السبت 24 سبتمبر 2022 - 13:45
لقد صار أي شيء في هذه البلاد بعد الانقلاب، هلامي التكوين ثعباني الملمس، حلزوني الملمح، اليوم على شكل وهيئة وغدا على آخر، تتبدل فيه الأحوال والأقوال والمواقف كما يبدل الثعبان جلده وكأن شيئا لم يكن، إلى أين تمضي البلاد وإلى أي مصير سينتهي بها المسير، هذا ما لا يستطيع التكهن به كائن من كان، فالكل تائه بين الحقيقة واللا حقيقة، والسيد أبو هاجة مستشار البرهان والذي هو أحد نتاجات وافرازات هذا المناخ الملتبس، الملبد بالغيوم، قدم مثالا حيا على حالة طمس وتغبيش الحقيقة، وذلك حين ذكر أن البرهان سيحكي كل الرواية عن حقيقة ما يجري في السودان من البداية والى النهاية، من خلال كلمته أمام الجمعية العامة بنيويورك، وأن حديث البرهان سيكون لتعريف الغرب بحقيقة ما يحدث في السودان بكل شفافية..

ورواية البرهان وحكاياته التي أشار اليها أبو هاجة، تذكرني بحكاية الزوج الخائن المخادع كثير العشيقات الذي يظن في نفسه الذكاء الخارق بمغامراته التي يستطيع بسهولة تمريرها على زوجته المسكينة بأن يقول لها نصف الحقيقة، لا هو صادق ولا هو كاذب وإنما نصف صادق ونصف كاذب، فكان عندما يلتقي باحدى عشيقاته ويعود بعد ذلك اللقاء إلى البيت يبادر زوجته بالقول أنه اليوم التقى فلانة في الشارع وتبادلا التحايا والسلام والكلام وحملته أن يبلغ سلامها إليها وإلى الأولاد، ثم يخفي ما تم بينهما في الخفاء… استمر هذا الخائن العربيد يمارس خيانته كاملة بينما يمارس الخداع على زوجته بقول نصف الحقيقة إلى أن جاء ذلك اليوم الذي لم يخرج فيه من البيت لوعكة ألمت به، بينما خرجت زوجته لقضاء أمر ما، وعندما عادت الزوجة بادرته بالقول أنها قابلت فلان في المحل العلاني وأنه يبلغه سلامه، وهنا جحظت عينا الرجل وفار الدم في عروقه وصرخ في وجهها ثم ماذا بعد السلام، ماذا فعلتما وأين ذهبتما، أجابت الزوجة ببساطة ولا مبالاة كان لقاء عابرا، ولكنه لم يطمئن وظل يبحلق كالأبله في وجهها بحثا عن الحقيقة والاحرى حقيقته هو،

وكما حكاية هذا الزوج المخادع فلن يستطيع البرهان قول الحقيقة الناصعة اللهم الا أن يلتف عليها كما فعل الزوج الخائن، وهل يستطيع البرهان قول الحقيقة عن سجل حقوق الانسان بعد انقلابه الكارثي، وهل يستطيع كشف الحقائق عن مجزرة فض الاعتصام، وهل يعترف بضلوعهم في قتل وسحل شهداء المسيرات المناهضة لانقلابه، وهل يستطيع تقديم كشف حساب عن الدمار والخراب الذي أورثه البلاد بعد الانقلاب، وهل وهل من (الهلاهيل) مما لا تسعه هذه المساحة، هذا غير أن قادة العالم المؤتمرين في الأمم المتحدة يعلمون من مجريات الأحداث في السودان ربما بأكثر ما يعلم البرهان، اللهم الا اذا كان البرهان سيقول لهم كما قال أحد الساخرين، أن المتظاهرين كانوا بقولوا معليش معليش ماعندنا جيش، ووجدي صالح وود الفكي كانوا بكاوونا ويقولو لينا ستصرخووووون، وفى كمان واحدين قالو ما دايرين يتفاوضو وديل عاملين لينا غاغة وبترسو لينا الشوارع، وقاعدين يشتموني بكلام كعب خلاص و بطلعو غنجات، وبالفعل لم يجرؤ البرهان في خطابه أن يحكي كل الرواية عن حقيقة ما يجري في السودان، كما زعم وادعى أبو هاجة..
الجريدة