الجمعة 25 مارس 2022 - 5:58
أحرص كلما اعتليت منبرا في ندوة أو محاضرة تتعلق بالعمل في المجالات التي خضتها )التدريس والترجمة والصحافة(, أخوض ومن باب تحفيز الشباب في تجربتي الشخصية ليس من منطلق أنني أتيت بما لم يستطعه الأوائل أو الأواخر، بل بمقياس »سبحانه الذي يخرج الحي من الميت«, أي أنني نجحت رغم أوضاع سالبة كثيرة في ولوج تلك المجالات وتحقيق قدر طيب بعض الشيء من النجاح، وكثيرا ما أتقلب في فراشي وأنا استعد للنوم، مراجعا مسيرة حياتي، وكيف نشأت أعجميا ثم تم تعريبي، ثم فزت بمقعد في المدرسة المتوسطة من بين 80 مقعدا تنافس عليها نحو 400 تلميذ، ودخلت المدرسة الثانوية التي كانت على بعد أكثر من 1000 كيلو من موطني، ثم دخلت الجامعة ومن بعدها الحياة العملية منتقلا من التدريس إلى الترجمة، ومنها إلى الصحافة الورقية ثم التلفزيونية.
وعندما أستعرض مسيرتي الصحفية أستنتج بكل تواضع أنني صحفي »فلتة«, وعملة صعبة، من النوع الذي قل أن يجود الزمان بمثله، وما من صحيفة عملت فيها إلا وازدهرت وارتفع توزيعها وعائدات إعلاناتها!! ليس في الأمر غرور، بل هذه حقائق مؤكدة وثابتة وإليك الدليل: التحقت بالتلفزيون السوداني في فترة تدريبية، وكان التلفزيون يعاني من بؤس في البرامج، بعد أن صار الرئيس السوداني جعفر نميري عنصراً ثابتاً فيها، حتى برنامج ما يطلبه المشاهدون كان يظهر فيه بشكل أو بآخر، ثم التحق أبو الجعافر المبروك بالتلفزيون وحدثت محاولة انقلابية دموية مات فيها الناس بالمئات، وجذب التلفزيون الناس بأخبار الإعدامات والمطاردات والمؤامرات.
ثم تنقلت هنا وهناك والتحقت بمؤسسة الاتحاد للصحافة كبرى دور الصحافة في دولة الإمارات، وكانت تلك أول مرة أتفرغ فيها للصحافة وأجعل منها مهنة أعتاش منها، ونزلت في فندق بائس، وأصبح الصبح وإذا بالعراق قد شن هجوماً جوياً وصاروخياً على إيران، مؤذنا ببداية حرب استمرت أكثر من ثماني سنوات، وعاشت الصحيفة في بحبوحة وارتفع توزيعها، ولم يعد البحث عن مانشيت مشكلة، لأننا كنا مثل كل الصحف العربية نرتزق من أخبار تلك الحرب، وكنا ننشر البيانات عن انتصارات فعلية ووهمية للجيش العراقي، الذي كنا نعتبر قتلاه شهداء وقتلى إيران »فطيس«.
وواقع الأمر أنني قضيت السنتين الأوليين من تلك الحرب في صحيفة إنجليزية، كانت تصدر عن نفس الدار، ولكن قدراتي الصحفية الفذة تجلت عندما تقرر نقلي إلى صحيفة »الاتحاد« العربية، ففي نفس ذلك اليوم من يونيو من عام 1982 اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان، ودخل أجزاء من بيروت، وكنا بحاجة إلى جنازة لنشبع وجوهنا لطماً، وقام الإسرائيليون بالواجب وقدموا لنا الجنازة وظللنا في الصحيفة في بحبوحة من الأخبار والتقارير، حتى خرج ياسر عرفات وجماعته من لبنان وهم يرسمون بأصابعهم علامات النصر )نصر على مين؟ الله أعلم(, وبانتهاء الحرب الإيرانية العراقية بالتعادل السلبي لم تعد صحيفة الاتحاد الإمارتية بحاجة إلى »بركاتي«, فكان أن انتقلت إلى دولة قطر بعد أن قررت تطليق الصحافة، ولكن رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية أصر على أن أعمل معه في الأمسيات في قسم الأخبار الدولية، فقد كان الرجل قد سمع بمواهبي الفذة، وزرته في المكتب لنتفق على ساعات العمل والمقابل المادي نظير ذلك، وقال لي أنه سيعطيني ألفين من الريالات نظير العمل ساعتين يومياً خمسة أيام في الأسبوع، وقبل أن أتمكن من إطلاق ضحكة استنكار لهزالة ذلك المبلغ، اهتز البرق بنبأ اجتياح القوات العراقية للكويت.. وهكذا وللمرة الثانية جاء صدام حسين لنجدتي ولإثبات مواهبي الصحفية، ونسيت أمر المكافأة وانغمست في العمل الصحفي لتغطية أخبار الغزو، وبحبحنا سنة كاملة ارتفع خلالها توزيع الصحيفة بنسبة 300%، وقفزت مكافأتي بنسبة 300%! تستطيع أن تقول إن أبا الجعافر »نحس«, ولكنك تنسى أن الصحف تعيش وتزدهر فقط بالأحداث المنحوسة ولو خرج الإسرائيليون من الضفة الغربية وبشار الكسّار من سوريا وداعش من قلب المدن التي يحتلها والهوامش فعلى الصحف السلام
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619
أحرص كلما اعتليت منبرا في ندوة أو محاضرة تتعلق بالعمل في المجالات التي خضتها )التدريس والترجمة والصحافة(, أخوض ومن باب تحفيز الشباب في تجربتي الشخصية ليس من منطلق أنني أتيت بما لم يستطعه الأوائل أو الأواخر، بل بمقياس »سبحانه الذي يخرج الحي من الميت«, أي أنني نجحت رغم أوضاع سالبة كثيرة في ولوج تلك المجالات وتحقيق قدر طيب بعض الشيء من النجاح، وكثيرا ما أتقلب في فراشي وأنا استعد للنوم، مراجعا مسيرة حياتي، وكيف نشأت أعجميا ثم تم تعريبي، ثم فزت بمقعد في المدرسة المتوسطة من بين 80 مقعدا تنافس عليها نحو 400 تلميذ، ودخلت المدرسة الثانوية التي كانت على بعد أكثر من 1000 كيلو من موطني، ثم دخلت الجامعة ومن بعدها الحياة العملية منتقلا من التدريس إلى الترجمة، ومنها إلى الصحافة الورقية ثم التلفزيونية.
