الإثنين 18 يوليو 2022 - 12:04
الخرطوم: عبد الناصر الحاج
)1( من قيسان إلى الروصيرص..
ألسنة اللهب تتحدث لغة الرماد في السلطنة الزرقاء !!
بينما يضع السودانيون أياديهم في قلوبهم كلما تحدثت "الميديا" عن مشاهد للدم في الخرطوم أو بقية المدن ، هاهي رؤوسهم تستدير هذه المرة بقوة نحو أقاصي النيل الأزرق، حيث ينفجر الصراع الأهلي هناك ويخلف ورائه عشرات القتلى والمُصابين، وسماء المدن والأسواق هناك في ولاية النيل الأزرق لا يكسوها سوى الدخان الأسود، وغمائم الكربون والحريق، وفي تلك الديار ، الروصيرص، الدمازين، قيسان، كانت إلى وقت قريب تنام هذه المدن الوديعة على عروش الجمال الخلاب، وتتكئ مناظرها الطبيعية على تلال خضراء وريفة، كانت عذوبة النيل الأزرق تتدفق بداخل مسام تلك الأرض البكر تُغني أنشودة الحياة والسحر الإلهي المهيب. هكذا هي ولاية النيل الأزرق، تلك البقعة السودانية التي تمتزج فيها الثقافة والأصالة والتاريخ، وتتعانق فيها كبرياء الرجال بشموخ النساء، منذ مهد الحضارة وإلى حين تفتق نواة الدولة السودانية، إلا أن أيادي "العبث" تتمدد إليها الآن لتغرق أهلها في غياهب الحرب والجفوة والعداء والكراهية، وبين ليلة وضحاها تنفجر الأخبار الواردة من أرض السلطنة الزرقاء تُخبر السودانيين عن حرباً ضروس في شوارع الدمازين والروصيرص ، ويتداول نشطاء منصات التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطعاً للفيديو تحكي قساوة المشاهد والكارثة ، للدرجة التي ينطلق فيها النداء للإغاثة وتقرع الأجراس لحملات التبرع بالدم وإنقاذ المستشفيات من وطأة العبء الثقيل في إسعاف الجرحى والمصابين. أحداث ولاية النيل الأزرق فتحت الأبواب مُشرعة لتأويل الأحداث وتفسيرها، منهم من ذهب إلى تفسير ذلك بأنه بسبب اتفاق جوبا للسلام الذي كرس للانقسام والتشظي بين النسيج المجتمعي، ومنهم من أرجع ذلك لتواطؤ القوات الأمنية وعدم قيامها بواجباتها في الحسم وحفظ الأمن، ومنهم من أكد بأنه إحدى نتائج الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر والذي بات يُجرب في كل أنواع الأدوات حفاظاً على سلطته من السقوط. وتقول لجان مقاومة الروصيرص، إن أحداث العنف التي وقعت بمنطقة قنيص شرق ومدينة قيسان ومدينة الروصيرص وقبلها منطقة أم درفة هي نتاج طبيعي للصراع بين شقي الحركة الشعبية في ظل الانقلاب العسكري بالسودان، وضعف الخدمات، وزيادة معاناة المواطنين، وللتعبئة والاحتقان بين عدد من القبائل بالنيل الأزرق. وأوضحت المقاومة، في بيان صحفي، أنها حذرت من الفتنة التي يريدها البعض وقد كان، ولكن تناسى الجميع أن الحرب الأهلية التي يدعون لها سوف تنهش جسد كل المجتمع بقبائله المختلفة دون فرز، مبينة أن تراخي القوات النظامية في أداء واجبها في حفظ أمن المواطنين رغم التحذيرات منذ فترة يعطي مؤشرًا خطيرًا لا يمكن تدارك مآلاته لاحقًا. أما تجمع المهنيين السودانيين، فهو يقول : إن ذلك الصراع “نتيجة راجحة لسياسات السلطة الانقلابية التي نفذت انقلابها بالأساس على حشد مجموعات قبلية وحركات مسلحة ذات تكوين إثني واحد، وهو ما يهزم مبادئ المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ويُمزق اللحمة الوطنية، ويفتت النسيج الاجتماعي السوداني. وندد التجمع بـ”القرارات والتصريحات الصادرة عن قادة السلطة ، بدايةً من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه )محمد حمدان دقلو( وبعض قادة الحركات المسلحة، التي تذهب جميعها في إطار حشد القوات وخطابات تحمل مضامين عنصرية وجهوية، مبيناً أن السلطة تعمل على بثّ خطابِ الكراهية والعنصرية من خلال قادتها وإشعال النزاعات الأهلية المسلحة عن عمد وقصد، وذلك حفاظاً على سلطتهم، وتخويف السودانيين من إكمال مهام ثورة ديسمبر المجيدة ، ومقايضة مشاريع التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإسقاطه.
