السبت 26 مارس 2022 - 18:52

اعداد: احمد طه
عندما تشتد الضائقة المالية على الحكومات القابضة وتثير ضجر وتملل شعوبها، دائماً ما تلجأ إلى نشر أخبار غير حقيقية عن بشريات اقتصادية قادمة يدّعون أنها ستحل الأزمة، وأحياناً يكتفون بنشر الخبر الكاذب دون تعليق حتى تكون له مصداقية لدى الجماهير، غير أن هذه لم تكن شائعة في عهدين قابضين سابقين، هما نظام الفريق إبراهيم عبود ونظام جعفر نميري، وكلاهما تمت الإطاحة به بثورة شعبية عارمة.
ربما لأن تلك الحكومتين لم تعايشا اوضاعاً اقتصادية سيئة نوعاً ما، ولطبيعة التركيبة النفسية لزعيمي النظاميين، حيث أن حكومة عبود كانت عسكرية صرفة بينما حكومة النميري كان يسيطر عليها بنفسه، وكلاهما بطبيعتهما العسكرية لم يكونا مشغولين كثيراً بالرأي العام والتأثيرات السالبة لمجريات قراراتهما.
أما في حكومة المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير، عندما يحدث نقص في الوقود أو سلعة السكر أو القمح ينفون حدوث شح طارئ ويعزونه إما للترحيل أو يشيرون الى أنها ازمة مفتعلة بسبب مضاربات من بعض التجار أو المستوردين، مؤكدين إن المخزون يكفي البلاد فترة زمنية كافية.
إذ أن حكومة البشير طاقمها السياسي والحاكم من الحركة الإسلامية التي عرفت بالبراغماتية والميكافيلية في إطار ما يسمى فقه الضرورة، وهو فقه ابتلع الكثير من المحاذير الشرعية دون حرج.
وعندما اشتدت الضائقة بالنظام سيما بعد الاحتجاجات، كانوا يستخدون سلاحاً تسكينياً مثل نشر اخبار عن اكتشافات بترولية واعدة وقدوم دعومات اقتصادية خارجية مثل الودائع الدولارية الضخمة، بغرض تطمين الجماهير من ناحية ومحاولة كبح التضارب بالدولار في الأسواق الموازية.
ودائع جديدة
تعايش البلاد الآن أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع خرافي للدولار وقفزات مجنونة في أسعار السلع الاستهلاكية، مثل الدقيق الذي قفز بقطعة الخبز إلى اربعين وخسمين جنيهاً في بعض المناطق، وارتفاع غاز الطبخ ووقود السيارات الذي فاقم تكلفة الترحيل كثيراً مما ضاعف معاناة المواطنين، وفي خضم تلك الأزمات الحرجة راجت أخبار عن دعم مالي خارجي، ثم اعلن أخيراً بحسب مصادر وزارية لصحيفة )الإنتباهة( عن إيداع السعودية مبلغ أربعة مليارات دولار وديعة بالبنك المركزي، وفق اتفاق خلال زيارة رئيس مجلس السيادة للعاصمة السعودية الرياض قبل يومين.
في حين أعلن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن مبادرة سعودية استثمارية ضخمة سيعمل السودان على تهيئة البيئة المناسبة لاستيعابها قريباً.
ووفق مراقبين أن التصريح احدث اثراً محدوداً أمس في سعر الدولار في السوق الموازي الذي تجاوز سقفه أخيراً )700( جنيه، بينما اعتبر بعض المدونين في وسائط التواصل الاجتماعي أن تسريب خبر الوديعة يأتي في إطار تسكين المشاعر الملتهبة جراء الغلاء الذي ينتظم الأسوق، كما يمثل محاولة للحد من القفز المتسارع للدولار الأمريكي على حساب الجنيه السوداني، واستشهدوا أيضاً بتصريح المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للنفط في جنوب السودان قال فيه إن بلاده على مشارف إكمال دفع المبلغ المستحق للخرطوم وقدره )3.2( مليارات دولار من الدعم المادي الذي تقرر دفعه لدعم اقتصاد السودان بعد انفصال بلاده عنه.
كما أن رئيس مجلس السيادة لم يشر صراحةً لودائع خارجية قادمة، لكنه اعلن عن استثمارات ضخمة سعودية يجري العمل لتهيئة الأرضية المناسبة لها.
ويرى مراقبون أن ارتفاع الوعي الجماهيري سيما في وسط الشباب الذي ينعكس بوضوح في التعاطي السياسي عبر الوسائط الإعلامية المختلفة والاجتماعية، لن يجعل من تمرير الأخبار التسكينية أو التخديرية أمراً ممكناً كما كان في الماضي القريب.
