الثلاثاء 23 يونيو 2020 - 19:12
حديث المدينة
مطلوب رفع منسوب “الحساسية”!!


عثمان ميرغني يكتب : تلقيت من الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام خطابات بعث بها إلى منظمات دولية ذات صلة بالحريات والأوضاع الصحفية، يبدو أنها اصدرت تقاريرا عن السودان فيها ملاحظات سالبة عن السودان.
وفهمت من فحوى رد السيد الوزير على هذه المنظمات أنها أثارت في تقاريرها قضية الاجراءات التي اتخذت من لجنة ازالة التمكين ومكافحة الفساد ضد صحيفتي الرأي العام والسوداني و قناة الشروق. ثم الاجراءات التي طالت الأستاذ الطيب مصطفى الكاتب بصحيفة الانتباهة – حاليا-، و كذلك اجراءات من حكومة شمال دارفور ضد الزميلتين لنا عوض سبيل وعايدة عبد القادر.
الوزير فيصل قدم في خطاباته شرحا مفصلا دقيقا لتوضيح الحقيقة.. ولكن!!
قبل أيام شاهدت – بل استمتعت- بفيديو مسجل لخطاب القاه الأستاذ الحاج وراق في احدى الندوات، وهو رجل تعجبني أفكاره لأنها تأتي من رحيق خبرة وتجربة وتفكير هاديء لا تعكره الولاءات السياسية أو الأفكار المسبقة.
وراق نصح الحكومة بأن تتحلى بأعلى درجات الحساسية تجاه قضايا الحريات وحقوق الإنسان، فعلاوة على أنها ذات رنين وصدى عال جدا خارجيا فهي أيضا –والحديث لوراق- داخليا مهمة للغاية لأنها صمام الأمان أن لا ينجرف الحكم ولا ينزلق تدريجيا نحو القبضة السلطوية الخانقة. ويذكر الحاج وراق أن نظما سياسية عديدة بدأت مشرقة الوجه ولكن التساهل في قضايا حقوق الإنسان حولها تدريجيا إلى وجه عبوس قمطرير بفعل غياب الحساسية ضد قضايا حقوق الإنسان.
بكل صراحة وثقة، منسوب الحريات الآن في السودان بعد انتصار ثورة ديسمبر مرتفع ويسمح للضمير الحر أن يعبر بكل أريحية دون خشية.. ولا يقارن هذا بأي درجة مع النظام المخلوع، الذي كنا نغادر فيه مقر الصحيفة منتصف الليل ولا نضمن صدورها الصباح.. صحيفتنا “التيار” لوحدها صودرت بعد الطباعة أكثر من 80 مرة.. دفعنا فيها تكلفة الطباعة دون الحصول على النسخ المطبوعة.. وتعرضنا للإيقاف أكثر من ثلاث سنوات.. كان أمر الايقاف يصلنا بمكالمة هاتفية لا تزيد عن بضع ثوان.. فلا مقارنة بين الوضع الراهن والنظام المخلوع.. ولكن!!
المنظمات الدولية المتخصصة في الحريات الصحافية لا تعتبر هذا انجازا فهي تراه الوضع الطبيعي العادي، ولذا فهي ترصد بحساسية عالية أية اجراءات مهما بدت صغيرة ضد الحريات أو حقوق الإنسان بصفة عامة.
مثلا؛ في قضية الطيب مصطفى كان واضحا أن الاجراء الذي اقتاده من بيته الى قسم الشرطة هو قضية نشر صحفي، وهو اجراء طبيعي وعادي نتعرض له كلنا بصورة مستمرة بل ونعتبره تحت لائحة )الحرية مقابل المسؤولية(، أن نكتب بحرية ولكن نتحمل المسؤولية القانونية عن ما ننشر.. ولكن في واقعة الطيب مصطفى التحم مع هذا الاجراء توقيف لعدة أيام على ذمة بلاغات أخرى!! هنا مهما قيل من مبررات فلن يقنع أحدا أنهما اجراءين منفصلين عن بعضهما.. وهذه بالضبط ما عناها الأستاذ الحاج وراق بعبارة )حساسية عالية لقضايا الحريات وحقوق الإنسان(..
وبصراحة ؛ هذا ما كان يفعله النظام السابق، أحيانا يلقي القبض علينا تحت طائلة قضايا النشر وعندما نودع خلف جدران السجون يتحول الامر الى مواد أخرى في القانون الجنائي!
في العام 2005 تقريبا ، وكنت في صحيفة “الرأي العام” فوجئت بشابين يحملان لي استدعاء من النيابة.. وقالا لي أنه استدعاء عادي لأخذ أقوالي في مقال نشرته.. عندما وصلت النيابة فوجئت بأنها تحولت إلى قضية )جريمة ضد الدولة( ودون حتى التحقيق معي وأخذ أقوالي حولني وكيل النيابة إلى حراسة المقرن، وكان نهاية يوم الخميس، و اليومين التاليين الجمعة والسبت عطلة أسبوعية! وبعد أن أطلق سراحي بالضمان ظل يطلب مني ولمدة عشر أيام متواصلة أن أحضر لمقر النيابة للتحقيق، فأحضر الثامنة صباحا وأجلس منتظرا في الخارج حتى مغيب الشمس دون أن يحقق معي ، ثم يطلب مني العودة في اليوم التالي وهكذا لمدة عشرة أيام كاملة.
وفي حادثة أخرى؛ أنا وزميلي الأستاذ أحمد يوسف التاي رئيس تحرير الإنتباهة حاليا والصيحة سابقا، ألقى القبض علينا في قضية نشر عادية، ثم فجأة وبعد وصولنا الى النيابة تحول البلاغ إلى المادة 50 تقويض النظام الدستوري !! وهي مادة الحكم فيها قد يصل الاعدام ولا يسمح فيها حتى بالضمان.
بعبارة أخرى، ان القبض على صحفي تحت قضية نشر عادية ثم تحويلها الى قضية أخرى أمر ليس جديدا!!
من الحكمة التعامل بـ)حساسية( عالية مع قضايا الحريات الصحفية وحقوق الإنسان.. كما قال الأستاذ وراق..