الخميس 15 سبتمبر 2022 - 19:09

(1)

 دائماً اقول ان مشكلة السودان ليست في (الجاهلين) وإنما في (المتعلمين) ، وأزمتنا ليست بسبب (الفقراء) وإنما بسبب (الاغنياء) ، وعلتنا ليست في (المرضى النفسيين) وإنما في (الاطباء النفسيين) ، وهذا خلل في (التركيبة) العامة وليس في العلم او الغنى او الطب النفسي ، لأن العلم يقود دائماً الى النجاح وهو الوسيلة التى يجب ان تتبع اذا اردنا الخلاص.

 الخلل فينا وليس في (العلم).

 وحتى لا يكون ذلك تجنياً مني على غيري اقول ان العيب في (الصحفيين) وليس في (القراء) ، لنكون شركاء في الذنب.

 الدكتور منصور خالد تحدث في كتاب شهير ومرجعية سياسية مهمة عن (النخبة السودانية وإدمان الفشل) وهذه نتيجة وصل لها الدكتور منصور خالد واقر بها رغم انه يقف في طليعة تلك النخب.

 الفساد في العهد الفرعوني بدأ من (كهنة المعابد) مثلما فعل (رجال الدين) في العهد البائد عندما اصبحوا يتاجرون في الدين وهم في بيوت الله يتحدثون عن السيرة النبوية وعن حياة الصحابة بلحية كثيفة وجلباب ناصع البياض.

 مواصفات المنافق ان تكون متعلماً ومثقفاً وأنيقاً وصاحب دم خفيف وتمتلك كاريزما خاصة وترد على المكالمات من اول جرس.

 الاقتصاد السوداني انهار اولاً في (البنوك) ومؤسسات الدولة الاقتصادية الكبرى . فشل خبراء الاقتصاد في ان يقدموا لنا وصفة تحفظ لنا توازن الجنيه السوداني وعجزوا عن مصارعة تجار العملة وسمسارة الدولار الذين لا يعرف اغلبهم ان يكتب اسمه مع ذلك استطاعوا ان يتغلبوا على حملة الشهادات العليا والخبرات الدولية.

 الخبراء الاستراتيجيون والمحللون السياسيون هم (الكارثة) الحقيقية في هذه البلاد ، فهم يتحدثون عن الوضع السياسي بمصطلحات علمية وأرقام هلامية وعيون جاحظة و(صلع) كبيرة لحساب مصالحهم الشخصية وليس مصالح البلد والعامة.

(2)

 السودان تعرض عبر التاريخ للاستعمار كثيراً ولكن في كل تلك العهود التى كان فيها السودان دولة مستعمرة لم نسمع مسؤولاً اجنبياً واحداً يقول ان الشعب السوداني عرف (السكر) معهم كما فعل مصطفى عثمان اسماعيل عندما كان وزيراً للخارجية ، ولم يخرج حاكماً والسودان تحت الاحتلال ليقول للسودانيين ان المواطن السوداني كان لا يملك اكثر من (قميص) واحد وان (دواليبهم) امتلأت بفضل الحركة الاسلامية كما قال نائب رئيس الجمهورية والبرلماني السابق الحاج ادم في تصريحات مشهودة انكر فيها حتى معرفة الشعب للكهرباء والصابون قبل ان تأتي حكومة الانقاذ.

 كذلك لم يرصد لنا التاريخ في فترة الاستعمار الانجليزي الدخيل من يتحدث بلغة (امسح وأكسح وقشوا وما تجيبوا حي) كما كان يتحدث قادة العهد البائد عن ابناء شعبهم.

 كل هذه الاشياء توضح اين توجد الازمة؟

(3)

 تجدني لا اتفق مع التصريحات التى يطلقها الدكتور علي بلدو المختص في الطب النفسي والذي يتحدث عن ارقام مخيفة لا ارى تقارباً لها في واقعنا السوداني.

 مع كل هذه الاوضاع نقول ان السودان دولة مستقرة نفسياً وهو افضل من معظم الدول التى تتقدم علينا في كل شيء… وهنالك رضا ويقين كبير عند الناس في السودان.

 الدكتور بلدو الذي يحذر من الاكتئاب وينادي بمعالجة الامراض النفسية وهو مختص في هذا الجانب احسب ان تصريحاته هي في نفسها (اكتئاب) وهي من مسببات المرض النفسي الذي يختص بلدو في علاجه.

 هل من دلائل عبقريات الطبيب النفسي ان يحمل جينات مرضاه ؟ نحن في وقت ما كنا نعتقد ان المبدع اذا كان عبقرياً لا بد ان يكون (مجنوناً) ويتحدث في امور غير مفهومة ويبرم شعره ولا يرد عليك من اول مرة.

