الخميس 10 مارس 2022 - 20:47
محمد عبد الماجد يكتب: ود )المرا(!


)1(
 عندما كنا صغاراً كنا ندخل في مشكلة كبرى وعويصة عندما نسمع عبارة )ود المرا( التى كانت تطلق للاستخفاف والتقليل من الشخص، فهي كانت عندنا شتيمة يمكن ان يراق بعدها الدم.
 الآن بعد ان كبرنا وعقلنا ادركنا عظمة هذا الوصف – الكثير من الاشياء تتغير نظرتك فيها عندما تكبر وتتعلم، فقد كان )جهلنا( و )غفلتنا( هي السبب في ان تستفزنا عبارة )ود المرا(… ما اعظم ان انسب الى )امي( بطلتها البهية و)حلتها( التى تكون دائماً في النار – تلاحق وتكافح من اجل جمع بعض )الحطب( لإشعال نار وقودها.
 نحن مدانين لأمهاتنا بالكثير – ليتنا نكون في مقام الانتساب اليهن ، فليس هناك عز او فخر اعظم من ان تنسب الى امك. يكفي انك في يوم الحساب الاعظم تنسب الى امك تقديراً لما قدمته لك في الحياة الدنيا.
 المرأة في حياتنا تحتفظ بمكانة خاصة – لا يعرف ان يصلها الرجل ) الام – الاخت – الزوجة – الابنة – الحبوبة – الخالة – العمة( ، ليس هناك اعظم من هذه الكائنات الكريمة في حياتنا – لا الاب ولا الاخ ولا الابن ولا الجد ولا الخال ولا العم يستطيع ان يشغل هذه الدوائر التى تشغلها المرأة في حياتنا بكل العطف والحنان.
 ظلت حياتي مضيئة بفضل اولئك السيدات اللائي انرن حياتي. وهن بصورة عامة الوجهة المضيئة في حياة كل الرجال.
)2(
 ما زالت عبارة صديقي المبدع والدرامي خليفة حسن تأسرني وهو يحكي عن والدته ويقول انها كانت تتعمد اطفاء النور عندما تأتي لأطفالها بالعشاء حتى تدخل يدها في )الصحن( وتخرجها دون ان تكون اخذت من طعامهم شيئاً ، لتترك كل ما في الصحن لعيالها وهي توهمهم بأنها تأكل معهم.
 هكذا هن )الامهات( يقدمن تضحياتهن وحياتهن لأبنائهن دون ان تشعرهم بذلك. يفضّلن ان يفعلن ذلك في الخفاء وفي الظلام حتى لا يقلقن اولادهن بما يقمن به من تضحيات.
 صديقي سيف الحنان قال ان امه عندما كانت في سكرات الموت تلفظ انفاسها الاخيرة شاهدت دموع ابنها تنهمر من عينه ، فقامت او اجتهدت في ان تنهض من فراش الموت وهي تصارع الموت لتسأل ابنها عن الذي ازعجه واضر به وجعله يبكي وهي تمسح دمعاته لتموت بعد ذلك بلحظات.
 حتى وهي في تلك اللحظات كانت مهمومة بابنها ، لم تخش الموت قدر انها كانت تخشى على ابنها الذي كان يبكي عليها.
 صديق اخر كانت امه تقوم صباحاً – قبل النباه الاول لتذهب الى السوق الشعبي وتبيع الشاي والزلابية من اجل ان توفر لابنها كل احتياجاته …ظلت في ذلك الكفاح حتى تخرج ابنها من جامعة الخرطوم وهو ينعم بكل ما يتمتع به ابناء الذوات .. لقد عاش ابنها هذا حياة )رفاهية( لم يكن يوفرها الكثير من الاباء المقتدرين لأبنائهم.
 هذه الام عندما تخرج ابنها من جامعة الخرطوم شعرت بأنها اكملت رسالتها بعد ان رحل زوجها وابنها طفل صغير لتلحق بزوجها بعد ان اصبح ابنها رجلاً يشار اليه بالبنان.
)3(
 في هذه الايام التى يحتفى بها العالم بالمرأة – اقف عند )امي( رحمة الله عليها – اتخيلها الآن وهي تنتظر مكالماتي عبر الهاتف الثابت – تبقى حبيسة الهاتف ، ترفض ان تبتعد عنه …وتختصر كل المكالمات خشية ان اتصل واجد التلفون مشغولاً ، فربما لا اكرر الاتصال. كان ذلك عندما كانت الاتصالات الهاتفية عزيزة ونادرة. وكان الاتصال بالتلفون الثابت نصف المشاهدة.
 اذكرها ونحن في هذه السن …تنتظرني على الباب اذا لاح الغروب )من عصر بدري( ، وهي في حالة من الهلع والخوف – رغم انها كانت تعرف ان عودتنا للبيت سوف تكون بعد العاشرة مساء ، لكنها كانت تنتظر.
 نسأل الله الرحمة للأمهات اللائي رحلن من هذه الحياة ، اما الذين ينعمون بوجود امهاتهم معهم – على قيد الحياة فان نصيحتي لهم بعد ان اسأل الله ان يحفظهن لهم ان لا يضيعوا أي لحظة من ان يكونوا تحت اقدام امهاتهم ، وليس في نفسي حسرة اكثر من اني اضعت تلك اللحظات بعيداً عن اكون تحت اقدامها.
 لو عادت بنا الايام لاكتفيت من الحياة بان اكون تحت اقدامها ، مع اني ادرك ان حاجتها لي وهي بين يدي الله.
 اللهم نسألك الرحمة والمغفرة للوالدة )سعاد( – ولكل الامهات اللائي اضأن شمعات حياتهن لأبنائهن ورحلنا احتراقاً وخلسة.
 في حياتي الآن خالتي )مريم العامل( ربنا يحفظها ويمنحها الصحة والعافية – صورة من امي في الهلع والخوف والسؤال عنّا .. هي امي الاخرى عندما تشكو من )المفاصل( اشعر بذلك الوجع في )عظامي(.
)4(
 بغم /
 في حياة أي شخص فينا منارة )الاخت الكبيرة( – سوف اعود يوماً لأكتب عن اللائي قدمن حياتهن لإخوانهن وحرمن انفسهن من التعليم والزواج فقط من ان اجل ان يكن سنداً لأمهاتهن في تربية اخوانهن.
 وكل الطرق تؤدي الى )المدنية(.