الخميس 8 سبتمبر 2022 - 21:06


(1)
 في العهد البائد كان إعلامنا ومنابرنا الإعلامية ونحن شركاء في ذلك ولا نعفي انفسنا، لا تملك الجرأة على انتقاد الحكومة او الحزب الحاكم ، لذلك كان الكل يتجه نحو مهاجمة (المعارضة) والأحزاب التى لا علاقة لها بالسلطة رغم ان الخلل في السلطة وليس في الاحزاب المعارضة.
 كان المؤتمر الوطني يغلط فنهاجم حزب الامة القومي ،يخفق الدكتور حسن الترابي فننتقد الصادق المهدي .. يفشل ابراهيم غندور فنحاسب مريم الصادق المهدي.
 الصادق المهدي عملوا على اغتيال شخصيته .. صوّروه وهو يهرب بزي امرأة وقدموا لنا الدكتور جون قرن وهو في حانات اللهو والخمر ، عندما كان يحدث التحرش في السفارات الدبلوماسية.
 الحزب الشيوعي السوداني كان السبب في الغلاء والمعاناة وسياسات المؤتمر الوطني الفاشلة رغم ان الحزب الشيوعي كان بعيداً عن الساحة وكان يلاحق وهو في باطن الارض.
 نحن كنا جزءاً من شيوع ثقافة مهاجمة (المعارضة) حتى اصبح هذا الامر من (طبائع) الشعب السوداني الذي كان لا يرى سوءة الحكومة ، وأصبح فينا بعد ذلك (عادة).
 خلقت الاذاعة والتلفزيون والصحافة ذلك الانطباع الذي يقضى بتعليق فشل الحكومة على محمد ابراهيم نقد والصادق المهدي وقرنق والميرغني.
 كانت الحكومة في العهد البائد تبيد في اهالي دارفور بصورة غير انسانية في الوقت الذي كانوا يلقون فيه بالقبض على بعض طلاب دارفور في الخرطوم لاتهامهم بمحاولة القيام بمحاولات تخريبية او تفجيرات يقصد بها ضرب العاصمة.
 ما زلت اذكر صورة بعض طلاب دارفور وهم يعرضون في تلفزيون السودان وفي نشرة الاخبار الرئيسية ليعترفوا بمحاولاتهم التخريبية بعد الاشارة الى ضبط خلية ارهابية من ابناء دارفور وفي حيازتها اسلحة ومتفجرات.
 ارتفاع الدولار كان بسبب مضاربات السماسرة وتجار العملة رغم ان رئيس الجمهورية نفسه كان يتاجر في العملة الصعبة.
 عدم هطل الامطار وفشل الخريف كان يرجع لأن الشعب انجرف وترك الصراط المستقيم .. اما الحكومة فهي لا ذنب لها في ذلك وهي تتعرض لابتلاء يجب ان يصبر الشعب عليه.
 عندما ينجح الخريف وتهطل الامطار بغزارة وتأتي السيول والفيضانات يخرج المسؤول ليشمر عن بنطاله ويخوض مع المواطنين في مياه الامطار والسيول في امبدة او الجرافة فيشكر على مشاركته للشعب الخوض في المياه.
(2)
 لا اتابع كتابات الاستاذ المهندس عثمان ميرغني بصورة دائمة ليس تقليلاً منه ولكن لأني لا استطيع ان امسك قلمي عندما اقرأ له فيستفزني ما يكتب. مع ذلك اشهد ان الاستاذ عثمان ميرغني يكتب بموضعية ولهذا نختلف معه حول (الموضعية) نفسها بعيداً عن شخصنة القضايا وللأمانة فان عثمان ميرغني يقبل ذلك بروح رياضية وأظن ان موقع عثمان ميرغني وتأثيره يفرض عليه ان نجادله فيما يكتب دون ان يفسد ذلك للود القضية.
 اجمل النقاشات والاختلافات هي التى تبنى على الاحترام والتقدير وتبعد عن المرامي الشخصية.
 احدى الاشياء التى تستفزني في عثمان ميرغني هو عرضه لبعض الاشكاليات وتقديمه لحلول (ساذجة) لها .. ينظر عثمان ميرغني للمشكلة وكأنها (مرض) وهو الطبيب الذي يملك ان يكتب (الروشتة) ويحدد لها (الدواء) دون حتى ان يشخص العلة.