 رصدت بعض التصريحات للدكتور على بلدو في فترات متباعدة فوجدتها كلها تدعو للاكتئاب والإحباط وتشليع الانسان السوداني.

 اخر تصريحات الدكتور علي بلدو جاءت على هذه الشاكلة: (شكا استشاري الطب النفسي والعصبي أستاذ الصحة النفسية بالجامعات السودانية د. علي بلدو، من ارتفاع مخيف في حالات الإصابة بالأمراض النفسية والاكتئاب وسط المواطنين بالعاصمة والولايات هذا العام، حيث يتراوح متوسط التردد اليومي بالبلاد بكل من المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة ما بين (5) آلاف إلى (20) ألف حالة يومياً، في ظل ضيق المواعين لاستيعابهم وتنويمهم لتلقي العلاج، ما جعل معظمهم يُهيم بالطُرقات).

 في اغسطس 2021 كان هذا التصريح : (قال استشاري الطب النفسي والعصبي علي بلدو ان معدل الانتحار في السودان من اكثر المعدلات عربياً وافريقياً، ويأتي السودان في المرتبة الاولى حسب التصنيف الدولي للصحة العالمية بمعدل (12) لكل مائة ألف من السكان، وأكد ان هذه نسبة عالية جداً ومتصاعدة لدرجة أن هنالك سودانياً أو سودانية يحاول الانتحار كل ساعة وهذه المحاولات قد تنجح او تبوء بالفشل ، ولكن لا يتم ايصال اغلب الحالات إلى السلطات المختصة نتيجة للخوف من القانون والذي يجرم الانتحار في المادة (133) كما يجرم تحريض شخص آخر على الانتحار في المادة (134) من القانون الجنائي للعام (1991) ويتم إقناع البعض بالعدول عن الانتحار على اطراف الكباري او الانهار ويذهب الشخص إلى منزله دون أن يتم رصده او متابعته وكما تتم معالجة بعض حالات محاولة الانتحار في بعض المراكز الطبية الحكومية او الخاصة مثل الانتحار عن طريق صبغة الشعر وقطع الأوردة او ما شابه وتتم تغطية الامر دون عرضها على الجهات المختصة، وهذا يجعل ما يصل إلى السلطات ويتم رصده من حالات انتحار في السودان لا يتجاوز الـ(1%) فقط).

 اذا كان هناك على رأس كل ساعة سودانية او سوداني يحاول الانتحار لشعرنا بهذا الامر .. هذا امر لا يخفى حتى وان كان مجرد محاولة تحدث في الخفاء والسر.

 في يناير 2017 م قال بلدو : (يلاحظ في الآونة الأخيرة ترد مريع في الحالة النفسية للمواطن، مما جعله يحتل المرتبة الأولى في التصنيف العربي لنسب الانتحار، وبنسبة (12) لكل (100) ألف من السكان حسب إحصائية منظمة الصحة العالمية للعام 2014م، فضلاً عن تراجع السودان للمرتبة قبل الأخيرة في معدل السعادة العالمي، مع تزايد المرض النفسي وسط طلاب المدارس بنسبة (37%) في آخر احصائية رسمية منشورة قبل ثلاثة أشهر، جنباً إلى جنب مع تزايد المرأة السودانية بالاكتئاب النفسي بصورة أعلى من النسب المعروفة عالمياً).

 أنا اكفر بهذه المنظمات اذا كانت تتحدث بهذه الارقام (الخرافية).

 وقال بلدو في نفس العام : (الاكتئاب ظاهرة عالمية إلا أن الملاحظ ارتفاعها عند النساء في السودان، بحيث نجد أمام كل رجل سوداني أربع نساء مكتئبات، وتعد نسبة خطيرة).

 في ابريل 2021م قال د علي بلدو : (60% من السودانيين يعانون من حالات الاكتئاب النفسي).

 هذه التصريحات نتائجها السلبية اكثر من نتائجها الايجابية خاصة انها تصدر من طبيب معروف واختصاصي كبير في مجاله ليس الطبي وحده وإنما الاعلامي ايضاً.

(4)

 بغم

 كنت انوى ان اكتب عن المحامي نبيل اديب والراصد الجوي منذر احمد الحاج وشيخ الامين الى جانب بلدو في هذا العمود لكن قررت الاكتفاء بالحديث عن الدكتور علي بلدو حتى لا اثقل عليكم في (الاكتئاب) … علي بلدو وحده يكفي.

 الرسالة وصلت!!

 ملحوظة : نسيت ان ازيل اسم نبيل اديب ومنذر احمد الحاج وشيخ الامين من العنوان!!

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية)