الثلاثاء 15 مارس 2022 - 14:29

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عُبيد بن عمير، عَن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»جُعلت لي الأرض طهورا ومسجدا«.
قوله:»جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا«فيه إجمال وإبهام. وتفصيله في حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:»جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا«ولم يذكره أبو داود في هذا الباب وإسناده جيد حدثونا به عن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة، عَن أبي مالك عن رِبْعِيّ بنِ حِِرَاش عن حذيفة.
وقد يحتج بظاهر خبر أبي ذر من يرى التيمم جائزا بجميع أجزاء الأرض من جص ونورة وزرنيخ ونحوها. وإليه ذهب أهل العراق. وقال الشافعي: لا يجوز التيمم إلاّ بالتراب. قال: والمفسر من الحديث يقضي على المجمل.
وإنما جاء قوله:»جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا«على مذهب الامتنان على هذه الأمة بأن رخص لها في الطهور بالأرض والصلاة عليها في بقاعها. وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم وإنما سيق هذا الحديث لهذا المعنى. وبيان ما يجوز أن يتطهر به منها مما لا يجوز إنما هو في حديث حذيفة الذي ذكرناه.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد. قال: ونا مسدد حدثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه، عَن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال موسى في حديثه فيما يحسب عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:»الأرض كلها مسجد إلاّ الحمام والمقبرة«.
قلت: في هذا الحديث أيضًا اختصار وتفسيره في حديث أنس وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا يريد بالطيبة الطاهرة. رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ولم يذكره أيضًا أبو داود حدثونا به عن علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن حماد. واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فكان الشافعي يقول إذا كانت المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدها وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته صلاته. قال: وكذلك الحمام إذا صلى في موضع نظيف منه فلا إعادة عليه.
وحكي عن الحسن البصري أنه صلى في المقابر، وعن مالك بن أنس لا بأس بالصلاة في المقابر. وقال أبو ثور لا يصلي في حمام ولا مقبرة تعلقا بظاهره وكان أحمد وإسحاق يكرهان ذلك ورويت الكراهية فيه عن جماعة من السلف.
واحتج بعض من لم يجز الصلاة في المقبرة وإن كانت طاهرة التربة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:»صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها مقابر«. قال: فدل ذلك على أن المقبرة ليست بمحل الصلاة.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن وهب حدثني ابن لَهِيعة ويحيى بن زاهر عن عمار بن سعد المرادي، عَن أبي صالح الغفاري عن علي رضي الله عنه قال:»نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة«.
قلت: في إسناد هذا الحديث مقال ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم:»جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا«ويشبه أن يكون معناه لو ثبت أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة فتكون صلاته فيها إذا كانت إقامته بها ومخرج النهي فيه على الخصوص ألا تراه يقول نهاني ولعل ذلك منه إنذار منه له بما أصابه من المحنة بالكوفة وهي أرض بابل ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة.