الإثنين 14 مارس 2022 - 6:09
قابلت بعد طول فراق الأستاذة الجامعية التي سبق لي ان درستها اللغة الانجليزية في المرحلة الثانوية وحدثتني عن احزانها لأن مدير الجامعة يتعمد الاساءة إليها بغير ذنب جنته سوى أنها »امرأة«, وقبلت نصيحتي بتقديم استقالتها على الفور وساعدتها في صياغة كتاب الاستقالة )وبلغة قوية وصريحة قلنا لسعادة المدير ذاك إن مسلكه تجاه الأساتذة من النساء دليل نقص وجهل وعنجهية جوفاء منه(, وارتفعت روحها المعنوية بمجرد ارسال الاستقالة بالفاكس، لأنها أحست أنها بذلك انتصرت عليه بأن جعلته يدرك أنها ليست خادمة في مكتبه او بيته وأن من حق حتى الخادمة ان تحظى بالاحترام والتقدير )أجمل ما في هذه الواقعة أنها حصلت على وظيفة عميدة كلية في جامعة خاصة، بعد شهر واحد من استقالتها تلك(.
كتبت حول هذا الموضوع من قبل وسأكتب عنه عشرات المرات كلما خطر ببالي: ما من وظيفة على وجه الأرض تستأهل ان تعرض نفسك للمهانة والتحقير والإذلال. قد تكسب مبلغا طائلا وأنت تعمل تحت إمرة وإشراف شخص مريض يستمتع بإحراجك وبهدلتك أمام زملائك ولكنك مقابل ذلك تعرض نفسك لأمراض »طائلة« اي قاتلة، وأسوأ من كل ذلك أنك إذا رضيت لنفسك الطأطأة لبعض الوقت ستعيش مطأطئا بقية العمر لأن من يهن يسهل الهوان عليه، فمن يقبل لنفسه المهانة يصبح ممسحة للأقدام فيفقد الاحساس بالكرامة واحترام النفس )واحترام الآخرين لمثل هذا الشخص غير وارد إطلاقا(, ومن يرضى لنفسه بالسقوط الجزئي يضع نفسه وقيمه على مزلقان شديد الانحدار، ولهذا لتذهب الوظيفة في داهية وليبق احترامك لنفسك واحترام الآخرين لك، ونقول في السودان ان »الله ما شق حنكا وضيعه« اي ان الله يعطي الانسان الفك )الحنك( ويعطيه الرزق المكتوب له، وليس للإنسان إلا ما سعى، وإذا كنت اصلا أهلاً لوظيفة ما ولكنك تعاني فيها من الاضطهاد والاحباط والاذلال فإنك ستجد نظيرها وربما ما هو أفضل منها. ولا تتعلل بأن الوظائف متاحة فقط لمن لديهم الواسطة، فهذه حيلة العاجز فرغم ان الواسطة تلعب دورا في إسناد الوظائف لهذا او ذاك فإن غالبية المخدمين يبحثون عن ذوي الكفاءة والدراية.
وإذا كنت تتعرض للإذلال والإهانة في سياق عملك فاغتنم اول فرصة تقابل فيها رئيسك او مديرك واستمع منه لعبارات التحقير المعتادة ثم قدم استقالتك شفاهة في وجهه بأعلى صوتك حتى يسمعها حارس البناية من دون استخدام لغة بذيئة او مهينة، ثم ضع أمامه نص الاستقالة المكتوب، وستشعر براحة بلا حدود وتدعو لي بالصحة والعافية.. بس إياك تدعو عليّ إذا لم تجد وظيفة بديلة بالسرعة المرجوة. تذكر ان الله ما شق حنكا وضيعه. أكثر بيت شعر أتمثله في حياتي هو قول محمود سامي البارودي: خلقت عيوفا لا أرى لابن حرة/ عليَّ يدا أغضي لها حين يغضب.. اي لا أرضى لنفسي مواقف تجعلني أقبل جميلا او »خدمة« قد تستوجب عليّ غض الطرف عن الاساءة الموجهة إليّ.. وياما كنت اتقاضى مبالغ متلتلة بكل المقاييس في مطبوعات حسب القائمون على أمرها انهم »كسروا عيني« بنقودهم وصاروا يقترحون علي ما أكتب.. »يقترحون« هذه تعني »يملون بطريقة غير مباشرة«.. وعندما أدركوا انني لا اكتب بطريقة »ما يطلبه المستمعون« صاروا يتدخلون في مقالاتي بالحذف والتعديل، وفي إحدى المطبوعات كتبت الى المشرف الأعلى لشؤون التحرير: لا أنت ولا من أوهموك بأنك صحفي تستطيعون شراء ذمتي. واعتذر لنفسي لارتباطي بمطبوعتكم هذه حينا من الدهر وأرجو ان يجعل الله ذلك الارتباط كفارة لذنوبي! وكان ذلك بالفاكس وسعدت كثيرا لأن نص رسالتي بلغ المحررين في تلك المطبوعة فاتصلوا بي »مهنئين«.. بصراحة كان الفقد المادي الذي تعرضت له جسيما ولكن الدرس المهم الذي تعلمته في الحياة هو ان أكيف حياتي بحيث أستطيع ان اعيش بخمسة آلاف دولار او خمسمائة دولار.. الشاهد: اخسر وظيفتك ولا تخسر نفسك
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619
قابلت بعد طول فراق الأستاذة الجامعية التي سبق لي ان درستها اللغة الانجليزية في المرحلة الثانوية وحدثتني عن احزانها لأن مدير الجامعة يتعمد الاساءة إليها بغير ذنب جنته سوى أنها »امرأة«, وقبلت نصيحتي بتقديم استقالتها على الفور وساعدتها في صياغة كتاب الاستقالة )وبلغة قوية وصريحة قلنا لسعادة المدير ذاك إن مسلكه تجاه الأساتذة من النساء دليل نقص وجهل وعنجهية جوفاء منه(, وارتفعت روحها المعنوية بمجرد ارسال الاستقالة بالفاكس، لأنها أحست أنها بذلك انتصرت عليه بأن جعلته يدرك أنها ليست خادمة في مكتبه او بيته وأن من حق حتى الخادمة ان تحظى بالاحترام والتقدير )أجمل ما في هذه الواقعة أنها حصلت على وظيفة عميدة كلية في جامعة خاصة، بعد شهر واحد من استقالتها تلك(.
