطوم، وبالرغم من محاولات التقارب لاحقاً بين
البلدين الا أن الجفوة والتوجس ظلا مستمرين، حيث تتهم حكومة البشير مصر بدعم المعارضة وفتح الأبواب لها بالعمل في مصر، حتى أن الحزب الاتحادي الديمقراطي المدعوم سياسياً على الأقل من مصر عقد مؤتمره العام في القاهرة.
كما كانت الحكومة السودانية تتهم مصر أيضاً بممارسات ضارة بالاقتصاد الوطني، وكان أمن النظام يضع عيونه على العمالة المصرية في السودان التي تدفقت في إحدى الفترات نسبة لتدني قيمة الجنيه المصري مقابل السوداني الذي استفاد من صادرات النفط.
اتهام بالتجسس
وفي يونيو عام 2018م في عهد الرئيس البشير المخلوع احالت نيابة أمن الدولة ملف مصري متهم بالتجسس بتسريب معلومات تخص السودان لصالح دولة اجنبية للنيابة للتحقيق، وكانت السلطات الأمنية قد وردت إليها معلومات بوجود مصري يقوم بالتجسس على البلاد، وقامت بالرصد وضبطته بفندق القراند هولدي فيلا، وضبطت بحوزته عدداً من المعروضات (لابتوت وجهاز كمبيوتر) ضبطت بداخلهما معلومات وأوقفته رهن التحري، ووجهت له النيابة تهماً تحت المواد (14 ــ 57 ــ6) المتعلقة بقانون النقد الأجنبي والمعلوماتية والتجسس.
وفي شهر فبراير من عام 2007 قالت صحيفة (المصريون): (إن السلطات السودانية اعتقلت (21) مصرياً قبل شهر، دون أن يعلم أقاربهم أية معلومات عنهم حتى الآن، كما تم وضع ستة آخرين تحت الإقامة الجبرية، وتمت مطالبتهم بمغادرة البلاد لكونهم غير مرغوب فيهم، دون إبداء أسباب).
وتقول الصحيفة إن الأهالي رفعوا شكاوى لوزارة الخارجية المصرية وقنصل مصر بالسودان ومجلس الوزراء، مطالبين في شكاواهم الحكومة المصرية بالتدخل للإفراج عن أبنائهم المعتقلين.
وجاء في شكوى أهالي المعتقلين المقيمين بقرى (أبو شنب وكحك) بمركز إبشواي و (يوسف الصديق) في الفيوم، أن أولادهم المعتقلين كانوا يعملون في تجارة الأدوات المنزلية لوقت طويل جداً منذ عام
2000م تقريباً، ولكن أخيراً بدأت أجهزة الأمن السودانية في مضايقتهم بشدة، وقامت بمصادرة بضائعهم وأجبرتهم على الوجود يومياً في المخابرات وأجهزة الأمن السودانية.
كما تم القبض على ستة أشخاص يوم 21 فبراير من منازلهم، وألقت السلطات السودانية أيضاً القبض على ستة أشخاص آخرين في مدينة نيالا، وبعد التحقيق معهم واستجوابهم أجبروهم على الإقامة الجبرية في منازلهم لحين استكمال التحقيق معهم وصدور أية تعليمات أخرى. وأبلغتهم السلطات السودانية بأنهم غير مرغوب فيهم وأن عليهم مغادرة البلاد، مما دفع أهاليهم لمطالبة وزارة الخارجية والحكومة المصرية بالتدخل لإيجاد حل مع السلطات السودانية، ولو بإعطائهم مهلة حتى يقوموا بتحصيل أموالهم التي هي ثمن غربتهم، فهم يعملون بنظام الأقساط لمدة ستة أشهر في بيع الأدوات الكهربائية والمنزلية، ولهم مبالغ مستحقة لدى عملائهم لم يأت ميعاد سدادها، وتستطرد الصحيف قائلة إنه تم أخيرًا القبض على (15) مصرياً آخرين دون معرفة أماكن احتجازهم وبدون أية أسباب معروفة.
والمعروف أن نشاط المخبارات يتطلب التخفي في ثياب العديد من المهن ولو كانت هامشية، كما أن بيع الأواني المنزلية للأسر السودانية يتيح لأفراد المخابرات المصرية التغلغل في المجتمع السوداني وجمع معلومات عن الرموز والعديد من الأسرار المهمة بحسب الخبراء الأمنيين.
اتهامات أهلية
وإذا كانت كل تلك الاتهامات يوجهها النظام البائد للحكومات المصرية، فإنه بعد ثورة ديسمبر الشعبية كان العديد من العامة والنخب يتهمون تجاراً مصريين بشراء محاصيل سودانية مهمة وتهريبها إلى مصر وإعادة تصديرها مجدداً تحت ديباجات مصرية من ضمنها الصمغ العربي والكركدي، غير أن الاتهامات الأهلية هذه المرة اخذت بعداً كبيراً حينما اغلقت لجان المقاومة في الولاية الشمالية طريق شريان الشمال، ومنعت مئات الجرارات المحملة بالمنتجات الزراعية من العبور إلى مصر. وقال عضو لجنة
مقاومة القولد في تصريح صحفي لصحيفة (الجريدة) إن كافة السلع تراجعت اسعارها بشكل ملحوظ، مما يعزز فرضية تهريب السلع والمنتجات السودانية دون ان تستفيد البلاد من حصيلة الصادر، واضاف أن توقف صادرات البلاد إلى شمال الوادي وجد مباركة من كافة شرائح المجتمع، وظل حديثاً للمجالس ومتداولاً في وسائل التواصل الاجتماعي.
عملات للبيع
وعلى صعيد آخر كشفت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، عن تورط عناصر مصرية فى بيع عملات سودانية مزيفة وتسهيل عملية ادخالها في السودان مقابل الحصول على العملات الاجنبية، الامر الذى ادى لارتفاع اسعار العملات بالبلاد.
ونقل مصدر لـ (الانتباهة اون لاين) ان تواصلاً تم عن طريق الماسنجر مع احد المتهمين المصريين قام بعرض العملات على صفحته بمواقع التواصل مصحوبة بصورة لاموال سودانية مزيفة فئة المائة جنيه، واشار المتهم للمصدر الى انه بامكانه توفير مبلغ (٥٠) مليون جنيه اسبوعياً للبيع شريطة ان يدفع مبلغ (١٠) دولارات مقابل كل ربطة تحتوى على (١٠) ملايين فئة مائة جنيه، واكد المتورط المصرى انهم قادرون على ادخال تلك العملات في السودان عن طريق توزيعها على الشاحنات المتجهة الى السودان.
وفى ذات السياق دعا مراقبون الى ضرورة اتخاذ اجراءات صارمة حيال شاحنات النقل المصرية التى تدخل في البلاد، واعادة مراجعة الانظمة المصرفية منعاً لاختلاط العملات المزيفة بالعملات الصحيحة.
غير أن كل تلك الاتهامات مازالت محصورة على الصعيد الأهلي، حيث لم يصدر عن السلطات السودانية أي تعليق حول تلك الاتهامات، والمعروف ان الحكومة المصرية تحتفظ بعلاقات جيدة مع المكون العسكري حتى في عهد الشراكة، حيث قام البلدان بإجراء مناورات مشتركة اكثر من مرة، ويرى المراقبون ان الحكومة المصرية تحبذ التعامل مع العسكر، حيث انه لا توجد تقاطعات بين الجانبين التي كانت موجودة ابان الحكم المدني الديمقراطي قبل انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الذي اطاح الحكومة المدنية.