)2( في قمة جدة..
السيسي يجلد "المليشيات" بلسانٍ عربيٍ مبين !!
لم تكن فطنة المشاهد السوداني يستعصى عليها قراءة ما وراء سطور الخطاب الذي تلاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة جدة التي حضرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولم يكونوا يحتاجون لإسنادٍ تحليلي تجود به الكاتبة المصرية الضليعة في الشؤون الأفريقية، أماني الطويل، لمعرفة أن حديث السيسي عن المليشيات يُشير بالدرجة الأولى لقوات الدعم السريع التي يقودها النائب حميدتي . حيث قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنه لا مكان للمليشيات ومفهوم المرتزقة وعصابات السلاح في المنطقة، وعلى داعميها أن يراجعوا حساباتهم وتقديراتهم الخاطئة. وأوضح الرئيس السيسي، في كلمته خلال قمة جدة، أنه لا تهاون في الأمن القومي وما يحمله من خطوط حمراء، مؤكدا ضرورة تكثيف مساعي السلام في المنطقة. وأشار إلى ، أن بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة هو الضامن لسياسة الاستقرار بالمفهوم الشامل، مما يتطلب تعزيز دور الدولة الوطنية وتطوير ما لديها من كوادر. وأكد السيسي، ضرورة تعزيز المناخ الداعم للحقوق والحرية وتعزيز دور المرأة والمجتمع الديني، مشيرًا إلى ضرورة تكثيف مسيرة الإصلاح الاجتماعي. وأشار إلى أن مصر تؤمن بأن العالم يتسع للجميع وهو سلام الأقوياء. وأوضح الرئيس المصري في كلمته خلال قمة جدة، أن الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية أزمات الماضي الممتدة، مشيرًا إلى أن الجهود المشتركة لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. وأشار إلى إن المنطقة العربية تعاني تحديات جسيمة، بما في ذلك انتشار الإرهاب. وأكد الرئيس السيسي، أن الأمة العربية تتساءل عن مصير الأزمات الممتدة التي تعيشها المنطقة العربية منذ أكثر من عقد وآفاق تسويتها. وأشار إلى أنه حان الوقت لكي تتضافر الجهود المشتركة لتضع نهاية للصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، والتي أتاحت لبعض القوى للتدخل في الشؤون العربية. وخطاب السيسي وفقاً لمراقبين بأنه في عمومياته يُشرح الحالة العربية في ظل غياب الجيوش الوطنية في كثير من البلدان عن دورها الوطني الأصيل وحفظها لتوازنات القوى، ويرى بعضهم أن الحالة السودانية بالطبع كانت هي الأكثر حضوراً في مخيلة السيسي لأهمية الأمن المصري وارتباطاته القدرية بالأمن في السودان، ودلل مراقبون بأن كثير من المؤشرات الظاهرة كانت تدل على أن الرئيس المصري ظل حريصاً على دعم القوات المسلحة السودانية ، لكنه لا يميل للاعتراف بقوات الدعم السريع كونها جيش غير نظامي وغير احترافي ويجد اعتراضاً قوياً من الشعب السوداني، هذا فضلاً عن أن قائد قوات الدعم السريع تربطه علاقات قوية بالجارة اللدود لمصر وهي إثيوبيا، وقد أظهر السيسي تجاوباً وتفهماً كبيراً لوجود الفريق أول عبد الفتاح البرهان بصفته قائداً عاماً للجيش السوداني في سدة الحكم ، ولم يلتفت السيسي كثيراً لكل تداعيات الثورة السودانية الرافضة للشراكة مع المكون العسكري، بيد أن السيسي ينطلق من فرضية دعم الجيوش الوطنية ورفض الإسناد للمليشيات.