انشقوا من التجمع الاتحادي
الانضمام إلى مخادع السلطة.. جدلية المصالح والمبادئ
في عام 1971م قام نميري باعدام اعضاء عسكريين سابقين في مجلسه الحاكم، عقب محاولة انقلابية فاشلة محسوبة على الحزب الشيوعي راح ضحيتها عدد من رموز الحزب البارزين بعد الحكم بإعدامهم، غير إن هذه القرارات الدموية لم تمنع اعضاءً شيوعيين انشقوا من الحزب بعد فترة قليلة من الخلاف الذي حدث بين الحزب الشيوعي وحكومة نميري من الوقوف مع النميري، حيث انشق كل من أحمد سليمان المحامي في قفزة نوعية عندما انضم للجبهة الاسلامية بعد انقلابها على الحكم المدني الديمقراطي في عام 1989م، كذلك انشقت الصحافية المعروفة آمال عباس والكاتب الصحفي عبد الله عبيد وآخرون.
انشقاق بالجملة
أما في عهد حكومة البشير المندحرة فقد قام النظام بحملات استقطاب سياسي باذرع أمنية وسياسية لعدد من رموز واعضاء الأحزاب العريقة سيما في الولايات، بعضهم يمثلون زعامات اهلية كانت لها جذور حزبية تتبع لأحزاب طائفية عريقة، الا أنه عندما حدثت المفاصلة الشهيرة في الحزب الحاكم لحكومة المؤتمر الوطني بعد الخلاف الشهير بين البشير ود. حسن الترابي عرَّاب الحركة الإسلامية السودانية، انشق الترابي مكوناً حزب المؤتمر الشعبي، ولم يتبعه إلا اعداد قليلة نسبياً، حيث آثرت الغالبية الانضمام لجناح الرئيس الذي بيده السلطة العسكرية والأمنية والنفوذ ومال الدولة، سيما أن عدداً كبيراً منهم كانت لهم مصالح تجارية خشيوا أن يتم التعرض لها إن لم ينضموا للجناح الحكومي، لهذا قيل وقتها إن بعضهم قال: )قلوبنا مع الترابي وجيوبنا مع الحكومة(.
كما انشقت رموز حزبية من احزابها وكونت احزاباً موازية، وهي خطوات لا يمكن النظر إليها إلا في إطار سياسة الاستقطاب الحاد الذي كان يقوم به نظام البشير باذرعه الاخطبوطية المؤثرة.
مرحلة ما بعد الثورة
وفي مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر الشعبية بعد تكوين الحكومة المدنية ونيل الشريك العسكري في الحكم حق الإشراف والتبعية المباشرة للأجهزة الأمنية وحدوث خلافات حادة بين الحاضنة السياسية الحرية والتغيير والمكون العسكري، انحازت عناصر حزبية سابقة واهلية وشبه عسكرية تابعة لحركات مسلحة إلى الجناح العسكري، وظلت تروج لفشل الحكومة، وتخندقت امام القصر الجمهوري، حيث دعا بعضها صراحةً للانقلاب العسكري الذي حدث لاحقاً في الخامس والعشرين من اكتوبر في العام الماضي.
انشقاق حديث
وعلى صعيد الانشقاقات الحديثة أعلن أول أمس التجمع الاتحادي تجميد عضوية أربعة من أعضاء القطاع الاقتصادي، وقال إنهم شاركوا في السلطة الانقلابية دون مراعاة الانتهاكات التي يتعرض لها السودانيون.
وأعلن المكتب التنفيذي للقطاع الاقتصادي في التجمع الاتحادي تجميد عضوية إبراهيم أبو بكر وعمر بشير الخليفة وهاني ونسي واسحق محمد اسحق وحافظ آدم دوسة.
والقرار استند الى اللوائح التنظيمية للتجمع الاتحادي والمبادئ والقيم والموقف السياسي والتنظيمي المُلتزم بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة.
وقال بيان صادر عن التجمع الاتحادي وفق )الترا سودان( إن هؤلاء ارتضوا لأنفسهم المشاركة والانخراط في خدمة السلطة الانقلابية التي وصفها بأنها تقمع المحتجين في المواكب السلمية.
ويعتقد كثير من المتابعين أنه ربما تحدث هجرة عكسية ذات طابع سياسي بعد القفز من مركب السلطة في حالة تفاقم الأوضاع السياسية وتزايد الضغط الدولي، وهي خطوات مألوفة في التاريخ السياسي الحديث الذي لا يخلو ثوبه من الثقوب وادران العناصر الانتهازية.
هل يتم تنفيذه
أشار إليه البرهان.. النظام الرئاسي بوابة الاستبداد
تكشف إسقاطات تجارب النظام الجمهوري في العالم العربي والقارة السمراء تاريخاً قاتماً نفذ من بوابته حكم الطغات المستبدين، حيث أن جل رؤساء الجمهوريات الذين تسلموا السلطة عبر انقلابات عسكرية اجروا انتخابات صورية ليتحولوا من حكم البزة العسكرية إلى ربطة العنق المدنية، بعد تزوير إرادة الناخبين ومن ثم يصبحون رؤساء لدول عبر نظام جمهوري مفترى عليه يحول البرلمانات الاسمية إلى آلية بصم على القرارات التعسفية التي يصدرها هؤلاء الرؤساء بفورمنات تمد لسانها للمؤسسية ومنهجية وحوكمة الحكم والإدارة في الدولة.