وعندما أستعرض مسيرتي الصحفية أستنتج بكل تواضع أنني صحفي »فلتة«, وعملة صعبة، من النوع الذي قل أن يجود الزمان بمثله، وما من صحيفة عملت فيها إلا وازدهرت وارتفع توزيعها وعائدات إعلاناتها!! ليس في الأمر غرور، بل هذه حقائق مؤكدة وثابتة وإليك الدليل: التحقت بالتلفزيون السوداني في فترة تدريبية، وكان التلفزيون يعاني من بؤس في البرامج، بعد أن صار الرئيس السوداني جعفر نميري عنصراً ثابتاً فيها، حتى برنامج ما يطلبه المشاهدون كان يظهر فيه بشكل أو بآخر، ثم التحق أبو الجعافر المبروك بالتلفزيون وحدثت محاولة انقلابية دموية مات فيها الناس بالمئات، وجذب التلفزيون الناس بأخبار الإعدامات والمطاردات والمؤامرات.
ثم تنقلت هنا وهناك والتحقت بمؤسسة الاتحاد للصحافة كبرى دور الصحافة في دولة الإمارات، وكانت تلك أول مرة أتفرغ فيها للصحافة وأجعل منها مهنة أعتاش منها، ونزلت في فندق بائس، وأصبح الصبح وإذا بالعراق قد شن هجوماً جوياً وصاروخياً على إيران، مؤذنا ببداية حرب استمرت أكثر من ثماني سنوات، وعاشت الصحيفة في بحبوحة وارتفع توزيعها، ولم يعد البحث عن مانشيت مشكلة، لأننا كنا مثل كل الصحف العربية نرتزق من أخبار تلك الحرب، وكنا ننشر البيانات عن انتصارات فعلية ووهمية للجيش العراقي، الذي كنا نعتبر قتلاه شهداء وقتلى إيران »فطيس«.
وواقع الأمر أنني قضيت السنتين الأوليين من تلك الحرب في صحيفة إنجليزية، كانت تصدر عن نفس الدار، ولكن قدراتي الصحفية الفذة تجلت عندما تقرر نقلي إلى صحيفة »الاتحاد« العربية، ففي نفس ذلك اليوم من يونيو من عام 1982 اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان، ودخل أجزاء من بيروت، وكنا بحاجة إلى جنازة لنشبع وجوهنا لطماً، وقام الإسرائيليون بالواجب وقدموا لنا الجنازة وظللنا في الصحيفة في بحبوحة من الأخبار والتقارير، حتى خرج ياسر عرفات وجماعته من لبنان وهم يرسمون بأصابعهم علامات النصر )نصر على مين؟ الله أعلم(, وبانتهاء الحرب الإيرانية العراقية بالتعادل السلبي لم تعد صحيفة الاتحاد الإمارتية بحاجة إلى »بركاتي«, فكان أن انتقلت إلى دولة قطر بعد أن قررت تطليق الصحافة، ولكن رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية أصر على أن أعمل معه في الأمسيات في قسم الأخبار الدولية، فقد كان الرجل قد سمع بمواهبي الفذة، وزرته في المكتب لنتفق على ساعات العمل والمقابل المادي نظير ذلك، وقال لي أنه سيعطيني ألفين من الريالات نظير العمل ساعتين يومياً خمسة أيام في الأسبوع، وقبل أن أتمكن من إطلاق ضحكة استنكار لهزالة ذلك المبلغ، اهتز البرق بنبأ اجتياح القوات العراقية للكويت.. وهكذا وللمرة الثانية جاء صدام حسين لنجدتي ولإثبات مواهبي الصحفية، ونسيت أمر المكافأة وانغمست في العمل الصحفي لتغطية أخبار الغزو، وبحبحنا سنة كاملة ارتفع خلالها توزيع الصحيفة بنسبة 300%، وقفزت مكافأتي بنسبة 300%! تستطيع أن تقول إن أبا الجعافر »نحس«, ولكنك تنسى أن الصحف تعيش وتزدهر فقط بالأحداث المنحوسة ولو خرج الإسرائيليون من الضفة الغربية وبشار الكسّار من سوريا وداعش من قلب المدن التي يحتلها والهوامش فعلى الصحف السلام
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619