كتبت حول هذا الموضوع من قبل وسأكتب عنه عشرات المرات كلما خطر ببالي: ما من وظيفة على وجه الأرض تستأهل ان تعرض نفسك للمهانة والتحقير والإذلال. قد تكسب مبلغا طائلا وأنت تعمل تحت إمرة وإشراف شخص مريض يستمتع بإحراجك وبهدلتك أمام زملائك ولكنك مقابل ذلك تعرض نفسك لأمراض »طائلة« اي قاتلة، وأسوأ من كل ذلك أنك إذا رضيت لنفسك الطأطأة لبعض الوقت ستعيش مطأطئا بقية العمر لأن من يهن يسهل الهوان عليه، فمن يقبل لنفسه المهانة يصبح ممسحة للأقدام فيفقد الاحساس بالكرامة واحترام النفس )واحترام الآخرين لمثل هذا الشخص غير وارد إطلاقا(, ومن يرضى لنفسه بالسقوط الجزئي يضع نفسه وقيمه على مزلقان شديد الانحدار، ولهذا لتذهب الوظيفة في داهية وليبق احترامك لنفسك واحترام الآخرين لك، ونقول في السودان ان »الله ما شق حنكا وضيعه« اي ان الله يعطي الانسان الفك )الحنك( ويعطيه الرزق المكتوب له، وليس للإنسان إلا ما سعى، وإذا كنت اصلا أهلاً لوظيفة ما ولكنك تعاني فيها من الاضطهاد والاحباط والاذلال فإنك ستجد نظيرها وربما ما هو أفضل منها. ولا تتعلل بأن الوظائف متاحة فقط لمن لديهم الواسطة، فهذه حيلة العاجز فرغم ان الواسطة تلعب دورا في إسناد الوظائف لهذا او ذاك فإن غالبية المخدمين يبحثون عن ذوي الكفاءة والدراية.
وإذا كنت تتعرض للإذلال والإهانة في سياق عملك فاغتنم اول فرصة تقابل فيها رئيسك او مديرك واستمع منه لعبارات التحقير المعتادة ثم قدم استقالتك شفاهة في وجهه بأعلى صوتك حتى يسمعها حارس البناية من دون استخدام لغة بذيئة او مهينة، ثم ضع أمامه نص الاستقالة المكتوب، وستشعر براحة بلا حدود وتدعو لي بالصحة والعافية.. بس إياك تدعو عليّ إذا لم تجد وظيفة بديلة بالسرعة المرجوة. تذكر ان الله ما شق حنكا وضيعه. أكثر بيت شعر أتمثله في حياتي هو قول محمود سامي البارودي: خلقت عيوفا لا أرى لابن حرة/ عليَّ يدا أغضي لها حين يغضب.. اي لا أرضى لنفسي مواقف تجعلني أقبل جميلا او »خدمة« قد تستوجب عليّ غض الطرف عن الاساءة الموجهة إليّ.. وياما كنت اتقاضى مبالغ متلتلة بكل المقاييس في مطبوعات حسب القائمون على أمرها انهم »كسروا عيني« بنقودهم وصاروا يقترحون علي ما أكتب.. »يقترحون« هذه تعني »يملون بطريقة غير مباشرة«.. وعندما أدركوا انني لا اكتب بطريقة »ما يطلبه المستمعون« صاروا يتدخلون في مقالاتي بالحذف والتعديل، وفي إحدى المطبوعات كتبت الى المشرف الأعلى لشؤون التحرير: لا أنت ولا من أوهموك بأنك صحفي تستطيعون شراء ذمتي. واعتذر لنفسي لارتباطي بمطبوعتكم هذه حينا من الدهر وأرجو ان يجعل الله ذلك الارتباط كفارة لذنوبي! وكان ذلك بالفاكس وسعدت كثيرا لأن نص رسالتي بلغ المحررين في تلك المطبوعة فاتصلوا بي »مهنئين«.. بصراحة كان الفقد المادي الذي تعرضت له جسيما ولكن الدرس المهم الذي تعلمته في الحياة هو ان أكيف حياتي بحيث أستطيع ان اعيش بخمسة آلاف دولار او خمسمائة دولار.. الشاهد: اخسر وظيفتك ولا تخسر نفسك
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619