)3( " السودان الوطن الواحد"..
الشارع يعود بقوة لمواصلة الثورة ضد الانقلاب !!
الأحداث في السودان، تشير إلى أن السودانيون كفروا بسلطة الانقلاب كفراناً مبيناً، وبدأ الناس يتخوفون من استمرار سلطة الانقلاب في تسبب كارثة وطنية كبرى، بينما لجان المقاومة تؤكد بأن اقتلاع الانقلاب هو واجب الساعة، ولأن مواجهته رغم صعوبتها وتكلفتها الباهظة، إلا أن استمراره هو الأعلى تكلفة وطنية قد ينهار كل الوطن بسبب وجوده على سدة الحكم. ويقول الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم محمد عمر أنور، في تصريحات صحفية مبذولة على مواقع إلكترونية، "هدفنا واضح ومرسوم من المقاومة السلمية التي بدأناها منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر ، وهو أن نصل بثورة ديسمبر إلى نهايتها بإيجاد حكم مدني ديمقراطي من دون وصاية المكون العسكري الذي اختطف السلطة بلا وجه حق، ولدينا أساليب وأدوات متنوعة لكل مرحلة، سواء المواكب والاعتصامات والتتريس وغيرها من الأفكار الجديدة والمؤثرة التي يتم ابتكارها من وقت لآخر". وأضاف أنور، "نحن منفتحون، تحت مظلة العمل السلمي، باعتباره أكثر الوسائل فاعلية، وبالتالي، ملتزمون بهذا الخط، ونعمل بكل جد وقوة على محاصرة هذا الانقلاب، وشل قدراته، والعمل على إرباكه وتعميق التناقضات بين أفراده وجماعاته، وإظهار الشارع بأنه غير متطبع مع انقلاب 25 أكتوبر، وبالفعل، تمكنا من تحقيق جزء كبير من أهدافنا التي ننشدها". ولفت الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم إلى أن لديهم قناعة تامة بأن الشكل الأكثر فاعلية في عملية مقاومة هذا الانقلاب هو الحراك المستمر على الأرض، ما يجعل النظام العسكري يفقد توازنه وهيبته باستخدام العنف المفرط، لكن الحل السياسي، في نظره، يأتي بعد تحقيق المطالب التي من أجلها خرجت الجماهير إلى الشارع، وقال إن التفاوض مع المكون العسكري القائم على السلطة حالياً إضاعة للزمن لعدم توفر الثقة والضمانات اللازمة، بخاصة أن هذا المكون لم يغير صورته الدموية. ودعت بالأمس لجان المقاومة بولاية الخرطوم لمليونية تحت اسم السودان الوطن الواحد، تزامناً من أحداث ولاية النيل الأزرق التي جسدت المخاوف لدى السودانيين من انهيار الدولة ودخول المجتمع السوداني في حرب أهلية بسبب تمتمرس هذا الانقلاب في سدة الحكم وعدم استسلامه وابتعاده عن السلطة. وكان قد سبق هذه التظاهرة، التي تزامنت مع أول عمل رسمي بعد عطلة عيد الأضحى، إغلاق العديد من الشوارع الرئيسة والفرعية في معظم أحياء العاصمة المثلثة بالمتاريس )الأحجار(، فضلاً عن اندلاع تظاهرات متفرقة في عدد من الأحياء تصدت لها الأجهزة الأمنية باستخدام الغاز المسيل للدموع، وتأتي الاحتجاجات بعد فترة هدوء من حراك المواكب الجماهيرية امتدت أكثر من أسبوعين، حيث كانت آخر تظاهرة حاشدة شهدتها الخرطوم في 30 يونيو سقط خلالها تسعة قتلى بالرصاص الحي.
الجريدة