الأربعاء 14 سبتمبر 2022 - 11:49

بعد أن كشفت نقابة المحامين السودانيين الاسبوع الماضي عن أهم ملامح مشروع الدستور الانتقالي للبلاد، الذي عكفت على إعداده خلال الفترة الماضية، بعد مبادرة وجدت تأييد القوى السياسية المطالبة باستعادة مسار الانتقال عبر الحكم المدني، رحبت عدد من القيادات السياسية والحزبية بالمسودة التي تعد واحدة من أفضل ماطرح في الفترة الاخيرة من مبادرات كثيرة ، تهدف لإيجاد حلول سياسية ، لكن كان أغلبها أهمل المطالب الأساسية لثورة ديسمبر المجيدة وتجاهل الحراك الثوري في الشارع العام ، وهذا كان القاسم المشترك لأسباب الفشل لعدد من المبادرات التي تلاشت قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به.
وترحيب القوى السياسية الداعمة للتحول الديمقراطي هو أمر طبيعي لطالما ان هذه القوى أيضاً سعت ومازالت تسعى لإيجاد حلول تستطيع ان تحقق بها ارادة الشعب ورغبته.
لكن الغريب والذي يلفت النظر هو تصريحات الرفض والقبول عند قائد قوات الدعم السريع الذي يتوافق سياسياً هذه الايام في الفكرة والطرح مع قوى الحرية والتغيير والقوى الثورية، حتى ان لم تقبل هي هذا التوافق والميول وتقابله بالاهمال واللامبالاة.
فحميدتي رفض بشدة مبادرة الطيب الجد التي كان يدعمها عناصر النظام البائد ويرعاها ويشرف عليها المجلس الانقلابي والتي رفضتها قوى الحرية والتغيير والقوى الثورية بشدة ، فدقلو كان الانقلابي الوحيد الذي أعلن رفضه صراحة للمبادرة.
ولم يتوقف محمد حمدان على هذا الرفض بل حاول ان يعززه بموقف آخر أكثر قوة من الذي قبله ، والذي يصب مباشرة في نهر التحول الديمقراطي وهو ترحيبه بمشروع الدستور الانتقالي، الذي عكفت على إعداده اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.

قال ايه !! ( إنه يعرب عن أمله في أن يكون مشروع الدستور نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة السودانية مشيراََ إلى أنه يدعم كل الجهود التي تُسهم في التغلّب على المصاعب التي تواجه البلاد، داعياََ جميع الأطراف إلى الانخراط وبشكل عاجل في حوار شامل، يفضي إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية بما يحفظ أمن واستقرار البلاد).

لهذا فإن الموقفين يؤكدان أن الرجل يسبح الآن عكس التيار الإنقلابي في بحر تهدد أمواجه السفينة بالغرق ، وهنا حري بالبرهان أن يخشى هذا التحول في مواقف قائد الدعم السريع أكثر من التحول الديمقراطي، فدقلو الرجل الثاني في حكومة الانقلاب الذي تقع تحت سيطرته قوة كبيرة وجيش يقف في خط موازي للقوات المسلحة الامر الذي يشكل ابتعاده عن طاولة العسكريين قلقاً وهاجساً كبيراً للسلطة الانقلابية.

هذا الجفاء الذي شعر به البرهان قبل الجميع وراوده الشك ان محمد حمدان دقلو يغازل القوى السياسية بالمدني الصريح، الامر الذي أشعل نيران الغيرة عنده وخرج (ينهر) في المدنيين قائلاً: (ماعندكم شغله بعلاقة الجيش والدعم السريع) وقتها أكد القائد أن هناك سبب دفعه لهذا الحديث فأحياناً ماتشعر به ربما يكون مجرد شك لم يحدث في الواقع ولا يعلم الناس عنه شئ فيكشفه الإنفعال ويحوله الى خبر تكون انت اول من ساعد في نشره.

والتاريخ القريب هو من يجعل حبال الثقة التي تربط بين المؤسسة العسكرية والدعم السريع تضعف يوما بعد يوم فهي تعلم ان حميدتي قبل سقوط البشير عندما حاصرت الثورة القيادة العامة واصبح الامر واقعاً والجميع بات في قبضة الشعب ، وان لا مفر ولا انحياز إلا للحق اختار دقلو الوقوف مع الشعب وترك البشير الذي جاء بالدعم السريع الى الخرطوم لحمايته ، تخلى عنه في آخر دقيقة.
فهذا مايخشاه البرهان الآن فالتاريخ يعيد نفسه فعندما تخلى دقلو عن المخلوع كان ذلك في آخر أيامه عندما سقطت قبله البلاد سياسياً واقتصادياً، والآن تواجه مصيراً أصعب وأخطر سياسياً واقتصادياً وأمنياً، الأمر الذي يجعل للتخلي وقع وتأثير أعمق.

فما يقرأه محمد حمدان دقلو من كتاب الواقع السياسي الذي يحتوي على فصول الخطر الذي يحيط بالبلاد، والفشل الكامل لاجراءات الانقلاب، وظلمة المستقبل التي تؤكد نفاد فرص حكم العسكر يجعله أفضل بكثير مما يجهله ويهمله قادة المؤسسة العسكرية لذات الكتاب فالرجل يشعر بالخطر ويقر ويعترف بطريقة غير مباشرة عن ما ارتكبه من أخطاء فادحة ، لكن للأسف أن كل مايقوم به دقلو من خطوات لن تشفع له لأن ما ارتكبه من جرائم تجاه الوطن والمواطن كان ومازال شئ أكبر !! .
طيف أخير:
مابين هبة سبتمبر ورهبة اكتوبر الكثير منهم سيجد نفسه يقف في المكان الخطأ !!
الجريدة