 كتب عثمان ميرغني امس الاول في زاويته الشهيرة (حديث المدينة) تحت عنوان (شكلة الحرية والتغيير).. سوف نفاصل عثمان فيما كتب ولكن قبل ذلك انظروا الى (الحلول) التى يعرضها عثمان ميرغني للمشكلة التى يتحدث عنها.. كتب عثمان : (مطلوب مائة امرأة ورجل في مقام رئيس وزراء.. وضعفهم في مقام وزير شؤون الرئاسة.. وثلاثة أضعافهم في كل منصب وزاري.. لا ليحلوا مشاكل الوطن بعبقرياتهم بل ليؤسسوا المؤسسات التي تدير الوطن.. فقد انتهى عهد الزعيم الملهم.. والمطلوب مؤسسات ملهمة تقود البلاد).. في هذا الحل الذي يقدمه عثمان للازمة اختلف جملة وتفصيلاً مع عثمان .. فليس هناك شيء اضر بالسودان غير هذا الكم من الذين يظنون في انفسهم الكفاءة والقدرة. علينا ان نتفق حول شخص او ان يكون التنافس بين اثنين او ثلاثة على اكثر حال وليس مائة لرئاسة الوزراء وضعفهم لوزير شؤون الرئاسة وثلاثة اضعافهم في كل منصب وزاري.. مشكلتنا الآن في الحل الذي يقدمه عثمان ميرغني .. الصراع على المناصب التى تحدث عنها عثمان ميرغني صراع تعدى خانة الاحاد الى خانة المئات.
 في السودان الآن 120 حزباً وعشرات الحركات المسلحة كلها تتصارع على منصب رئيس الوزراء .. لو كنا مثل العالم الاول نملك حزبين فقط كبار كما في امريكا وانجلترا لما حدث للسودان هذا الانجراف.
 نظرة عثمان ميرغني هي التى انتجت لنا عشرة جيوش في عاصمة تغرق بعد هطل اول مطر في الخريف.
 معايير الجودة لا تحسب بالكم وإنما بالكيف.. ما جدوى ان يكون عندك مائة مرشح لرئيس الوزراء لا يصلح منهم واحد ان يكون وزيراً .. لمعلومية عثمان اذا صلح من المائة واحد فذلك يعني انسحاب الـ 99 الاخرين- هذه قاعدة رياضية ان لم تكن موجودة لاخترعتها فاحفظوا لي حق الاختراع.
(3)
 عثمان ميرغني كعادته لا يحاسب (العسكر) الذين يحكمون والذين اعطوا لنفسهم حق تحديد الكيفية التى يحكم بها السودان ومنحوا انفسهم كذلك حق اختيار الحكومة وتشكيلها والانقلاب عليها بعد ذلك.
 يهاجم عثمان ميرغني (الحرية والتغيير) في وجود (10) جيوش في العاصمة لم تندمج حتى الآن رغم اتفاقية سلام جوبا الملزمة بذلك.
 كتب عثمان : (ما يجري في الساحة السياسية السودانية مجرد (شَكَلة) داخل الحرية والتغيير، فانقسمت إلى فريقين متضادين.. كل منهما يرى في نفسه “البطل” و في الآخر “الخائن”..).. الشكلة التى تحدث في (الحرية والتغيير) هي شكلة (طبيعية) فهذه طبيعة السياسة والأحزاب ، على عثمان ان ينظر للشكلة التى يمكن ان تحدث بين (الجيوش) التى توجد في العاصمة.
 نحن نبحث عن اتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع ليحدث الاندماج.. هذه هي المشكلة الحقيقية التى يعاني منها السودان.
 يعيدنا عثمان ميرغني للعهد البائد عندما كان يُهاجم الصادق المهدي ونقد والميرغني ويتهمون بالخيانة والعمالة في الوقت الذي كانت تفسد فيه السلطة وتتم المتاجرة بالدين وتحدث الابادة وينتشر المرض والفقر والجوع في ربوع البلاد.
 اذا كان عثمان ميرغني يبحث فعلاً عن الحل عليه ان يطعن في (الفيل) فليس هنالك شيء اضر بنا اكثر من الطعن في (الظل).
(4)
 بغم
 اتركوا (الحرية والتغيير) في حالها فهذا عملها وواجهوا ازماتكم ومشاكلكم بشجاعة بدلاً من ان تصنعوا لأنفسكم (ازمة) في حدود قدرتكم على التعامل معها.
 نحن دائماً لا نرى الازمات التى تخيفنا … نرى فقط الازمات التى نخيفها!!
 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).