وتشير تجارب الحكم الرئاسي في السودان إلى تغييب الديمقراطية وتكريس حكم الفرد، بالنظر إلى تجربة جعفر نميري وحكومة عمر البشير، حيث نظم الأول انتخابات رئاسية اكتسحها بنسبة 99% كانت مثار سخرية، في حين وصفت انتخابات البشير بانتخابات )الخج(، كناية عن التزوير الفاضح المصاحب لها الذي وثقه احد المواطنين عبر فيديو يصور عمليات تزوير سافرة يقوم بها مشرفو الانتخابات، حيث كانوا يقومون بوضع الأوراق الانتخابية ويقومون بخج الصناديق حتى تحوي أكبر عدد من البطاقات الانتخابية.
وعلى صعيد تطبيق تجربة النظام الرئاسي في السودان، كشف رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عن مطالبة بعض القوى السياسية بتغيير نظام الحكم ليكون رئاسياً، وأكد قدرة السودان على تنظيم انتخابات خلال عام ونصف العام حال التوافق عليها.
واضاف البرهان في الحوار الذي أجرته صحيفة )الشرق الأوسط( أخيراً أنه في ما يتعلق بالانتخابات فإن الأجهزة المعنية بها موجودة أصلاً، كما أن هناك جزءاً كبيراً من اللوجستيات ذات الصلة متوافرة حالياً، حيث أن 80% من مطلوباتها محفوظة لدى مفوضية الانتخابات، ويعني بها المفوضية السابقة.
واشار القيادي بالمؤتمر الوطني المحلول د. أمين حسن عمر حول مقترح شكل الحكم في السودان عبر حسابه في الفيس بوك، الى أنه يمكن توزيع استمارة بالخيارات بين نظام برلماني هو الشكل الحالي ولكنه برلماني بلا برلمان وهذه نكتة، أو استعادة النظام الرئاسي المعدل برئيس جمهورية وبرلمان، وقال: )أنا أفضل النظام البرلماني فقد اكتفينا من حكم الفرد(.
المعروف أن أمين حسن عمر من القياديين القلائل في النظام السابق الذين جاهروا بمعارضتهم لترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة.
ويرى متابعون للشأن السوداني أنه من المرجح إذا استمر النظام الحالي سيتم اختيار نظام رئاسي وفق انتخابات ستجرى في مناخ غير مواتٍ ومقاطعة متوقعة من كل التيارات الرافضة لانقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، مما قد يمهد لموالين للنظام القديم والتركيبة الحالية في الحكم الصعود إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد انتخابات غير متفق عليها، وربما تجد معارضة حتى من المجتمع الدولي، مع رفض واسع بطبيعة الحال من القوى الثورية على رأسها لجان المقاومة.
حالة جديدة
اختطاف الفتيات البحث عن الدوافع
خلفت الأجواء التي تعايشها البلاد حالات متعددة من الانفلات الأمني من عمليات نهب وضرب وخطف للهواتف وحقائب النساء، لكنه الآن في ما يبدو دخل منعطفاً خطيراً، فقد اشارت مصادر الى أن اسرة الطالبة بجامعة الأحفاد ياسمين ضياء سيد أحمد قد أعلنت انه تم اختطافها من أمام منزلها لجهة غير معلومة.
وبعثت الأسرة رسالة جماعية لمنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بعد وقت قليل من اختطافها.
وكشفت الرسالة التي رصدتها )متاريس( أن جهة مجهولة استدرجت ياسمين عبر اتصال هاتفي من صديقها قبل اختطافها بعربة )كورولا(.
وقال شهود عيان أن ياسمين كانت تصرخ لوالدها، بينما كان صديقها تحت تهديد السلاح لحظة اختطافها بالسيارة.
وقبل أيام قليلة تواترت انباء عن اختفاء فتاة من مدينة الأزهري بجنوب الخرطوم، الا أن المصادر قالت إن الشرطة عثرت عليها دون ذكر أية تفاصيل حول الحدث، والمعروف أنه في ظل التفلتات الأمنية وتعدد الجهات الأمنية التي تقوم بعمليات الاعتقالات دون اخطار ذوي المعتقلين، يتسبب هذا الوضع في رسم صورة قاتمة للوضع الأمني في غياب المعلومات الصحيحة.
ويطرح الكثيرون تساؤلات عن دوافع تلك الحوادث التي تصنف في خانة الخطف وفق الطريقة التي تتم بها، وعن عدم وجود إيضاحات من السلطة حول تلك الحوادث، وعما إذا كانت جرائم عادية أم اعتقالات أمنية في ثياب تجافي الأطر والمعايير المتبعة في التوقيف والاعتقالات، حتى في ظل حالات الطوارئ والحروب.